تفسير سورة العلق

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 21 ربيع الثاني 1436هـ | عدد الزيارات: 2003 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة العلق مكية وآياتها 19

بسم الله الرحمن الرحيم

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ * كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب

هذه السورة هي أول السور القرآنية نزولًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأمره أن يقرأ، فامتنع، وقال:" ما أنا بقارئ "، رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها فلم يزل به حتى قرأ فأنزل الله عليه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ : عموم الخلق ، ثم خص الإنسان

وذكر ابتداء خلقه مِنْ عَلَقٍ فالذي خلق الإنسان واعتنى بتدبيره ، لا بد أن يدبره بالأمر والنهي ، وذلك بإرسال الرسول إليهم ، وإنزال الكتب عليهم، ولهذا ذكر بعد الأمر بالقراءة، خلقه للإنسان .

اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ أي: كثير الصفات، كثير الكرم والإحسان، واسع الجود

الذي من كرمه أنْ علم بالعلم و عَلَّمَ بِالْقَلَمِ

عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئًا، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم .
فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ به العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلًا للناس تنوب مناب خطابهم، ولله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور.

كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ

يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان ، (أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ) ، إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله ، ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال : (إن إلى ربك الرجعى) ، أي إلى الله المصير والمرجع ، وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته ، ثمَّ قال تعالى :

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ ) نزلت في أبي جهل تَوَعَّد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت الحرام فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا ، فقال :(أرأيت إن كان على الهدى) ، أي فما ظنُّك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيم في فعله (أوأمر بالتقوى) بقوله، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ؛ ولهذا قال أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ما يعمل ويفعل

ثم توعده إن استمر على حاله، فقال: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ عمَّا يقول ويفعل لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ أي: لنأخذن بناصيته، أخذًا عنيفًا، وهي حقيقة بذلك.

فإنها نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ أي: كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها

فَلْيَدْعُ هذا الذي حق عليه العقاب نَادِيَهُ أي: أهل مجلسه وأصحابه ومن حوله، ليعينوه .

سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ أي: خزنة جهنم، لأخذه وعقوبته، فلينظر أي: الفريقين أقوى وأقدر فهذه حالة الناهي وما توعد به من العقوبة .

وأما حالة المنهي، فأمره الله أن لا يصغى إلى هذا الناهي ولا ينقاد لنهيه فقال: كَلَّا لَا تُطِعْهُ أي: فإنه لا يأمر إلا بما فيه خسارة الدارين، وَاسْجُدْ لربك وَاقْتَرَبَ منه في السجود وغيره من أنواع الطاعات والقربات، فإنها كلها تدني من رضاه وتقرب منه .
وهذا عام لكل ناه عن الخير ومنهي عنه، وإن كانت نازلة في شأن أبي جهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، وعبث به وآذاه .

وهذه السورة تحكي وقوف أبي جهل الكافر في وجه الدعوة فهي عظة لكل شيطان من الإنس من الذين يقفون في وجه الدعوة وليعلموا أن سفينة الإيمان سائرة وأن العاقبة للمتقين والعذاب الشديد للكافرين .

تم تفسير سورة العلق ولله الحمد والمنة

21 - 4 - 1436هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر