ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 174:باب الصلح 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 6 شهر رمضان 1439هـ | عدد الزيارات: 1333 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد ؛

قوله (أو صالحه ببيت فصالحه على سكناه ) أي أقر لشخص ببيت وصالحه على أن يسكنه فهذا صلح على إقرار بأن قال هذا البيت لك ولكن صالحني على أن أسكنه لمدة ستة أشهر فإنه لا يصح لأنه صالح عن بعض ماله ببعضه والصواب في ذلك أنه إذا أقر له بالبيت فإن للمُقر له أن يمنحه إياه للسكن لمدة ستة أشهر أو أقل أو أكثر أما أن يجعل ذلك صلحاً فلا .

قوله :أو يبنى له فوقه غرفة :فلا يصح لأنه صالحه عن ماله ببعضه فإذا قال الذي فوق ليس لك فنرد عليه بأن له إلى السماء وإلى الأرض السابعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه يوم القيامة من سبع أراضين) أخرجه البخاري ومسلم.

قوله :أو صالح مكلفاً ليقر له بالعبودية :وهذا يقع حيلة ،مثاله :- قال يا فلان أنا أريد أن أدعي أنك فتاي أي عبدي :تعال فأقر عند القاضي فذهبا إلى القاضي وقال هذا رقيق لي :أي عبدي :وأريد أن توثق ملكي به فقال القاضي نعم فكتب وثيقة بأن فلان بن فلان رقيق لفلان :فهذا لا يصح لأن الحر لا يمكن أن يكون عبداً فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة :رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يؤته أجره) أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

والهدف من ذلك أكل المال بالحرام وذلك بأن يتفق اثنان على أن يقر أحدهما للآخر بالرق ثم إن المقر له يبيعه ويأخذ الثمن ويقول للذي أقر بالعبودية له الثمن بيني وبينك ثم يوصيه ويقول إذا بعتك على شخص ما وأخذت الثمن فاهرب منه وهذه المصالحة لا تصح وهي من كبائر الذنوب ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله خصم هؤلاء وهذا وعيد شديد يوم القيامة .

وقوله :أو صالح مكلفاً لأن غير المكلف لا يصح إقراره لذا لا تصح المصالحة معه .

قوله :أو امرأة لتقر له بالزوجية بعوض لم يصح : مثاله :- الدولة فرضت للإنسان المتزوج شيئاً من بيت المال فطلب إنسان من امرأة أن تقر بأنها زوجته ليعطى مكافأة متزوج وفعلت فهذا حرام إذ يترتب على هذا أمور كثيرة فلو مات أحدهما لورثه الآخر ولو ولدت ولد زنا لا لحق بهذا الرجل الذي أقرت له بالزوجية لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) لذا حرم ذلك سواء بعوض أو بغير عوض .

ولو كانت المرأة زوجة حقيقية وأنكرت أنها زوجته والشهود قد ماتوا ووثيقة النكاح ضاعت ولا يوجد لها نسخة في المحكمة من قبل المأذون الشرعي ولم يبق إلا إقرارها فصالحها لتقر له بالزوجية.

فحكم هذا الصلح بالنسبة للمرأة حرام عليها أن تأخذ عوضاً عن هذا الإقرار لأنها امرأته أما بالنسبة للرجل فهو جائز أن يبذل العوض لأن فيه استنقاذاً لحقه ومثل ذلك لو أن أحداً أخذ منك شيئاً وأبي أن يقر أنه لك إلا بعوض تعطيه إياه ففعلت فهذا جائز لك حرام عليه .

قوله :وإن بذلاهما له صلحاً عن دعواه صح :أي بذل المُدعى عليه العبودية والمدعى عليها الزوجة والضمير في :هما :للعوضين وله الضمير يعود على المدعى :صلحاً عن دعواه صح :لأن المراد بذلك دفع الدعوى فقط فيصح .

مثال ذلك :- رجل أمسك امرأة وقال أنت زوجتي فأنكرت ذلك فأصر إلا أن تقر أو تذهب إلى المحكمة فقالت هذه مئة درهم صلحاً عن دعواك فهنا يصح في حقها ظاهراً وباطناً ويصح في حق المدعي ظاهراً لا باطنا ويحاسب عند الله عز وجل على كذبه على هذه المرأة .

قوله :وإن فال أَقرَّ بديني وأعطيك منه كذا ففعل صح الإقرار لا الصلح .

مثاله :- رجل قال أقرَّ بديني ولك نصفه بأن قال أطلبك مئة ألف ريال أقر بها ولك منها نصفها قال نعم فأقر بها عند القاضي بأن في ذمتي لفلان مئة ألف ريال على أنه سيعطيه منها نصفها فيصح الإقرار لأنه وقع من أهله ولا يصح الصلح لأنه أكل للمال بالباطل.

ولكن الصحيح في هذه المسألة أنه إذا كان المدين أبى أن يقر إلا بهذا فالصلح باطل والإقرار ثابت يطالب به ظاهراً وأما إذا كان غير ممانع وهو مقر فإن إسقاط بعضه يكون من باب الوعد .

قوله :ومن ادَّعى عليه بدين أو عين فسكت أو أنكر وهو يجهله ثم صالح بمال صح :أي إذا أدعي عليه بدين أو عين بأن قال شخص لآخر أنا أطالبك بعشرة آلاف ريال فسكت فلم يقر ولم ينكر ثم صالح بمال عوضاً عن عشرة آلاف فيصح فإن أقر وصالح عنه بمال فهو من باب الصلح على الإقرار.

قوله :أو أنكر :أي أنكر المدعى عليه قال ليس في ذمتي لك شيء ثم صالح بمال فالمصالحة صحيحة .

وكذلك إذ أدُعي عليه بعين بأن قال شخص لآخر هذا الكتاب لي فقال من بيده الكتاب لا ليس لك فهذا إنكار ثم صالح عنه بمال بأن تصالحا على أن يعطيه عشرة ريالات عن هذا الكتاب فهو صحيح لأن الأصل الحل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أخرجه البخاري ومسلم.

وكذلك إذا جاء إليك شخص وقال إن في ذمتك لي ألف ريال فقلت ليس لك علي شيء فإنكارك هذا قد يكون عن علم أو عن نسيان أو عن جهل وقلت ما دمت تدعي علي بهذا وأنا لا أقر فلنجعل بيننا صلحاً فأعطيك عن الألف ريال نصفه فيجوز وينفذ الصلح ويلزم الطرفين بما تم عليه الاتفاق ولهذا قال المؤلف :ثم صالح بمال صح .

وقوله :بماله :يشمل الحال والمؤجل .

قوله :وهو للمدعي بيع :فإذا ادعى عليه بأن هذا الكتاب ملكه فقال ليس ملكك ثم تصالحا على مال فهذا الصلح صحيح وهو للمدعي بيع وإذا كان له بيع فإنه :يرد معيبه ويفسخ الصلح ويؤخذ منه بشفعة :لأنه يبع .

فيعامل المدعي معاملة البائع ويكون في حقه بيعا.

وقوله :ويؤخذ منه بشفعة :مثاله :-

ادعيتَ على هذا الرجل أن البيت الذي يسكنه لك فقال ليس لك وليس عندك بينه ثم صالحك وقال سأعطيك عوضاً وهو نصيبي في هذه الأرض لي نصفها ولشريكي نصفها فقبلت فقام شريكه وأخذه منك بالشفعة فله الحق في ذلك لأنه دخل ملكك على سبيل المعاوضة لأنك تعتقد أن البيت ملك لك وأن هذا العوض عنه فيأخذه شريكه منك بالشفعة .

قوله :وللآخر إبراء فلا رد :الآخر أي المدعى عليه يعني المنكر وهو في حقه إبراء فلا رد ولا شفعة .

وقوله :فلا رد :هذا الذي أدعي عليه أن الكتاب للمدعي وأنكر ثم صالح بقلم وبعد ذلك وجد في الكتاب عيباً مثل تمزق بعض صفحاته فإنه لا يرده على ذاك لأنه لا يعتقد أنه ملكه من قِبلِه هذا المنكر يعتقد أنه ملكه من الأصل وأن ذاك ليس له به ملك ولكنه أبرأه من المطالبة بما صالحه عليه من القلم فإن وجد المنكر في الكتاب عيباً فإنه لا رد له لأن هذا مقتضى الإقرار والإنكار .

قوله :ولا شفعة :لو قلت لرجل إن البيت الذي أنت فيه لي نصفه فقال لا ثم أخذ منه عوضاً عما ادعيت فشريكه في هذا البيت لا يأخذ هذا الشقص الذي ادعيته بالشفعة لأن هذا الشخص دخل على المُنكر لاعلى سبيل المعاوضة بل على سبيل الإبراء لأنه لما أعطاك العوض أبرأته منه إبراءً.

وبالله التوفيق .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

5/9/1439 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي