الدرس 296 التحذير من التهاون بالشهادة

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 3 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1572 القسم: الفوائد الكتابية

بعد تحية الإسلام لإخواني القراء

إن التهاون بالشهادة دليل ضعف الإيمان فأقيموها لله وحدَبعدم تأديةه، لا تقيموها لقريب من أجل قرابته، ولا لصديق من أجل صداقته، ولا لغني من أجل غناه، ولا لفقير من أجل فقره، ولا تقيموها على بعيد من أجل بعده، ولا على عدو من أجل عداوته، أقيموا الشهادة لله وحده، أقيموها كما أمركم بذلك ربكم وخالقكم ومدبر أموركم والحاكم بينكم والعالم بسركم وعلانيتكم أقيموها كما قال الله سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"(النساء 135).
إخواني :

إن الشهادة أمرها عظيم وخطرها جسيم في تحملها وأدائها فلا يحل كتمانها "وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" ولا يحل أن يشهد إلا أن يكون عالما بما يشهد به علما يقينا، وأنه مطابق للواقع تماما فلا يحل أن يشهد بما لا يعلم، ولا بما يعلم أن الأمر بخلافه بل لا يحل أن يشهد بما يغلب على ظنه حتى يعلمه يقينا كما يعلم الشمس فعلى مثلها فليشهد أو ليترك
أيها الناس: إن من الناس اليوم من يتهاون بالشهادة فيشهد بالظن المجرد، أو بما لا يعلم أو بما يعلم أن الواقع بخلافه يتجرأ على هذا الأمر المنكر العظيم مراعاة لقريب، أو توددا لصديق أو محاباة لغني، أو عطفا على فقير يقول إنه يريد الإصلاح بذلك زين له سوء عمله فرآه حسنا كما زين لغيره من أهل الشر والفساد سوء عمله فرآه حسنا فالمنافقون زين في قلوبهم النفاق "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ"(البقرة 11) فقال الله فيهم " أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ" (البقرة 12)، وعباد الأصنام زين في قلوبهم عبادتها، وقالوا "مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى" (الزمر 3)، وهي في الواقع لا تزيدهم من الله إلا بعدا.
إنَّ كلِّ مفسدٍ ربما يدعي أنه مصلحٌ أو ربما يظن أنه مصلح بسبب شبهة عرضت له فالتبس عليه الإفساد بالإصلاح أو بسبب إرادة سيئة زينت له، فاتبع هواه ولكن الصلاح كل الصلاح باتباع شريعة الله وتنفيذ أحكامه والعمل بما يرضيه

إن من الناس من يشهد لشخص بما لا يعلم أنه يستحقه بل بما يعلم أنه لا يستحقه يدعي أنه عاطف عليه وراحم له بذلك والحق أن هذا الشاهد لم يرحم المشهود له ولم يرحم نفسه، بل أكسبها إثما بما شهد به وأكسب المشهود له إثما فأدخل عليه ما لا يستحقه وظلم المشهود عليه فاستخرج منه ما لا يجب عليه
إن من الناس من يشهد للموظف المهمل لوظيفته بمبررات لإهماله لا حقيقة لها فيشهد له بالمرض وهو غير مريض، أو يشهد له بشغل قاهر وهو غير مشغول وكل هذا من الشهادة بالباطل

إن شهادة الإنسان بما لا يعلمه علماً يقيناً مثل الشمس أو بما يعلم أن الواقع بخلافه سواء شهد للشخص أو عليه هي من شهادة الزور التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها من أكبر الكبائر، فقال صلى الله عليه وسلم " أَلا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ. " صحيح البخاري، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه " ذَكَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الكَبَائِرَ -أوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ- فَقالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقالَ: ألَا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قالَ: قَوْلُ الزُّورِ -أوْ قالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ." صحيح البخاري، إن هذين الحديثين الصحيحين الثابتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبين بهما تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لشهادة الزور والتحذير منها، لقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم التحذير منها بقوله وفعله عظمه بفعله حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئا، فلما ذكر شهادة الزور جلس ليبين فداحتها وعظمها

وعظمه بقوله حين جعل يكرر القول بها حتى تمنى الصحابة أن يسكت وعظمه أيضا حين صدر القول عنها بأداة التنبيه (ألا) وحين فصلها في حديث أنس عما قبلها من الكبائر، وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر

حماني الله وإياكم من قول الزور وشهادة الزور.

وصلى الله على نبينا محمد.

1435-5-3هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 4 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي