الدرس 182: شرب الدخان

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 11 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 2133 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء على سائل يسأل عن حكم شرب الدخان: بأن شرب الدخان معصية من المعاصي وإذا مات الشخص على المعصية فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وأخرجه من النار وأدخله الجنة وإن شاء غفر له وأدخله الجنة وأما حكمه في الدنيا فيقال "مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته" هذا مذهب أهل السنة والجماعة

وشرب الدخان حرام لأنه ثبت أنه يضر بالصحة ولأنه من الخبائث ولأنه إسراف وقد قال تعالى "وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" أما حكم الصلاة خلفه فإن كان يترتب على ترك الصلاة وراءه فوات صلاة الجمعة أو الجماعة أو حدوث فتنة وجبت الصلاة وراءه تقديما لأخف الضررين على أشدهما وإن كان ترك بعض الناس للصلاة خلفه لا يخشى منه فوات جمعة ولا جماعة ولا ضرر كما سبق وإنما يترتب على عدم الصلاة خلفه زجره وكفه عن شرب الدخان وجب ترك الصلاة خلفه ردعا له وحملا له على ترك ما حرم عليه وذلك من باب إنكار المنكر وإن كان لا يترتب على ترك الصلاة خلفه مضرة ولا فوات جمعة ولا جماعة ولا يزدجر بترك الصلاة وراءه فيتحرى المسلم أن يصلي وراء من ليس مثله في الفسق والمعصية فذلك أتم لصلاته وأحفظ لدينه

وقد حرم الدخان لما فيه من الضرر بالصحة وتلف المال وقد جاءت الشريعة بوجوب حفظ الأبدان وحفظ الأموال وجعل العلماء قديما وحديثا حفظهما من الضروريات الخمس التي لا بد منها في حفظ كيان الأمة وقيام أمرها على وجه ينتظم به شأنها وثبت في الحديث النهي عن إضاعة المال ولا شك أن إنفاقه في شراء الدخان إنفاق فيما لا جدوى فيه بل إنفاق له فيما فيه مضرة لشاربه وللمجتمع فكان من إضاعة المال

وإذا كان تعاطي الدخان والتدخين بالسيجارة ونحوها معصية فارتكابها في المسجد أو حين دخوله أو حين الاستماع لتلاوة القرآن من شخص مباشرة أو بواسطة المذياع مطلقا أو تلاوة إنسان القرآن وهو يتعاطاه وبيده السيجارة ارتكاب هذه المعصية في أي حال من هذه الأحوال أشنع وأشد نكارة لما فيه من امتهان الأماكن التي أعدت للعبادة بارتكاب المعصية فيها وعدم الرعاية لحرمة القرآن الذي هو كلام الله مصدر التشريع الإسلامي ومنبع الحكمة والعبرة والموعظة الحسنة بارتكاب هذه المعصية حين استماعه لتاليه أو تلاوته هو للقرآن وإذا كان الناس يراعون الأدب في مجالس الوجهاء والزعماء وحين إلقاء المراسم فكيف يجترئون على ارتكاب معصية في جوامع المسلمين التي هيئت للعبادة والتقرب إلى الله أو حين دراسة القرآن وتلاوته أو الاستماع لتاليه فيجب اجتناب شرب الدخان مطلقا ويتأكد تركه عند التقرب إلى الله بالذكر أو تلاوة القرآن أو استماعه

وشربه يدخل في عموم حديث "لا ضرر ولا ضرار" رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل أيضا في عموم حديث "ملعون من ضار مؤمنا" رواه الترمذي عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم

وحيث إنه خبيث ينبغي صيانة بيوت الله عنه وحمله إليها مما يتعارض مع تعظيم بيوت الله وتكريمها فلا يجوز الذهاب إلى المسجد وفي الجيب دخان

وشرب الدخان حرام لأنه مستقذر من ذوي النفوس والعقول الطيبة السليمة والله سبحانه يقول "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" ويقول سبحانه "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ" ولأنه مفتر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود عن أم سلمة عن كل مسكر ومفتر ولثبوت أضراره طبيا بالصحة ومعلوم أن ما ثبت ضرره حرم استعماله ولأن الإنفاق والحال ما ذكر يعتبر إضاعة للمال وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" والكراهة هنا كراهة تحريم

والتدخين وشرب التبغ على أي كيفية حرام لأن ذلك من الخبائث وقد قال تعالى في صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" ولأنه مضر بالقلب والرئتين وبصحة الإنسان عموما ومنشأ لأنواع من الأمراض الخبيثة كالسرطان وقرر الأطباء خطره على الصحة وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالتحذير مما يضر بالإنسان عموما

وإحضاره لمن يشربه وسيلة لشربه والوسائل لها حكم الغايات فإذا كانت الغاية محرمة فكذلك الوسيلة الموصلة إليها وطاعة الوالدين مشروعة فيما هو طاعة لله وما هو مباح أما طاعتهما في معصية الله فغير جائزة لقوله صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لأحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف" رواه النسائي وابن ماجه عن علي رضي الله عنه وقوله صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" رواه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك عن عمران وقد أفتى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية بتحريمه

وشرب الدخان حرام والإصرار على شربه والإدمان عليه أشد تحريما لأنه من الخبائث ولا ينبغي لمن ابتلي بشربه أن يصلي إماما إلا بمن ابتلي بمثل ما ابتلي به أو أشد ويخطئ من يصلي منفرداً وعدم الصلاة خلفه لأن أداء الصلوات الخمس في الجماعة فريضة للأدلة الدالة على ذلك من الكتاب والسنة

حفظ الله شباب المسلمين من الوقوع في معصية شرب الدخان حفاظاً على دينهم وصحتهم

وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

1435-3-11هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر