الدرس 160: باب القرض 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 20 ربيع الثاني 1439هـ | عدد الزيارات: 1447 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله (فإن رده المقترض لزم قبوله) الهاء في قوله (رده) تعود على المُقرَض إن (رد المقترض) على المقرض (لزمه) أي: لزم المقرض قبوله، لأنه عين مال لكن بشرط ألا يتغير، وألا يكون متقوماً، لأنه لما أقرضه ثبتت القيمة في ذمته، فيقول أنا لم يثبت لي المثل، لكن وجبت لي القيمة فأعطني القيمة

وظاهر كلام المؤلف حتى وإن كان المستقرض انتفع به في هذه المدة، فإنه يلزم المقرض قبوله، لا سيما إن كان قد اقترضه وهو جديد، ثم استعمله ولو لمدة يسيرة، فسوف تنقص قيمته بلا شك

القول الثاني: أنه لا يلزم المقرض قبوله سواء تغير أم لم يتغير، فإذا قال المقترض للمقرض هذا مالك أنا رددته عليك، فقال له أنت اقترضته وقبضته، فصار ملكاً لك، فلا يلزمني أن أقبله وأدخله ملكي

وهذا القول هو الصحيح أنه إذا رده المقترض فإنه لا يلزم المقرض قبوله، لكن لو قبله فلا بأس، لأن الحق له، ولا فرق بين أن يكون مثليا أو متقوما

قوله (وإن كانت) يعني العين المقرضة

قوله (مكسرة) أي: المجزأة الدراهم له ربع ونصف من الفضة

قوله (أو فلوساً) الفلوس هي كل نقد من غير الذهب والفضة، مثل النقد المعدني الآن، ومنذ زمن يسمى فلوساً جمع فلس

قوله (فمنع السلطان المعاملة بها) أي: ألغاها، قال العلماء: يحرم على السلطان أن يحرم السكة الجارية بين الناس، لما في ذلك من الضرر العظيم، ما لم تدعو الحاجة إلى ذلك مثل الغش والتلفيق وما أشبه ذلك، فيرى السلطان أن من المصلحة أن يحْرم التعامل بها

قوله (فله القيمة وقت القرض) مثال ذلك: رجل أقرضني ألف درهم، لكنها بعد التحريم لا تساوي إلا خمسمائة، إذا له القيمة وقت القرض، وهي الألف، وهذا هو المذهب، والصحيح وقت المنع

قوله (ويرد المثل في المثليات، والقيمة في غيرها) يعني إذا أراد المستقرض الوفاء، فالواجب أن يرد المثل في المثليات، والقيمة في غير المثليات، وتسمى المتقومات

والمثلي كل مكيل أو موزون يصح السَلَم فيه، وليس فيه صناعة مباحة

فقولنا (كل مكيل أو موزون) خرج ما سواهما كالمعدود، والمذروع، والحيوان، والثياب، وهلم جرا

وقولنا (يصح السلم فيه) فإن كان لا يصح السلم فيه كالمعاجين وما أشبه ذلك، فإنه ليس مثليا بل هو متقوم

وقولنا (ليس فيه صناعة مباحة) فالحديد موزون، فإذا صُنع أواني خرج عن كونه موزونا، لأن فيه صناعة مباحة، والذهب موزون فإذا صُنع أواني، فالصناعة هنا غير مباحة، فيبقى موزوناً، فإذا استقرضت من شخص أواني ذهب مقدارها ثمانون جراما، وهي تساوي إذا لم تكن آنية سبعة آلاف

فالأكثر الأواني، لكن هذه الزيادة في مقابلة صنعة محرمة فلا تعتبر، ولذلك نقول هذه تعتبر مثلية، لأن الصناعة غير مباحة، وإذا كانت غير مباحة فلا قيمة لها، ونقول عليك أن تضمن مقدار هذا الذهب وزنا، لأن الصناعة غير مباحة

مثال آخر: الحقائب متقومة، لأن فيها صناعة مباحة، فعلى المذهب يجب أن يرد قيمتها، ونعرف ماذا تساوي حين القرض، ويثبت في ذمة المستقرض قيمتها

مثاله: أقرضني شخص خيل، والخيل متقوم، فنعرف قيمته عند القرض، فإذا كانت تسعة آلاف، فيثبت في ذمة المستقرض تسعة آلاف، لأن غير المثلي تثبت قيمته، فعلى قول المؤلف أن الذي يثبت في ذمة المستقرض المثلي في المثليات، والقيمة في المتقومات

والصحيح لا، فالمثلي ما كان له مثيل مقارب، لا يلزم أن يكون مطابقا، ولهذا نعلم لو أن إنساناً أقرض فرساً، ثم أراد المستقرض أن يرد فرساً مثلها في السن واللون والسمن والكبر، فهو أقرب إلى المماثلة من القيمة، لأن القيمة مخالفة لها في النوع ومقاربة لها في التقدير

وعلى هذا فالقول الصحيح أن المثلي ما كان له مثل أو مقارب، وعلى هذا فالحيوان مثلي، ولهذا استسلف النبي صلى الله عليه وسلم بَكر ورد خيارا رباعيا. رواه مسلم عن أبي رافع، فجعله مثليا

قوله (فإن أعوز المثل فالقيمة إذاً) ويصح (فالقيمةَ) بالنصب، والتقدير فيرد القيمةَ، فقوله (فإن أعوز المثل) أي: أعسر أو تعذر، بمعنى أنه عند الوفاء لم يجد المقترض مِثْلا فنرجع إلى القيمة، والعلة أنه إذا تعذر الأصل رجعنا إلى البدل وهو القيمة، حتى في العبادات (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) البقرة: 196

والإعواز يكون بأمور

أولاً: العدم، بأن ينقطع من السوق فلا يوجد

ثانياً: الغلاء الفاحش، فمثلاً هذا الشيء يساوي تسعة فارتفع في السوق حتى صار يساوي مائة، فهذا غلاء فاحش مضر بالمقترض

ثالثاً: البعد الشاق بأن يكون موجوداً، لكن نحن الآن في الخرج، وهو موجود في طوكيو عاصمة اليابان

وقوله (فالقيمة إذاً) أي: وقت الإعواز، فإن أعوز فإنه يرد القيمة وقت الإعواز، أي: قبل أن يعدم، فإذا قال المقرض أنا أريد المثل، فقال له المقترض ليس موجودا، إلا في بلاد بعيدة، قال اذهب واشتره، فلا يلزمه، لأنه إذا اشتراه سيأتي بأضعاف أضعافه، فيصل إلى بلد المقرض بأضعاف أضعاف القيمة، وهذا إضرار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه أحمد وحسنه الألباني

قوله (ويحرم كل شرط جر نفعا) يحرم يعني في القرض كل شرط يشترطه المقرض يجر إليه نفعا، أما إن كان يجر نفعا إلى المستقرض فهو الأصل

إذاً كل شرط جر نفعا للمقرض فهو محرم

وقوله (كل شرط) الشرط يقع في هذه الحال من المقرض، وهو حرام على المقترض لموافقته على المحرم، فيكون من باب التعاون على الإثم والعدوان، لكن الأصل أن الشارط هو المقرض

وقوله (يحرم كل شرط جر نفعا) مثال ذلك: جاء رجل إلى شخص، وقال أريد أن تقرضني ألف ريال، قال ليس لدي مانع، لكن أسكن بيتك لمدة تسعة أيام، فهنا القرض جر نفعا للمقرض، فهذا حرام

ونرد على من قال المسلمون على شروطهم، ونقول نعم المسلمون على شروطهم، إلا شرطا أحل حراماً أو حرم حلالاً، وهذا أحل حراما، وذلك أن الأصل في القرض هو الإرفاق والإحسان إلى المقترض، فإذا دخله الشرط صار من باب المعاوضة، ومن ثم صار مشتملاً على ربا الفضل وربا النسيئة، فاجتمع فيه الربا بنوعيه

مثال ذلك: لما استقرض مني ألف ريال، واشترطت عليه أن أسكن داره تسعة أيام، صار كأني بعت عليه ألف بألف، بزيادة سكنى البيت تسعة أيام، وهذا ربا نسيئة وربا فضل، فهو ربا فضل، لأن فيه زيادة، وربا نسيئة، لأن فيه تأخيراً في تسليم العوض

اللهم ألهمنا الصواب، واجعل عملنا خالصاً لوجهك، وعلمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، وانفعنا بما علمتنا، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

20-04-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر