السحر وعلاجه

المادة
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 4 ذو القعدة 1437هـ | عدد الزيارات: 5011 القسم: المحاضرات الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أيها الإخوة

أحييكم بتحية الإسلام الخالدة فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

وبعد

السحر في اللغة

في المعجم الوسيط: السحر ما لطف مأخذه ودق

وقال الزهري: أصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلي غيره

السحر في اصطلاح الشرع

قال ابن قدامة المقدسي: هو عُقَد وَرُقي وكلام يَتَكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يَقْتل وما يُمرض وما يأخذ الرجلَ عن امرأتهِ فيمنعُه وطأَها ومنه ما يُفرق بين المرء وزوجه وما يُبغض أحدهما للآخر أو يُحبب بين اثنين

وقال ابن القيم في كتابه زاد المعاد: هو مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة وانفعال القوى الطبيعية عنها

فالسحر هو اتفاق بين ساحر وشيطان على أن يقوم الساحر بفعل بعض المحرمات أو الشركيات في مقابل مساعدة الشيطان له وطاعته فيما يَطلبُ منه

بعض وسائل السحره فى التقرب الى الشيطان

من السحرة من يرتدى المصحف فى قدميه يدخل به الخلاء، ومنهم من يكتب آيات من القران بالقذارة، ومنهم من يكتبها بدم الحيض، ومنهم من يكتب آيات القرآن على أسفل قدميه، ومنهم من يكتب الفاتحة معكوسه، ومنهم من يصلي بدون وضوء، ومنهم من يظل جنباً، ومنهم من يذبح للشيطان فلا يذكر اسم الله عند الذبح ويرمي الذبيحة في مكان يحدده له الشيطان، ومنهم من يخاطب الكواكب ويسجد لها من دون الله، ومنهم من يأتي أمه أو بنته، ومنهم من يكتب طلسماً بألفاظ غير عربية تحمل معاني كفرية

ومن هنا يتبين لنا أن الجني لا يساعد الساحر ولا يخدمه إلا بمقابل، وكلما كان الساحر أشد كفرأ كان الشيطان أكثر طاعة له وأسرع فى تنفيذ أمره وإذا قصر الساحر في تنفيذ ما أمره به الشيطان من أمور كفرية امتنع الشيطان عن خدمته وعصى أمره

فالساحر والشيطان قرينان التقيا على معصية الله

الأدلة على وجود السحر

أولاً: الأدلة من القرآن الكريم

أ/ قال تعالى (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بضارين بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) البقرة: 101

ب/ قال تعالى (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) يونس: 77

ج/ قال تعالى (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) يونس: 81-82

د/ قال تعالى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ) طه: 67-69

هـ/ قال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) الأعراف: 117-122

و/ قال تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) الفلق

قال ابن جرير الطبري: أي ومن شر السواحر اللائي ينفثن في عُقد الخيط حين يرقين عليها، قال القاسمي وبه قال أهل التأويل

ثانياً: الدليل من السنة

‏عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَرَ سول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏رجل من زريق يقال له لبيدُ بنُ الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال يا عائشة: أشعرتِ أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان، فقعد أحدُهُما عند رأسي والآخرُ عند رجلي، فقال أحدُهُما لصاحبه: ما وجعُ الرجلُ: قال: مطبوبُ، قال: من طَبهُ قال: لبيدُ بنُ الأعصمِ، قال: في أي شيء؟ قال: في مُشْط ومُشاطهِ وجُف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هُوَ، قال: في بئر ذروان فأتاها رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نُقَاعةُ الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، قلت يا رسول الله أفلا استخرجته، قال: قد عافاني اللهُ، فكرهتُ أن أُثير على الناس فيه شرًّ، فأمر بها فدفنت. رواه البخاري ومسلم

معاني الكلمات

مطبوب: مسحور، من طبه: من سحره، المُشاطة: الشَعر المتساقط من الرأس واللحية عند ترجيلها، جُفُ طلع نخلة: الجُفُ هو الغشاء الذي يكون على الطلع، الطلع هو ما يطلع من النخلة ثم يصيرُ ثمراً إذا كانت أنثى وإن كانت ذكراً لم يصر ثمراً بل يؤكل طرياً ويترك على النخلة أياماً معلومة حتى يصير فيه شيء أبيض مثل الدقيق وله رائحة زكية فيلقح به الأنثى، نَقَاعة الحِناء: حمراء مثل عُصارة الحناء إذا وضعت في الماء، كأن رؤوس نخلها رؤوس الشيطان: أي مستدقة كرؤوس الحيات والحية يقال لها الشيطان

معنى الحديث

اليهود لعنهم الله اتفقوا مع لبيد بن الأعصم وهو من أسحر اليهود أن يعمل سحراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويعطوه ثلاثة دنانير وفعلاً قام ذلك الشقي بعمل السحر على شعرات من شَعْر النبي صلى الله عليه وسلم قيل أنه حصل عليها من جارية صغيرة كانت تذهب إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وعقد عليها سحراً ووضع السحر في بئر ذروان

والظاهر من جمع طرق الحديث أن هذا السحر كان من نوع ربط الرجل عن زوجته فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يستطيع أن يجامع إحدى زوجاته فإذا اقترب منها لم يستطع ذلك، ولم يَمَسْ هذا السحرُ عقلَه، ولا سلوكياتِه، ولا تصرفاته، وإنما كان مقتصرًا على ما ذُكِر

ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه، وألح في الدعاء، فاستجاب الله دعاءه، وأنزل مَلَكَين، جلس أحدهما عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر عند رِجْلَيْه، فقال أحدهما: ما به، فرَدَّ عليه الآخر: مطبوب - مسحور - قال: مَنْ سَحَرَه، قال: لَبيد بن الأعصم اليهودي، ثم بيَّن أنه سحره في مُشط ومُشاطة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، ووضعه في جُف طَلْع نخل ذكر؛ ليكون أقوى وأشد تأثيرًا، ثم دفنه تحت صخرة في بئر ذروان، فلما انتهى الملكان من تشخيص حالة النبي صلى الله عليه وسلم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم باستخراج السحر

ومِن جَمْع طرق الحديث يظهر أن اليهود صنعوا للنبي صلى الله عليه وسلم سحرًا من أشد أنواع السحر، وكان غرضهم قتله صلى الله عليه وسلم، ومِنَ السحر ما يَقْتُل كما هو معلوم، ولكن الله عصمه من كيدهم، فخففه إلى أخف أنواع السحر، وهو الربط

كيف يُحَضر الساحر جنياً

غالبًا ما يحدث هناك اتفاق بين الساحر والشيطان، على أن يقوم الأول بفعل بعض الأمور الشركية، أو بعض أعمال الكفر الصريح خُفيةً أو جَهرة وأن يقوم الشيطان بخدمة الساحر أو تسخير من يخدم الساحر

لأن الاتفاق غالباً ما يحدث بين الساحر وشيطان من زعماء قبائل الجن الشياطين، فيقومُ هذا الزعيمُ بإصدار أمره إلى سفيه من سفهاء القبيلة، بأن يخدِمَ هذا الساحر، ويطيعه في تنفيذ أوامره؛ من القيام بالتفريق بين اثنين، أو إلقاء المحبة بينهما، أو ربط الرجل عن زوجته

فيقوم الساحر بتسخير هذا الجني لأعمال الشر التي يريدها، فإن عصاه الجني تقرب الساحرُ إلى زعيم القبيلة بأنواع من العزائم التي تحمل في طياتها تعظيمَ هذا الزعيم والاستغاثة به من دون الله تعالى، فيقومُ هذا الزعيم بمعاقبة الجني، وأمرُه بطاعة الساحر، أو تسخير غيره لخدمة هذا الساحر المشرك

هناك طرق كثيرة ومتنوعة، لإحضار الساحر للجني وكلها تحتوي على شرك، أو كفر صريح، وسأذكر منها ثمانية طرق

الطريقة الأولى: طريقة الإقسام

يَدخلُ الساحر في غرفة مظلمة ثم يوقد نارًا، ويضعُ على النار نوعًا من البخور حسَب الموضوع المطلوب إذا كان يريد التفريق، أو إلقاء العداوة والبغضاء، وما شاكل ذلك، يضع على النار بخورًا ذا رائحة كريهة، وإذا كان يريد إلقاء محبة أو فك ربط عقد الرجل عن زوجته أو حل سحر، يضع بخوراً ذا رائحة طيِّبة، ثم يبدأ الساحر في تلاوة عزيمته الشركية، وهي طلاسم معيَّنة تحتوي على إقسام على الجن بسيدهم، وسؤالهم بعظيمهم، كما تتضمن أنواعًا من الشرك كتعظيم كبراء الجن، والاستغاثة بهم، وغير ذلك، بشرط أن يكون الساحرُ عليه لعنة الله غير طاهر، إما جُنُباً، أو مرتدياً لثوب نجس... إلخ

وبعدما ينتهي من تلاوة العزيمة الكفرية يظهر أمامه شبح على هيئة كلب، أو ثعبان، أو أي هيئة أخرى، فيأمره الساحر بما يريد، وأحيانًا لا يظهر له شيء، وإنما يسمع صوتًا، وأحيانًا لا يسمع شيئًا، وإنما يعقد على أثر من آثار الشخص المطلوب سِحْرُه؛ مثل: شَعْرِهِ، أو قطعة من ثوبه، فيها رائحة من عرقه... إلخ، ثم يأمر الجني بما يريد

الطريقة الثانية: طريقة الذبح

يُحضِر الساحر طائرًا، أو حيوانًا، أو دجاجة، أو حمامة، بأوصاف معينة حسَب طلب الجني، وغالبًا ما تكون سوداء؛ لأن الجن يُفضِّلون اللون الأسود، ثم يذبحها، ولا يذكر اسم الله عليها، وأحيانًا يُلطِّخ المريض بدمها، وأحيانًا لا يفعل هذا، ثم يرميها في بعض البيوت الخربة، أو الآبار، أو الأماكن المهجورة التي هي غالبًا مساكن الجن ولا يذكر اسم الله عليها عند الرمي، ثم يعود إلى بيته، فيقول عزيمة شِرْكية، ثم يأمر الجني بما يريد

الطريقة الثالثة: الطريقة السُفلية

وتتلخص بارتداء المصحف في قدميه على هيئة حذاء، ثم يدخل به الخلاء، ثم يبدأ في تلاوة الطلاسم الكفرية داخل الخلاء، ثم يخرج ويجلس في غرفة، ويأمر الجن بما شاء

الطريقة الرابعة: طريقة النجاسة

يكتب الساحر سورة من القرآن الكريم بدم الحيض، أو بغيره من النجاسات، ثم يقول الطلاسم الشركية، فَيَحْضر الجني، فيأمره بما يريد

الطريقة الخامسة: طريقة التنكيس

يقوم الساحر بكتابة سورة من سور القرآن الكريم بالحروف المفردة معكوسة؛ يعني من آخرها إلى أولها، ثم يقول عزيمته الشركية، فيحضر الجني فيأمره بالمطلوب

الطريقة السادسة: طريقة التنجيم

وتسمى بالرصد لأن الساحر يترصد طلوع نجم معين، ثم يقوم بمخاطبته بتلاوات سحرية

الطريقة السابعة: طريقة الكف

إذ يحضر الساحر صبيًّا صغيرًا، لم يبلُغِ الحُلُم بشرط أن يكون غير متوضئ، ثم يأخذ كف الصبي الأيسر، ثم يرسم عليه مربعًا ويكتب حول هذا المربع طلاسم سحرية، وغالبًا ما يستخدمون هذه الطريقة في البحث عن الأشياء المفقودة

الطريقة الثامنة: طريقة الأثر

يطلب الساحر من المريض بعض آثاره من منديل، أو عمامة، أو قميص، أو أي شيء يحمل رائحة عرق المريض، ثم يعقد هذا المنديل من طرفه، ثم يقيس مقدار أربعة أصابع، ثم يُمسِك المنديل مسكًا محكمًا، ثم يقرأ سورة التكاثر، يرفع بها صوته، ثم يقول طلسمًا شركيًا يُسِرُّ به، ثم ينادي الجن... إلخ

علامات يُعرف بها الساحر

إذا وجدْتَ علامة واحدة من هذه العلامات في أحد المعالجين، فهو ساحر بلا أدنى ريب، وهذه العلامات هي

أولاً: يسألُ المريضَ عن اسمه، واسم أمه

ثانياً: يأخذ أثرًا من آثار المريض: ثوب - قلنسوة - منديل – فانيلة

ثالثاً: أحيانًا يطلب حيوانًا بصفات معينة ليذبحه، ولا يذكر اسم الله عليه، وربما لطخ بدمه أماكن الألم من المريض، أو يرمي به في مكان خَرِب

رابعاً: كتابة الطلاسم

خامساً: تلاوة العزائم والطلاسم غير المفهومة

سادساً: إعطاء المريض حجاباً يحتوي على مربعات، بداخلها حروف أو أرقام

سابعاً: يأمر المريض بأن يعتزل الناس مدة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس، ويسميها العامة الحِجبة

ثامناً: يطلب من المريض ألا يمس ماء لمدة معينة، غالبًا تكون أربعين يومًا، وهذه العلامة تدل على أن الجني الذي يخدم هذا الساحر نصراني

تاسعاً: يعطي للمريض أشياء يدفنها في الأرض

عاشراً: يعطي للمريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها

الحادي عشر: يتمتِم بكلام غير مفهوم

الثاني عشر: أحيانًا يُخبر الساحر المريض باسمه، واسم بلده، ومشكلته التي جاء من أجلها

الثالث عشر: يَكتُب للمريض حروفًا مقطَّعة في ورقة حجاب، أو في طبق من الخزف الأبيض، ويأمر المريض بإذابته وشربه

فإن علمت أن الرجل ساحر، فإياك والذهاب إليه، وإلا انطبق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أتي كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزِلَ على محمد) رواه البزار وهو حديث حسن بشواهده ورواه أحمد والحاكم وصححه الألباني صحيح الجامع

حكم الساحر في الشريعة الإسلامية

قال الإمام مالك رحمه الله تعالى في كتابه الموطأ: الساحر الذي يعمل السحر، ولم يعمل ذلك له غيرُه، هو مِثْل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) فأرى أن يُقتَل إذا عمل ذلك هو نفسه

وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى: وحَدُّ الساحر القتل، رُوِيَ ذلك عن عمر، وعثمان بن عفان، وابن عمر، وحفصة، وجُندُب بن عبد الله، وجندب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز، وهو قول أبي حنيفة، ومالك

وقال القرطبي رحمه الله: اختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم والذمي، فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سَحَرَ بنفسه بكلام يكون كُفرًا، يُقتَل ولا يُسْتَتابُ، ولا تُقبَل توبته؛ لأنه أمر يستسِرُّ به؛ كالزنديق، والزاني، ولأن الله تعالى سمى السحر كفرًا بقوله (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) وهو قول أحمد بن حنبل، وأبي ثور، وإسحاق، والشافعي، وأبي حنيفة

الخلاصة

أن جمهور العلماء يقولون بقتل الساحر

حكم ساحر أهل الكتاب

قال ابن قدامة رحمه الله

فأما ساحر أهل الكتاب، فلا يُقتَل لسحره إلا أن يَقتُل به فيُقتَل قِصاصًا؛ لما ثبت أن لبيد بن الأعصم سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلم يقتله، ولأن الشرك أعظم من سحره، ولا يُقتَل به،وبه قال الشافعي

هل يجوز حل السحر بالسحر

قال ابن قدامة في كتابه المغني: أما من يُحِل السحر؛ فإن كان بشيء من القرآن، أو بشيء من الذكر، فلا بأس به، وإن كان بشيء من السحر، فقد توقف أحمد بن حنبل عنه

وقال ابن القيم رحمه الله: النُّشْرَة: حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان

أحدهما: حلٌّ بسحرٍ مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يُحمَل قولُ الحسن البصري، فيتقرَّب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يُحبُ، فَيُبْطِلُ عملهُ عن المسحور

والثاني: النُّشْرة بالرقية، والتعوُّذات، والدعوات المباحة، فهذا جائز

والخلاصة: أن حل السحر بالسحر لا يجوز وقد أفتت اللجنة الدائمة بالمملكة بتحريم ذلك

هل يجوز تعلم السحر

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله تعالى (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) فيه إشارة إلى أنَّ تعلُّمَ السحر كُفْر

قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: تعلُّم السحر وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم، قال أصحابنا يعني الحنابلة: ويَكْفُر الساحر بتعلُّمه وفعله، سواء اعتقد تحريمه أو إباحته؛ اهـ

أنواع السحر

أولاً: سحر التفريق

ثانياً: سحر المحبة

ثالثاً: سحر التخييل

رابعاً: سحر الجنون

خامساً: سحر الخمول

سادساً: سحر المرض

سابعاً: سحر النزيف

ثامناً: سحر تعطيل الزواج

أولاً: سحر التفريق

قال تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة: 102

وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن إبليسَ يَضعُ عرشه ُعلى الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنة، يجيء أحدُهُم فيقول: فعلتُ كذا وكذا فيقولُ: ما صنعْتَ شيئًا، قال: ثم يجيء أحدُهُم فيقولُ: ما تركته حتى فرَّقْتُ بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنت) قال الأعمش: أراه قال: فيلتزِمُه. رواه مسلم

إذا سحر التفريق هو عملُ السحر للتفريق بين الزوجين، أو لِبَثِّ البغض والكراهية بين صديقين أو شريكين

أنواعه

التفريق بين الرجل وأمه، وبين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وصديقه، وبين الرجل وشريكه في التجارة، وبين الرجل وزوجته، وهذا النوع أخطرها وأكثرها انتشاراً

أعراض سحر التفريق

أولاً: انقلاب الأحوال فجأة من حُبٍّ إلى بغض

ثانياً: كثرة الشكوك بينهما

ثالثاً: عدم التماس الأعذار

رابعاً: تعظيم أسباب الخلاف، وإن كانت حقيرة

خامساً: قلب صورة الرجل في عين زوجته، وقلب صورة الزوجة في عين زوجها، فالرجل يرى زوجته في منظر قبيح وإن كانت من أجمل النساء والحقيقة أن الشيطان الموكَّل بالسحر هو الذي يتصور على وجهها بصورة قبيحة، والمرأة ترى زوجها في منظر مُخيف مرعب

سادساً: كراهية المسحور لكل عمل يقومُ به الطرف الآخر

سابعاً: كراهية المسحور للمكان الذي يجلس فيه الطرف الآخر، فترى الزوج خارج البيت في حالة نفسية جيدة، فإذا دخل البيت شعر بضيق نفسي شديد، يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يُخيَّلُ إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر أو خُلُق، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة

كيف يحدث سحر التفريق

يذهب الرجل إلى الساحر ويطلب منه أن يفرِّق بين فلان وزوجته، فيطلب منه الساحر أن يعطيه اسم الرجل المراد سِحرُه، واسم أمهِ، ثم يطلب منه أثرًا من آثاره: شَعْرَهُ - ثوبه- قَلَنْسُوَته، فإن لم يستطع عَمِل له سحرًا على ماء مثلاً، وأمره أن يسكبه في طريق المراد سِحرُه، فإذا تخطاه أصيب بالسحر، وهذا إن لم يكن متحصناً بأذكار الصباح والمساء

والأدعية النبوية التي تمنع من الأصابة بالسحر أو أن يضع له طعاماً أو شرابا

العلاج

وعلى المعالج أن يقوم بمرحلتين

المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل العلاج، وهي

أولاً: تهيئة الجو الإيماني الصحيح، فتقُومُ بإخراج الصور من البيت الذي تُعالِج فيه؛ حتى يتسنى للملائكة أن تدخله

ثانياً: خلُو المكان من غناء أو مزمار

ثالثاً: خلو المكان من مخالفة شرعية؛ كرجل يلبس ذهبًا، أو امرأة متبرجة، أو رجل يشرب دخاناً

رابعاً: تتوضأ قبل البدء في العلاج، وتأمر من معك بالوضوء

خامساً: إذا كانت المريضة أنثى، لا تبدأ في علاجها حتى تحتشم، وتشدُ عليها ملابسها؛ حتى لا تتكشف أثناء العلاج

سادساً: لا تعالج امرأة وهي متلبسة بمخالفة شرعية، كأن تكون كاشفة وجهها، أو واضعة طِيباً

سابعاً: لا تعالج امرأة إلا في وجود أحد محارمها

ثامناً: لا تُدخِل معك أحدًا من غير محارمها

المرحلة الثانية: العلاج

بعد الاستعاذة والبسملة تقرأ الفاتحة ثم تقرأ أول سورة البقرة الآيات الخمس الأول منها، ثم تقرآ آية 102 من سورة البقرة: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ

ثم تقرأ آية 163 من سورة البقرة: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ

ثم تقرأ آية الكرسي من سورة البقرة آية 255

ثم تقرأ آخر سورة البقرة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ

ثم تقرأ الآيتان 18 – 19 من سورة آل عمران (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

ثم تقرأ من الآية 54 – 56 من سورة الأعراف (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ

ثم تقرأ من الآية 117 – 122 من سورة الأعراف: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ

والآيتان 81 – 82 : قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ

ثم تقرأ من سورة (المؤمنون) الآيات 115 – 118 : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ

ثم تقرأ العشر الأولى من سورة الصافات (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا

ثم تقرأ من سورة الأحقاف 29 – 32 : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا

ثم تقرأ من سورة الرحمن 33 – 36 : يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ

ثم تقرأ من سورة الحشر من آية 21 – 24 : لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا

ثم تقرأ سورة الجن 1 – 9 : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا

ثم تقرأ سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

ثم تقرأ سورة الفلق: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ

ثم تقرأ سورة الناس: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ

بعد تلاوة هذه الرقية أو أثنائها ، فمن المحتمل أن يُصرَع المريض، وينطق على لسانه الجني الموكَّل بالسحر، فعند ذلك تتعامل مع هذا الجني، كما تتعامل مع حالات المس تمامًا، ولا تسأله عن مكان السحر، ولا تُصدِّقه، لأن الجن فيهم كذب كثير، وهو فاسق، وفسقه ظاهر؛ لأنه يخدم الساحر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات: 6

فإن أخبر الجني بمكان السحر واستخرجتموه، فاقرأ عليه هذه الآيات

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ. الأعراف: 117 – 122

قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. يونس: 81 - 82

إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى. طه: 69

وأخيراً: أوصي بالتحصن بالأذكار وكثرة الاستغفار

حفظنا الله وإياكم من كيد الكائدين ومكر الماكرين

وبالله التوفيق

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437-11-04 هـ

ألقيت هذه المحاضرة في جامع مصعب بن عمير بالرياض في عام 1424 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500
جديد المواد
الصبر ومنزلته في الإسلام - المحاضرات الكتابية
الإسرائيليات في كتب التفسير - المحاضرات الكتابية
تعبير الرؤى - المحاضرات الكتابية
وسائل الدعوة إلى الله تعالى - المحاضرات الكتابية
موقف المسلم من الفتن - المحاضرات الكتابية
روابط ذات صلة
المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي