الدرس 286: صلاة الجمعة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 21 محرم 1438هـ | عدد الزيارات: 1552 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

إقامة الجمعة واجبة على المسلمين في قراهم يوم الجمعة ويشترط في صحتها الجماعة، ولم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد معين في صحتها، فيكفي لصحتها إقامتها بثلاثة فأكثر، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يصلي مكانهاً ظهراً من أجل نقص العدد عن أربعين، على الصحيح من أقوال العلماء

وإذا اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد، إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه، إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة

والأصل في ذلك ما روى إياس بن أبي رملة الشامي قال: (شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم، قال: نعم، قال: فكيف صنع، قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل) رواه أبو داود والإمام أحمد

ولفظه (من شاء أن يجمع فليجمع) وما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون

والجمعة شرعت في حق الرجال، ولا نعلم دليلًا يدل على مشروعيتها للنساء في بيوتهن، نعم لو صلت المرأة مع الإمام صلاة الجمعة فإنها تجزئها

أما القول بوجوب الجمعة على البادية، فلا أصل له في الشرع المطهر، وكانت البوادي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول مكة والمدينة وغير ذلك من الجزيرة، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بصلاة الجمعة، وإنما كانوا يصلون ظهرا، ولأن طبيعة البادية التنقل والتفرق في الأرض بطلب الرعي والماء، ومن رحمة الله سبحانه أن أسقط عنهم فرض الجمعة، ولأن لهم شبه بالمسافرين، والمسافر لا جمعة عليه، ولم يعلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام الجمعة في شيء من أسفاره، رغم كثرة أسفاره، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه في حجة الوداع صلى يوم الجمعة ظهرا، ولم يصل جمعة، وكان ذلك في يوم عرفة بمشهد الجم الغفير من المسلمين

تجب الجمعة في ديار الكفر مع من يقيمها من المسلمين

ولا يجوز تركه الجمعة من أجل الدوام الرسمي، أو الدراسة، والله سبحانه يقول (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق 2-3] حتى لو منعك صاحب العمل تجب عليك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

فرض الله تعالى صلاة الجمعة على المسلمين المستوطنين في مدينة أو قرية، ونهى عن التشاغل عنها ببيع أو شراء، أو نحوهما؛ لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة الجمعة: 9، ولما ثبت من حديث عبد الله بن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) أخرجه مسلم

الطبيب المناوب قائم بأمر عظيم ينفع المسلمين، ويترتب على ذهابه إلى الجمعة خطر عظيم، فلا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة، وعليه أن يصلي الظهر في وقتها، ومتى أمكن أداؤها جماعة وجب ذلك؛ لقول الله سبحانه (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن: 16

يجوز للحارس أن يصلي الجمعة ظهرا ليقوم بحراسة ما كلف به؛ لعموم الأدلة الشرعية الدالة على ترك الجمعة في مثل هذا العذر وهو حراسة محطة البنزين

ما ذكره السائل أنه ليس عنده سيارة توصله لصلاة الجمعة وهو في البر ويحتاج مشي ساعتين فلا جمعة عليه، وعليه أن يصليها ظهرا، والخير له أن يسعى مستقبلًا في عمل بمكان قريب من العمران، حتى يكون قريب من المساجد، ويتمكن من صلاة الجمعة والجماعة مع المسلمين في المساجد، ويسمع المواعظ، ويتعلم ما يحتاجه من أمور دينه

من صلى بأهله في بيته الجمعة فإنهم يعيدونها ظهرا، ولا تصح منهم صلاة الجمعة

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) الحديث

والنداء يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس؛ أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الأول، وليس ببدعة لما سبق من الأمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين

تصح في أصح قولي العلماء إمامة المسافر للمقيمين في الجمعة إذا كان أهلاً للإمامة

لا يجوز لمن في المسجد أن يتكلم أثناء خطبة الجمعة مع آخر مطلقًا

أما الإمام فله أن يتكلم بما يرى فيه المصلحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً دخل المسجد وجلس ولم يصل التحية قال وهو يخطب: قم فصل ركعتين. أخرجه أحمد

وهكذا يجوز لأحد الجماعة أن يسأل الخطيب فيما تدعو الحاجة إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذي طلب منه الاستسقاء وهو يخطب، بل أجابه واستغاث، عليه السلام

يجوز السفر يوم الجمعة قبل النداء الأخير لها، وهكذا يجوز بعد النداء لمن خشي فوت الرفقة، أو فوت الطائرة التي حجز فيها

الإقامة العارضة للمسافر دون قصد مكث أيام معينة، وإنما هي إقامة مرهونة بحاجته، ولا يعلم متى تنقضي فإذا انقضت سافر، ففي مثل هذه الحالة يجوز له الترخص بقصر الصلاة وغيرها من رخص السفر مدة إقامته، طالت أو قصرت، وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما، يقصر الصلاة، وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وذكر العلماء هاتين الإقامتين منه صلى الله عليه وسلم على غير نية إقامة، ومثله ما ورد عن عبد الله بن عمر أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر محصوراً بالثلج يقصر الصلاة

أما أن تكون إقامته أربعة أيام فأقل، فهذا قد دل الدليل على أنه يجوز له الترخص برخص السفر من قصر وغيره، وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصر الصلاة مدة إقامته في مكة عام حجة الوداع حين دخوله إياها في اليوم الرابع من ذي الحجة حتى خرج منها إلى منى في اليوم الثامن، ولا شك أنه كان مزمعاً الإقامة هذه المدة

وأما أن تكون إقامته أكثر من أربعة أيام، فإنه يتم

الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة بعد الزوال أكثر الأحيان، ويصليها قبل الزوال قريباً منه أحياناً

وعلى هذا فالأولى أن تصلى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم

ينبغي الإنصات وعدم التشويش عند سماع الخطبة يوم الجمعة، وإذا صلى الخطيب على النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي المستمع من غير رفع صوت

إذا كان الإمام في الجمعة صلى الركعة الأولى وقام للركعة الثانية واقتدى به مسبوق في الركعة الثانية، وقام المسبوق ليقضي الركعة بعد سلام الإمام، فاقتدى به مسبوق آخر، فلا يصح للمسبوق الثاني جمعة؛ لأنه لم يدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فيها، وعليه أن يصلي الظهر

من فاتته ركعة من صلاة الجمعة وأدرك ركعة فقط صلى معها ركعة وكانت له جمعة؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك

إذا صلى أهل البادية الجمعة في الصحراء فإنهم يعيدونها ظهراً

من أحدث في التشهد الأخير من صلاة الجمعة يقضيها ظهراً

من أدرك الإمام في التشهد من صلاة الجمعة يقضيها ظهراً

دعاء الإمام في الخطبة للمسلمين مشروع، كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ولكن ينبغي للإمام أن لا يلتزم دعاء معينا، بل ينوع الدعاء بحسب الأحوال، أما كثرته وقلته فعلى حسب دعاء الحاجة إلى ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الدعاء ثلاثًا في بعض الأحيان، وربما كرره مرتين، فالسنة في الخطيب أن يتحرى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ودعوته

الأفضل إذا دعا الخطيب أن يعم بدعوته حكام المسلمين، ورعيتهم، وإذا خص إمام بلاده بالدعاء بالهداية والتوفيق فذلك حسن؛ لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين إذا أجاب الله الدعاء، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيها للمؤمنين والمؤمنات. أما التلفظ بالتأمين على دعائه فلا بأس به؛ لعموم الأدلة

من السنة أن يسلم الخطيب على الجماعة إذا صعد على المنبر قبل أن يجلس

الأصل في خطبة الجمعة تعليم الناس أمور دينهم، ووعظهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتوجيههم إلى ما فيه مصلحتهم في الدنيا والآخرة

وإذا دعت الحاجة إلى ذكر ما في إمام المسلمين من محاسن الإسلام درءاً لفتنة الخروج عليه وترغيباً للناس في موالاته ولزوم الجماعة وتشجيعاً له على فعل الخير فلا حرج، بل هو حسن لعظم المصلحة في ذلك

إذا ذكر الإمام في خطبة الجمعة الجنة وسألها المستمع أو النار واستعاذ منها في نفسه أو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه في نفسه فلا بأس في ذلك لكن لا يجهر بذلك

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/1/21 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي