ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 173:باب الصلح

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 1 شهر رمضان 1439هـ | عدد الزيارات: 1353 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .... أما بعد :-

قوله :باب الصلح :الصلح مصدر صالح يصالح صلحاً وهو في اللغة قطع النزاع.

والصلح عقد يحصل به قطع النزاع بين المتخاصمين وهذا هو الأصل وهو أنواع كثيرة يتعلق بجميع الحقوق المالية وغيرها ويقع فيها الصلح قال الله تعالى(وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير) النساء: 128

وهذا فيما بين الزوجين من حقوق وقال الله تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)النساء:114 .

ويجوز شرعاً أن يكذب الإنسان من أجل السيرإلى الصلح بين الناس وحث الشرع على الإصلاح بين الناس وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صالح المشركين في غزوة الحديبية :أخرجه البخاري.

وهذا فيما يقع بين المسلمين والمشركين من العهود غير أنه لا يجوز الإصلاح إذا تبين للقاضي أن الحق مع أحد الخصمين إلا إذا بين لصاحب الحق أن الحق له عند ذلك يطلب منه الصلح وإذا كان القاضي علمه ضعيف فلا يجوز له في كل مسألة ترد عليه جعلها صلحا.

والصلح جارٍ في كل شيء وبين كل متعاقدين في الحقوق والأموال والأعراض لذا أطلق الله سبحانه وتعالى فقال (والصلح خير)النساء :128 .

وفي هذا الباب يريد الفقهاء الصلح في الأموال ويذكرون الصلح في النزاع بين الزوجين في باب عِشرة النساء ،وفي باب أهل الزكاة في الغارم لإصلاح ذات البين ففي كل موضع بحسبه والصلح في الأموال على نوعين :

صلح على شيء أقر به من عليه الحق .

ويكون الصلح على شيء أنكره من عليه الحق والصلح إقرار بينه المؤلف رحمه الله بقوله :وإذا أقر له بدين أو عين فأسقط أو وهب البعض وترك الباقي صح .

قوله :وإذا أقر له بدين :بأن قال في ذمة لك مئة ألف ريال .

وقوله :أوعين :بأن قال هذه السيارة لك .

وقوله :فأسقط :يعود على الدين.

وقوله :أو وهب :يعود على العين ففيه لف ونشر مرتب يعني بذكر شيئين ثم يثني بمثل حكمها مرتباً لأنه أعاد الأول على الأول والثاني على الثاني ومن ذلك قوله تعالى (فمنهم شفي وسعيد*فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق*خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد*وأما الذين سُعدوا ففي الجنة)هود ،فهذا يسمي لفاً ونشراً مرتباً.

وهناك لف ونشر غير مرتب بأن يذكر ما يعود على الثاني ثم ما يعود على الأول قال تعالى (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودة وجوههم)آل عمران :106.

وهذه كلها من أساليب البلاغة ولا بد لكل ما خالف الأصل من فائدة وإلا فالأصل أن يكون اللف والنشر مرتبين .

وقوله :فأسقط أو وهب البعض وترك الباقي صح :بأنه حينما أقر له بمائة ألف ريال قال أسقط عنك خمسين ألف ريال صح ،لأن هذا إبراء محض وإحسان ومطلوب وهذا وجه إدخاله في باب الصلح فلو أن صاحب الحق قال للمقر قد صالحتك على بعض الدين فإنه يصح بلفظ الصلح لأن المقصود المعنى .

قوله :وإن لم يكن شرطاه :أي المتنازعان أي بشرط ألا يكون المقر أقر للشخص بهذا الشرط بأن منعه حقه إلا أن يسقط أو يهب فإن كان كذلك فإنه لا يجوز لأنه لا يحل له أن يمنعه حقه إلا إذا تنازل عن بعضه فهذا حرام ومن أكل المال بالباطل .

والظالم هو المسقط عنه إذا قال أنا أقر لك بهذا الدين بشرط أن تسقط كذا وكذا .

فالظالم المسقط عنه إذا كان الدين حقيقة ثابتاً فيشترط ألا يكون شرطاه فإن شرطاه فإنه لا يصح .

قوله : وممن لا يصح تبرعه :هذه الجملة معطوفة على قوله :شرطاه :أي ويشترط ألا يكون ممن لا يصح بذله المال مجاناً .

وهناك فرق بين من يصح تبرعه ومن يصح تصرفه فالذي يصح تصرفه أوسع من الذي يصح تبرعه فمثلاً ولي اليتيم يصح تصرفه ولا يصح تبرعه من مال اليتيم ومثله الوكيل.

إذاً يشترط أن يكون الإسقاط أو الهبة ممن يصح تبرعه فإن كان ممن لا يصح تبرعه لم يصح الإسقاط ولا الهبة لفوات الشرط فإذا أسقط ولي اليتيم بعض دينه وأخذ الباقي فلا يصح الإسقاط لأن ولي اليتيم لا يصح تبرعه.

ومن الشروط أيضاً ألا يقع بلفظ الصلح لأنه لا يصح أن يصالح بشيء من ماله على ماله .

لكن إذا فهم من هذه المصالحة أنها إسقاط في دين أو هبة في عين فيقبل ذلك لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ ،فإذا علمنا أن مرادهما بالمصالحة الهبة في العين والإسقاط في الدين فلا شيء يمنع من ذلك ولا مشاحة في اللفظ في أن المصالحة لا تكون الا بعد نزاع أو لفظ نزاع وهنا لا نزاع في المسألة لأنه إقرار وهبة والالفاظ قوالب في الواقع والعبرة بالمعاني إذا هذا يسمى الصلح على إقرار وشرطه ألا يكون مشروطاً ومن باب أولى ألا يمنعه حقه بدونه فإن منعه حقه قال لا أقر لك إلا أن تسقط فإنه لا يصح إذ لا يكون شرطاً وأن يكون ممن يصح تبرعه.

قوله :وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه صح الإسقاط فقط :أي دون التأجيل.

مثال ذلك :- إنسان عنده لشخص مائة دينار قد أقر بها فقال له أنا أريد أن تسقط عني خمسين ديناراً وتؤجل الباقي فوافق.

يقول المؤلف يصح الإسقاط ولا يصح التأجيل .

يصح الإسقاط لأنه أسقط عنه فقال وضعت عنك خمسين ديناراً وفي ذمتك خمسون ديناراً لكن التأجيل لا يصح لأن القاعدة عند الفقهاء أن الحال لا يمكن أن يتأجل ولا يقبل التأجيل .

والصحيح في هذه المسألة وفي مسألة القرض أنه يصح فإذا قال وضعت عنك خمسين ديناراً وأجلت الخمسين فإنه يجب أن يفي بوعده لأن إخلاف الوعد محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث ومنها إذا وعد أخلف) أخرجه البخاري ومسلم .ويلزمه خمسون مؤجلة.

فالصواب أنه يصح الوضع وأن الحال يتأجل بالتأجيل وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لأنه عهد ووعد وقد قال الله تعالى (وأوفوا بالعهد)الإسراء:34 .

إيضاح ذلك :جئت إلى رجل وقلت أنا محتاج خمسة آلاف ريال أقرضنيها وأجلها إلى سنة فقال تفضل فأخذتها وقضيت بها حاجتي وفي الغد قال أعطني خمسة آلاف ريال التي أقرضتك إياها فعلى المذهب له أن يطالبني لأن القرض حال والحال لا يتأجل فيترتب على من الضرر ما الله به عليم ،فعلى رأي شيخ الإسلام أنه يتأجل لعموم المسلمون على شروطهم :أخرجه الحاكم عن عائشة وأنس رضي الله عنهما بلفظ (المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق) صححه النووي في المجموع والألباني في الإرواء.

قوله :وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاً :فإنه لا يصح .

مثال ذلك :- رجل في ذمته لآخر خمسون ألف ريال مؤجلة إلى سنة وفي أثناء السنة جاء الدائن للمدين وقال أعطني منها خمسً وعشرين وأبرئك من الباقي ،يقول المؤلف :لم يصح :لأن هذا يشبه الربا حيث أخذ عن الخمسين خمس وعشرين ،والصواب الجواز إذ أن الإنسان إذا أخذ البعض في المؤجل وأسقط الباقي فذلك صحيح لأنه فيه مصلحة للطرفين أما الطالب فمصلحته الإسقاط .

ومعلوم أن الشريعة لا تأبى عقد فيه مصلحة للطرفين وليس فيه غرر ولا جهالة ولا ربا في ذلك لأن المدين لم يطرأ على باله حين استدان أنه سوف يرده أنقص معجلا وهذا اختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله .

لكن لو أجبر أحدهما الآخر على هذا الفعل فإنه لا يصح فلو قال المطلوب للطالب هذا نصف حقك أعجله لك وأسقط عني الباقي فقال لا أنا أريد حقي كاملاً متى حل فإنه لا يجبره.

فإن أعطاه حقه كاملاً حالاً عن المؤجل فالمذهب لا يجبره والصواب أنه يجبره ما لم يكن عليه ضرر ووجه ذلك أنه إذا عجل له دينه فهو مصلحة بلا مضرة فيلزم الطالب القبول لأنه زاده خيراً إلا إذا كان فيه ضرر بأن قال إني على سفر وليس عندي ما أودعه به وما أشبه ذلك فإنه لا يلزم بالقبول .

قوله :أو بالعكس :أي إذا صالح عن الحال بزائد عليه مؤجل فإنه لا يصح.

مثال ذلك :- رجل في ذمته لشخص مائة ألف ريال حالة فقال المطلوب أصالحك على أن تؤجل الحق وتكون بمائة وعشرة فهذا لا يجوز لأنه ربا وهذا هو الربا الذي كانوا يتعاطونه في الجاهلية والذي قال الله فيه (يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون)آل عمران .

فقوله :بالعكس :أي أن يصالح عن الحال بأكثر منه مؤجلاً لا ببعضه مؤجلاً فإنه لا يصح .

وبالله التوفيق .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

29/8/1439 هــــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي