ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

تفسير سورة العاديات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 15 ربيع الأول 1436هـ | عدد الزيارات: 3439 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة العاديات مكية وآياتها 11

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * ۞ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ

العاديات جمع عادية والعاديات أي المسرعات في مسيرها

أقسم تعالى بالخيل المسرعات في سيرها لما فيها من آياته الباهرة ونعمه الظاهرة ما هو معلوم للخلق وأنها تعدوا في الغزو والقصد تعظيم شأن الجهاد في سبيل الله وأقسم تعالى بها بالحال التي لا يشاركها فيها غيرها من أنواع الحيوانات فقال تعالى "والعاديات ضبحا" أي العاديات عدواً بليغاً وقوياً يصدر عنه الضبح وهو صوت نفسها في صدرها عند اشتداد عدوها ويصف حركاتها واحدة واحدة منذ أن تبدأ عدوها وجريها ضابحة بأصواتها المعروفة حين تجري، قارعة للصخر بحوافرها حتى تقدح الشرر منها وقال تعالي "فالموريات" بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار "قدحاً" أي تنقدح النار من صلابة حوافرهن وقوتهن إذا عدونا "فالمغيرات" على الأعداء "ضبحا" وهذا أمر أغلبي إذ أن الغارة تكون صباحاً "فأثرن به" أي بعدوهن وغارتهن "نقعا" أي غبارا "فوسطن به" أي براكبهن "جمعاً" أن توسطنا به جموع الأعداء الذين أغار عليهم، مغيرة في الصباح الباكر لمفاجأة العدو، مثيرة للنقع والغبار غبار المعركة على غير انتظار وهي تتوسط صفوف الأعداء على غرة فتوقع بينهم الفوضى والاضطراب .
إنها خطوات المعركة على ما يألفه المخاطبون بالقرآن أول مرة والقسم بالخيل في هذا الإطار فيه إيحاء قوي بحب هذه الحركة والنشاط لها، بعد الشعور بقيمتها في ميزان الله والتفاته سبحانه إليها؟
والمقسم عليه قوله "إن الإنسان لربه لكنود"، فهو حقيقة في نفس الإنسان، حين يخوى قلبه من دوافع الإيمان حقيقة ينبهه القرآن إليها، ليجند إرادته لكفاحها، والله يعلم عمق وشائجها في نفسه، وثقل وقعها في كيانه .
إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد
إن الإنسان ليجحد نعمة ربه، وينكر جزيل فضله ويتمثل كنوده وجحوده في مظاهر شتى تبدو منه أفعالاً وأقوالاً، وإنه على ذلك لشهيد ، يوم ينطق بالحق على نفسه حيث لا جدال ولا محال .
وإنه لحب الخير لشديد فهو شديد الحب لنفسه، ومن ثم يحب الخير مالا وسلطة ومتاعاً بأعراض الحياة الدنيا .
هذه فطرته وهذا طبعه ما لم يخالط الإيمان قلبه فيغير من تصوراته وقيمه وموازينه واهتماماته ويحيل كنوده وجحوده اعترافاً بفضل الله وشكراناً كما يبدل أثرته وشحه إيثاراً ورحمة ويريه القيم الحقيقية التي تستحق الحرص والتنافس والكد والكدح وهي قيم أعلى من المال والسلطة والمتاع الحيواني بأعراض الحياة الدنيا .
إن الإنسان بغير إيمان حقير صغير حقير المطامع، صغير الاهتمامات ومهما كبرت أطماعه واشتد طموحه، وتعالت أهدافه، فإنه يظل مرتكساً في حمأة الأرض، مقيداً بحدود العمر، سجيناً في سجن الذات لا يطلقه ولا يرفعه إلا الاتصال بعالم أكبر من الأرض، وأبعد من الحياة الدنيا، وأعظم من الذات عالم يصدر عن الله الأزلي، ويعود إلى الله الأبدي، وتتصل فيه الدنيا بالآخرة إلى غير انتهاء
ومن ثم تجيء اللفتة الأخيرة في السورة لعلاج الكنود والجحود والأثرة والشح، لتحطيم قيد النفس وإطلاقها منه مع عرض مشهد البعث والحشر في صورة وتوقظ من غفلة البطر .
أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور؟
وهو مشهد مثير بعثرة ما في القبور بعثرة بهذا اللفظ المثير وتحصيل لأسرار الصدور التي ضنت بها وخبأتها بعيداً عن العيون .
أفلا يعلم إذا كان هذا؟ ولا يذكر ماذا يعلم؟ لأن علمه بهذا وحده يكفي لهز المشاعر ثم ليدع النفس تبحث عن الجواب، وتتصور كل ما يمكن أن يصاحب هذه الحركات العنيفة من آثار وعواقب .
ويختم هذه الحركات الثائرة باستقرار ينتهي إليه كل شيء، وكل أمر، وكل مصير .
إن ربهم بهم يومئذ لخبير
فالمرجع إلى ربهم وإنه لخبير بهم يومئذوبأحوالهم وأسرارهم والله خبير بهم في كل وقت وفي كل حال ولكن لهذه الخبرة يومئذآثار هي التي تثير انتباههم لها في هذا المقام إنها خبرة وراءها عاقبة خبرة وراءها حساب وجزاء وهذا المعنى الضمني هو الذي يلوح به في هذا المقام .

وإنَّ تصورنا لقول الله تعالى "إن ربهم بهم يومئذ لخبير" يجعلنا نستشعر أن الله يرانا حين نهم بفعل طاعة فنخشع في ذلك ونخلص وكذا إذا هممنا بفعل معصية وتصورنا أن الله ينظر إلينا فنحجم عن فعل المعصية لهو دليل على أعلى درجات الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " رواه مسلم عن عمر بن الخطاب

عصمنا الله من فعل المعاصي وحبب إلينا فعل الطاعات

تم تفسير سورة العاديات ولله الحمد والمنة

14 - 3 - 1436هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر