ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

حادثة الزلفي

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 26 شعبان 1440هـ | عدد الزيارات: 1160 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" آل عمران(102)

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" النساء(1)

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" الأحزاب(70 -71)

أما بعد:

عباد الله..

اتقوا الله واشكروه على نعمه وآلائه، وإن من أعظم نعم الله علينا بعد نعمة الإسلام ما نعيش فيه من أمن واطمئنان واجتماع كلمة في هذه البلاد الطيبة المباركة.

وإن من نعم الله التي تجددت علينا ما منّ به من تمكين جنودنا البواسل وأسودنا الأشاوس من القضاء على إحدى الخلايا الإرهابية، التكفيرية، في محافظة الزلفي، بعد محاولة آثمة، لاغتيال رجال موحدين، لا ذنب لهم إلا أنهم أرخصوا أرواحهم، وأضنوا أنفسهم،في سبيل الحفاظ على وطن التوحيد والإيمان، ومهد الإسلام، ومشرق الرسالة، الذي شرّفه الله بخدمة الحرمين الشريفين، وحماية قبلة المسلمين، و الحفاظ على مهاجَر النبي الأمين ﷺ.

عباد الله: إنه حدث جلل لنا معه وقفات:

الأولى: أن الخوارج من أخبث الفرق التي ظهرت في تاريخنا بالأمس وفي حاضرنا اليوم، ذلك أنهم يخالفون الكتاب المبين، وسنة سيد المرسلين، ويكفرون المسلمين، ويستحلون دماء الموحدين، ويخلعون البيعة ، ويشقون العصا ويفارقون الجماعة ، وهم خدم لأعداء المسلمين ، لأنهم يضعفون المسلمين في أمنهم وحكمهم واقتصادهم مما يسهل على اليهود والنصارى والوثنيين التسلط على ديار الإسلام ونهب خيراتها وإذلال أهلها.

لقد اجتمع منهم جماعة فحاصروا الخليفة الراشد عثمان بن عفان حتى قتلوه صائماً مظلوماً شهيداً في بيته بين أهله رضي الله عنه وأرضاه. ثم قتلوا الخليفة الراشد علي بن أبي طالب غدراً عند خروجه لصلاة الفجر رضي الله عنه وأرضاه.

فالخوارج لا يرضون بحكم ولاة أمور المسلمين ولا تقر أعينهم حين يرون أُمةً من المسلمين في إقليم قد اجتمعوا على والٍ مسلم، ولا عجب في ذلك!! فمن لم يرض بعثمان ولا بعلي هل تظنون أنه يرضى بولاية أحد من بعدهم؟!.

عباد الله:

إن الخوارج في ماضيهم وحاضرهم سواء، من نظر في أفعالهم أدرك عظم جنايتهم على الإسلام وأهله، فإنهم في الوقت الذي يزعمون أنهم يعملون من أجل الإسلام لا يراهم العقلاء المنصفون إلا يشوهون الإسلام وينفّرون الناس منه، ويضعفون الثقة فيه، لما يرى الناس فيهم من الظلم، والعدوان، والوحشية، والتخريب، والتدمير، والكذب، والخيانة، ونقض العهود،

فما أبعد أخلاقهم وسلوكهم عن الإسلام دين الفطرة، وما أبعد طريقتهم عن طريق محمد ﷺ نبي الرحمة.

الوقفة الثانية:

من أظهر عقيدة الخوارج قولاً أو فعلاً فكفّر المسلمين بغير حق، أو خلع البيعة وشق العصا ورفع السلاح فعلينا أن نتعامل معه المعاملة الشرعية التي تتمثل في بغضهم في الله والتحذير منهم، والتعاون مع ولاة الأمر على القضاء على فتنتهم ووقاية البلاد والعباد من شرهم ، وذلك بإبلاغ الجهات المختصة عنهم. ومن دعاه ولي الأمر إلى قتالهم فليبادر إلى هذا الجهاد الشرعي العظيم، وليحمد الله الذي توّجه بهذا الشرف الكبير.

ولا ينبغي أن يكون عند المسلم تردد في بغضهم في الله والحذر منهم والتصدي لشرهم بسبب ما يرى عليهم أو على بعضهم من أمارات الاستقامة، أو لما يراه من شعاراتهم الخلّابة كـ(رفع راية الجهاد) و شعار (الحل هو الإسلام) ونحو ذلك من الشعارات، فالنبي ﷺ قد وصف الخوارج بأنهم من أشد الناس عبادة حتى قال للصحابة فيما رواه البخاري "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مع صَلاتِهِمْ، وصِيامَكُمْ مع صِيامِهِمْ، وعَمَلَكُمْ مع عَمَلِهِمْ، ويَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ في النَّصْلِ فلا يَرَى شيئًا، ويَنْظُرُ في القِدْحِ فلا يَرَى شيئًا، ويَنْظُرُ في الرِّيشِ فلا يَرَى شيئًا، ويَتَمارَى في الفُوقِ" فهذه العبادات أو الشعارات لا تنفعهم بشيء ما داموا على دين الخوارج ومذهبهم

الوقفة الثالثة:

تنفيذ الخوارج هذه العملية بعد مدة من الهدوء نستفيد منه أن سكونهم في بعض الأحيان لا يعني انتهاءهم بل يعني أنهم مستمرون في غيهم في التجنيد والإضلال، لكنهم يغيرون جلودهم ويبدلون ثيابهم، ويتحينون الفرصة للمباغتة والهجوم، فعلينا جميعاً أن نكون على حذر و يقظة و عمل دؤوب فكرياً ودعوياً وأمنياً. فأهل العلم والفكر والقلم ، والدعاة والوعاظ والمعلمون والأئمة والخطباء، والجهات الأمنية، والأسرة عليهم واجب، وبتظافر الجهود وقيام ِكل جهة بمسؤولياتها في التوعية والوقاية والحماية والمواجهة يحصل بإذن الله تحقيق المراد، وقطعُ دابرِ أهل البغي والفساد.

الوقفة الرابعة:

تؤكد هذه الحادثة خطورة الانتماء إلى التنظيمات والجماعات والأحزاب الضالة المفارقة لمنهج السلف الصالح.

فعلينا أن نكون على بصيرة بها وعلى حذر منها ومن كل الجماعات والأحزاب المخالفة للسنة

ونحن بحمد الله أمة واحدة قد جمع الله كلمتنا ووحد صفنا تحت راية التوحيد.

فنعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى ومن الحَور بعد الكَور، ونسأله سبحانه أن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها واجتماع كلمتها وأن يكفيها شر كل ذي شر وسائر بلاد المسلمين إنه قوي عزيز، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله عليه الصلاة و السلام وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: اتقوا الله تعالى حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى. وتزودوا بصالح الأعمال ليوم المعاد ، يومَ تُجزى كلُّ نفس بما تسعى.

عباد الله: لقد أعلنت دولتنا وفقها الله قبل أيام قريبة نبأ تنفيذ حد الحرابة، والتعزير في عدد من المجرمين ممن حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فساداً، فخلعوا البيعة ونزعوا يد الطاعة ووالوا أعداء الدين والوطن، ونظّموا الخلايا لإشعال الفتن، ونفذوا ما أملته عليهم شياطينهم من أبشع الجرائم، فمنهم الذي قطع رحمه فقتل خاله أبشع قِتلة، يتقرب إلى الله بدمه بفكره الضال، ومنهم الذي تسبب في قتل والده الذي هو سبب وجوده في هذه الدنيا بعد الله ، والذي حقه عليه آكد الحقوق بعد حق الله تعالى، كما اشتركوا في التكفير، وقطع الطريق، وتخويف الآمنين، وسفك الدماء المعصومة، وإتلاف المنافع، وإثارة الفوضى والاضطراب، واستجلاب عداوة الدول، إلى غير ذلك من الجرائم والقبائح.

إخوة الإسلام:

إن تنفيذ حد الله في هؤلاء المجرمين لهو من الأخبار التي يفرح بها المؤمنون الذين يحبون الحق والعدل، وينشدون الأمن والاستقرار، ويبغضون الظلم والجور، ويكرهون الفوضى والخراب والدمار.

لأن في تنفيذ هذا الحد مصالح و فوائد منها:

أولاً: أنه إقامة لحكم الله قال تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" المائدة(33)

وفي إقامة حكم الله وتنفيذ حدوده خيرُ الدنيا والآخرة قال تعالى "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" المائدة (66)

ومنها: أنه بإقامة الحدود يثبت الأمن، وتأمن النفوس، وتطمئن القلوب، ويرتدع المجرمون، وينقمع المتربصون. وتقل الجريمة، ويعيش المجتمع عيشة هادئة رَغيدة، قال تعالى "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" البقرة(179)

ومنها: أن إقامة الحدود والتعزيرات الشرعية على مستحقيها من أسباب السعادة و النجاة من العقوبات العامة، فقد أهلك الله بني إسرائيل حين عطلوا الحدود في بعض الأحيان مداهنة ومجاملة، فإذا كان تعطيلُ الحدود هلاكاً عُلِم أن إقامتها سعادة ونجاة

إخوة الإيمان:

إن حرص قيادتنا على تنفيذ الحدود وإقامتها على الشريف والضعيف لهو من أعظم فضائلها ومزاياها التي تستحق عليها الثناء، والشكر والدعاء، لأنها في زمن غربة لا يكاد يشاركها في تحكيم الشريعة وإقامة الحدود بلد سواهاـ وفق الله قيادتنا وزادها على الخير والحق ثباتاً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشرك ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا واصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم احفظ لنا جنودنا على حدودنا ، اللهم اصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وابسط عليهم الأمن والرخاء والاجتماع على الحق برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم أنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، إنك أنت القوي العزيز.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار، "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" الصافات(180- 181-182)

1440-8-26هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي