تفسير سورة العصر

الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله .. وبعد

سورة العصر مكية وآياتها 3

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالْعَصْر * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

هذه السورة القصيرة ذات الآيات الثلاث تمثل منهجا كاملا للحياة البشرية كما يريدها الإسلام ؛ لذا قال الإمام الشافعي في هذه السورة :" لو لم ينزل على الناس إلا هذه السور لكفتهم ".

أقسم الله تعالى بالعصر وهو الدهر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وميدان أعمالهم

ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته أما ابن آدم فلا يقسم إلا بالله أو بصفاته ؛ لأن القسم بغير الله شرك أصغر وقد يصل إلى الشرك الأكبر إذا كان يعتقد أن ما أقسم به يضاهي الله في العظمة فهو شرك أكبر .

إن الإنسان لفي خسر

أي أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح

والخاسر هو من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم، ولهذا عمم الله الخسارة لكل إنسان لأن رأس مال الإنسان في حياته هو عمره كلف بإعماره في فترة وجوده في الدنيا فهي له كالسوق فإن أعمله في خير ربح وإن أعمله في شر خسر وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "الطُّهُورُ شطْرُ الإيمان وفي آخره "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" مما يؤكد أن رأس مال الإنسان عمره ولهذا استثنى الله من الخسارة من اتصف بأربع صفات استثناهم في قسمه فلا تشملهم الخسارة فإنهم في تجارة لا تبور حيث باعوا الفاني واشتروا الباقي النفيس واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الذاهبات فيا لها من صفقة لذا قال تعالى "إلا الذين ءامنوا" أي الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به، والإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالجوارج ، فالعمل داخل فيه ، والإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومجرد الإعتقاد لا ينفع صاحبه كما كان يعتقد عم النبي صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يقل كلمة يحاج له بها عند الله وكذلك لو اعتقد ونطق بالشهادتين ولم يعمل كان مناقضاً لقوله فلا إيمان بدون عمل صالح .

والصالحات جمع صالحة ، وكون العمل صالحاً بأدلته من كونه موافق لكتاب الله وسنة رسوله وعمله خالصاً لوجه الله .

والعمل الصالح شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة، وهذا رد على من يقولون الإيمان في القلب فنقول لهم والكفر في القلب والنفاق في القلب فالإيمان الصحيح ينبثق منه العمل الصالح وهذا العمل يحتاج إلى التواصي به قال تعالى "وتواصوا بالحق" والتواصي بالحق أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحث عليه، ويرغب فيه لأن بالتواصي بالحق إقامة الحق والإستقامة على الطريق المستقيم .
وتواصوا بالصبر ، الصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله مثل الصلاة والصوم والحج، وصبر عن معصية الله مثل الزنا وشرب الخمر والسرقة، وصبر على أقدار الله المؤلمة مثل الفقر والمرض والحوادث .
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسارة، وفاز بالربح العظيم .

وبالتواصي بالصبر يستطيعون مواصلة سيرهم على هذا الصراط المستقيم ويتخطون كل العقبات ويقودون الأمة إلى بر النجاة ؛ لأن التواصي بالحق ضرورة والنهوض بالحق عسير والمعوقات عن الحق كثيرة هوى النفس ومنطق المصلحة وتصورات البيئة وطغيان الطغاة وظلم الظلمة وجور الجائرين والتواصي تذكير وتشجيع وإشعار بالقرب إلى الهدف والغاية .

والتواصي بالصبر كذلك ضرورة فالقيام على الإيمان والعمل الصالح وحراسة الحق والعدل من أعسر ما يواجه الفرد والجماعة فلا بد من الصبر على جهاد النفس وجهاد الغير والصبر على الأذى والمشقة والصبر على تبجح الباطل وتنفج الشر والصبر على طول الطريق وبطئ المراحل وانطماس المعالم وبعد النهاية .

والتواصي بالصبر مطلوب لتحقيق المنى وهل رأيت إنساناً حقق مراده من غير صبر وتحمل المشقة إن الصبر يعقبه فرج .

وجزى الله خيراً كل من تواصى بالحق سواء عبر القنوات الفضائية الإسلامية أو عبر الدروس والكلمات في المساجد وغيرها، جعلنا الله من هؤلاء، وجعلنا من الصابرين على ذلك، وجعلنا من خدمة هذا الدين .

تم تفسير سورة العصر ولله الحمد والمنة

7 - 3 - 1436هـ