ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

تفسير سورة الناس

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 15 ربيع الثاني 1436هـ | عدد الزيارات: 2918 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة الناس مكية وآياتها 6

بسم الله الرحمن الرحيم

قل أعوذ برب الناس * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ

هذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس وملكهم وإلههم من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس فيحسن لهم الشر ويريهم إياه في صورة حسنة وينشط إرادتهم لفعله ويثبطهم عن الخير ويريهم إياه في صورة غير صورته وهو دائماً بهذه الحال يوسوس ثم يخنس أي يتأخر عن الوسوسة إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس ولهذا قال "من الجنة والناس" هذا مجمل تفسير السورة وإليك التفصيل :

في هذه السورة تستعيذ برب الناس ملك الناس إله الناس والمستعاذ منه هو شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس
والاستعاذة بالرب، الملك، الإله، تستحضر من صفات الله سبحانه ما به يدفع الشر عامة، وشر الوسواس الخناس خاصة . فالرب هو المربي والموجه والراعي والحامي والملك هو المالك الحاكم المتصرف والإله هو المستعلي وهذه الصفات فيها حماية من الشر الذي يتدسس إلى الصدور وهي لا تعرف كيف تدفعه لأنه مستور . والله رب كل شيء، وملك كل شيء، وإله كل شيء ولكن تخصيص ذكر الناس هنا يجعلهم يحسون بالقربى في موقف العياذ والاحتماء .والله برحمة منه يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه، مع استحضار معاني صفاته هذه، من شر خفي الدبيب، لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله فهو يأخذهم من حيث لا يشعرون، ويأتيهم من حيث لا يحتسبون والوسوسة الصوت الخفي والخنوس الاختباء والرجوع والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس .
وقد أطلق النص الصفة أولاً {الوسواس الخناس} وحدد عمله {الذي يوسوس في صدور الناس} ثم حدد ماهيته {من الجِنَّة والناس} وهذا الترتيب يثير في الحس اليقظة والتلفت والانتباه لتبين حقيقة الوسواس الخناس، بعد إطلاق صفته في أول الكلام؛ ولإدراك طريقة فعله التي يتحقق بها شره، تأهبا لدفعه . والنفس حين تعرف بعد هذا التشويق والإيقاظ أن الوسواس الخناس يوسوس في صدور الناس خفية وسراً، وكذلك الناس الذين يتدسسون إلى الصدور تدسس الشيطان، ويوسوسون وسوسة الشياطين النفس حين تعرف هذا تتأهب للدفاع، وقد عرفت المكمن والمدخل والطريق . ووسوسة الشيطان نجد آثارها في واقع النفوس ونعرف أن المعركة بين آدم وإبليس قديمة؛ وأن الشيطان قد أعلنها حرباً تنبثق من خليقة الشر فيه، ومن كبريائه وحسده وحقده على الإنسان وأنه قد استصدر بها من الله إذناً، فأذن فيها سبحانه لحكمة يراها ولم يترك الإنسان فيها مجرداً من العدة فقد جعل له من الإيمان جُنة، وجعل له من الذكر عدة، وجعل له من الاستعاذة سلاحاً فإذا غفل الإنسان فهو ملوم .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الشيطانُ جاثمٌ على قلب ابنِ آدمَ فإذا ذكر اللهَ تعالى خَنَسَ، وإذا غفل وَسْوَسَ" صححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح ، وأما الناس فنحن نعرف عن وسوستهم الشيء الكثير ، ونعرف منها ما هو أشد من وسوسة الشياطين ؛ رفيق السوء الذي يتدسس بالشر إلى قلب رفيقه وعقله من حيث لا يحتسب ومن حيث لا يحترس، لأنه الرفيق المأمون ، وبائع الشهوات الذي يتدسس من منافذ الغريزة في إغراء لا تدفعه إلا يقظة القلب وعون الله ، وعشرات من الموسوسين الخناسين الذين ينصبون الأحابيل ويخفونها، ويدخلون بها من منافذ القلوب الخفية التي يعرفونها أو يتحسسونها وهم شر من الجنة وأخفى منهم دبيباً . والإنسان عاجز عن دفع الوسوسة الخفية ومن ثَمَّ يدلُّه اللهُ على عُدَّتِه وسلاحِه في المعركة الرهيبة ، وهناك لفتة ذات مغزى في وصف الوسواس بأنه {الخناس} فهذه الصفة تدل من جهة على تخفيه واختبائه حتى يجد الفرصة سانحة فيدب ويوسوس ولكنها من جهة أخرى توحي بضعفه أمام من يستيقظ لمكره، ويحمي مداخل صدره فهو سواء كان من الجن أم كان من الناس إذا ووجْه خنس، وعاد من حيث أتى، وقبع واختفى كما قال الرسول الكريم في تمثيله المصور الدقيق "فإذا ذكر الله تعالى خنس، وإذا غفل وسوس" وهذه اللفتة تقوي القلب على مواجهة الوسواس فهو خناس ضعيف أمام عدة المؤمن في المعركة .ولكنها من ناحية أخرى معركة طويلة لا تنتهي أبداً فهو أبداً قابع أو خانس، مترقب للغفلة، والحرب سجال إلى يوم القيامة؛ وهذا التصوير لطبيعة المعركة ودوافع الشر فيها سواء عن طريق الشيطان مباشرة أو عن طريق عملائه من البشر من شأنه أن يشعر الإنسان أنه ليس مغلوباً على أمره فيها فإن ربه وملكه وإلهه مسيطر على الخلق كله وإذا كان قد أذن لإبليس بالحرب، فهو آخذ بناصيته وهو لم يسلطه إلا على الذين يغفلون عن ربهم وملكهم وإلههم فأما من يذكرونه فهم في نجوة من الشر ودواعيه الخفية فالخير إذاً يستند إلى القوة التي لا قوة سواها، وإلى الحقيقة التي لا حقيقة غيرها يستند إلى الرب الملك الإله والشر يستند إلى وسواس خناس، يضعف عن المواجهة، ويخنس عند اللقاء، وينهزم أمام العياذ بالله .
وهذا أكمل تصوير للحقيقة القائمة عن الخير والشر كما أنه أفضل تصوير يحمي القلب من الهزيمة، ويفعمه بالقوة والثقة والطمأنينة .ونستفيد من هذه السورة :

أولاً: ينبغي لنا أن نتحصن بالأذكار صباحاً ومساءً حمايةً لنا من وسوسة الشيطان

ثانياً: ينبغي لكل مسلم إذا وسوس له الشيطان لفعل المعصية أو ترك طاعة أن ينفث عن شماله ويستعيذ بالله من الشيطان

ثالثا: ينبغي للمسلم أن يكون دائماً لله ذاكراً فإن أهل الجنة يلهمون الذكر إلهاماً

رابعاً: ينبغي قراءة هذه السورة مع سورة الفلق والإخلاص بعد كل فريضة إلا المغرب والفجر ثلاث مرات.

اللهم أعذنا من نزغات الشيطان ولا تجعل له فينا نصيبا.

تم تفسير سورة الناس ولله الحمد والمنة.

15 - 4 - 1436هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر