الصبر

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 2062 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله وليِّ الصابرين وأمانِ المتقين وأشهد أن لا إله إلا الله يمحصُ الذين آمنوا ويمحق الكافرين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أيده ربه بقوة الصبر واليقين اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

فيقول الله عز وجل: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " (الزمر 10)

عباد الله: الصبر ملاك الإيمان وزينة الإنسان وطريقه إلى المعالي والمكرمات إليه يسكن وبه يطمئن وفي ساحته يقر ويستريح وهو مقام عظيم من مقامات الدين ومنزل كريم من منازل السالكين وهو في الإسلام خلق له خطره وعظيم شأنه شاد القرآن بذكره في نيف وسبعين موضعاً منه ورتب عليه الثواب الجزيل وضاعف لأهله الحسنات ليحببه إلى القلوب ويرغب فيه النفوس فما من فضيلة إلا وهو دعامتها فإن كان صبراً عن الشهوات سمي عفة وإن كان على احتمال مكروه كان رضا وتسليماً وإن كان على النعمة وشكرها كان ضبطاً للنفس وحكمة وإن كان في قتال سمي شجاعة وقوة وإن كان بين يدي حماقة أو سفه سمي حلماً وإن كان بكتمان سر سمي صاحبه كتوماً وأميناً وإن كان لفضول في العيش أو الحديث سمي زهداً وهكذا

فالمرء بدونه في الحياة عاجز ضعيف لا طاقة له بما قد يثقله لا حول له ولا قوة بين يدي أمر يشق عليه وطبيعة الليالي والأيام لا تدوم على حال إن أحسنت أساءت وإن أقبلت فسرعان ما تدبر والإنسان أمام أحداثها ضعيف الإرادة لين العريكة لا يقوى على الصمود ولا يحتمل وقع الشدة لذلك فإنه بحاجة إلى طاقة يواجه بها هذا الأمر وقوة يجتازه بها وقد ينزل به وليست متوفرة عند كل الناس فمن الناس قوم عاشوا وشغلهم شاغل أنفسهم وحظوظها أخلدوا إلى الأرض وربطوا أسباب السعادة بها لا حكم بينهم غير المنفعة ولا قانون غير الأثرة والأنانية ولو تحطمت كل المبادئ والقيم وانتهكت الحرمات وذابت في بوتقة الرذيلة المعتقدات إن هؤلاء لا يطيقون فراقاً لما ألفوا وربما ألفوا الموت الرخيص فراراً من قضاء الله فيما فقدوا فيبوءون بخزي الدنيا وعار الآخرة وذلك هو الخسران المبين وفيهم وفي أمثالهم يقول تعالى "من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً " (الإسراء:18). ومن الناس من تحلوا بالإيمان بالله فلانت له قلوبهم وكان الزاد الذي تقوم به حياتهم والقوة التي تتحقق من خلالها أمجادهم هؤلاء رأوا أن السعادة ليست في مال يجمع أو لد أو جاه أو سلطان أو راحة أو اطمئنان إنما سعادتهم في أن يكون الله عنهم راض وأن تكون دنياهم بما اشتملت عليه في خدمة هذا الغرض الأسمى والقصد الأقوم الأرواح والأموال والأولاد وكل ما يعتز به الإنسان في هذا الباب سواء فهم في النعمة شاكرين وإذا مسهم الضر فإلى الله يجأرون وإذ دعوا إلى الله ورسوله رأيتهم يسارعون إنهم ليذكرون قول الله سبحانه "وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون" (سبأ:37). اختارهم الله وارتضاهم ومنحهم من فضله واجتباهم هؤلاء إذا نزل بهم ما يكرهون أو كلفوا بما لا يستطيعون أو طولبوا بما لم يألفوا أو دعوا إلى ضد ما أحبوا ذكروا الله فحملوا أنفسهم على الرضا بأمره والتسليم لحكمه والوقوف عند حده وليس ذلك إلا الصبر الذي أمر به خليله إذ قال "فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " (ق:39). وقال تعالى "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ" (الأحقاف:35). والتاريخ حافل بالبطولات في هذا المضمار فهؤلاء أمثال بلال وعمار بن ياسر وصهيب أولئك الذين أوذوا فما وهنوا لما أصابهم وما ضعفواوفي ميادين الشرف أمام الأعداء شهدت الدنيا رجالاً باعوا في سبيل الله أنفسهم وأموالهم فآتاهم الله ثوابهم ونصرهم على عدوهم فمحمد الفاتح مقوض دولة الروم الشرقية وفاتح القسطنطينية وصلاح الدين قاهر الصليبين والقائد المظفر قطز قاهر التتار وحامي حمى الإسلام والمسلمين كل أولئك كان الصبر أقوى سلاح في حياتهم حققوا به النصر على الحياة وعلى ما في الحياةوحتى يكون بنيان الأمة قوياً لا بد لها من الأخذ بكل القيم والفضائل وتطهير المجتمع من الدنايا والرذائل والضرب على يد العابثين بقيمها ومقدراتها وتوطين النفس على البذل والتضحية

اسمعوا إلى قول الحق تبارك وتعالى وهو يقول "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" (الزمر:10). فما أجمل أن يتخلق شيب هذه الأمة وشبابها كبارها وصغارها رجالها ونساؤها بهذا الخلق النبيل في كل شئونهم فلا يستهويهم بريق الحياة فينسوا الواجب ولا تزعجهم حادثات الليالي فيخلدوا إلى الضعف ولا تستحوذ عليهم تيارات الهوى فيميلوا عن الجادة إن عليهم أن يوطنوا أنفسهم على مواجهة كل تصاريف الحياة حلوها ومرها خيرها وشرها بقلب المؤمن الصادق وأن يعلموا أن الأيام دول فيوم علينا ويوم لنا وأن يذكروا أن ذلك سنة الله في خلقه فهو القائل: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.(البقرة:155).

جعلني الله وإياكم من الصابرين

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

أما بعد

عباد الله: " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " (آل عمران 102) ، تخلقوا بالصبر في جميع شئونكم فيا أيها المرابطون على الثغور اصبروا والفرج قريب بإذن الله فأنتم أمام عدو غاشم من الرافضة .

أيها الناس الحياة كفاح ولا تنسوا إخوانكم المستضعفين في كل مكان خصوهم بالدعاء.

اللهم اجعلنا من الصابرين ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم وفق وليّ أمرنا لما تحب وترضى وانصر جنودنا على حدودنا.

عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.

وأقم الصلاة يرحمك الله

1435-3-28هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي