الدرس371 الكذب واللعن

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 10 شهر رمضان 1440هـ | عدد الزيارات: 1156 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على خليل الله محمد .

يحرم الكذب مطلقا إلا ما استثناه الشارع ولعموم الأدلة كقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة 119. وفي الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا )).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (( إنَّ الكَذِبَ لا يَصلُحُ منه جِدٌّ ولا هَزلٌ اقرأوا إن شئتم : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾التوبة 119 . هكذا قرأها ثم قال : فهل تجدون لأحد فيه رخصة ؟)).

ويحرم الكذب لغير مصلحة , وإن كان المزاح فيه كذب صريح وزور وجب ترك ذلك المجلس وأنت مأجور إذا كان خروجك من المجلس من أجل ما في المزح من كذب و إذا كان الكلام فيه تعريض و تعمية على المخاطب ولكنه حق وصدق فلا شيء في ذلك .

و يحرم الكذب في الإعتذار و الأصل ان الله قد حرم الكذب على المسلمين و أوجب عليهم الصدق وجعله من شعائر الإسلام فلا يجوز لمسلم ان يكذب على مسلم ولا على كافر و من كذب أو غش في ذلك فهو الآثم ولا يجوز شيء من الكذب إلا في الحالات التي استثناها النبي صلى الله عليه وسلم ,وهي الكذب لإصلاح ذات البين و الكذب في الحرب و الكذب بين الزوجين لإصلاح العشرة بينهما ومن وقع في ذنب وجبت عليه التوبة ولا يذكره للناس إلا إذا كان يتعلق به حق للآدميين كظلمهم ,والتعدي عليهم فإنه يذكره لهم ويرده إليهم إن كان مالا أو يطلب منهم المسامحة إن كان غير ذلك .

و الكذب في الحلم محرم وجاء فيه الوعيد مافيه مزدجر فعن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله ﷺ قال : ((إنَّ مِن أفْرَى الفِرَى أنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ ما لَمْ تَرَ)) رواه البخاري وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ : ((مَن تَحَلَّمَ بحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، ولَنْ يَفْعَلَ .....)). رواه البخاري .

اللعن

يحرم خروج النساء للشوارع في ثياب رقيقة لا تسترها وعلى وليهن أمرهن بالمعروف و إلزامهن بعدم الخروج بهذه الثياب , ولا يجوز للمرأة لعن أولادها في بيت زوجها ولا في غيره.

ولعن الإنسان زوجته او غيرها من والديها او سواهما حرام , ويجب على من وقع منه ذلك أن يستغفر الله ويتوب إليه ويندم على ما حصل منه ويعزم على ألا يعود إلى هذه الجريمة عسى أن يتوب الله عليه ويغفر ذنبه ويطلب السماح ممن لعنه .

ولا يحرم كل من الزوجين على الآخر بلعنه ولا يقع ذلك طلاق ولكن لعنه إياها ولعنها إياه من كبائر الذنوب فيجب عليهما أن يتوبا ويستغفرا الله مما حصل منهما ويستسمح كل من لعنه ,

واللعن حرام وكلا الطرفين آثم بذلك ويشرع لمن عرف حالهما نصحهما وإرشادهما بترك ذلك وعليهما التوبة من ذلك وعدم العودة اليه .

و اللعن من كبائر الذنوب لقوله ﷺ : ((سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وقِتالُهُ كُفْرٌ)). متفق عليه .

وقوله ﷺ ((لا يَرْمي رجُلٌ رجُلًا بالفِسْقِ، أوِ الكُفرِ، إلَّا ارتدَّتْ عليه، إنْ لمْ يكنْ صاحبُهُ كذلك)) . رواه االبخاري .

ولعنك نفسك أو غيرك من كبائر الذنوب ومساوئ الأخلاق فعليك أن تصون لسانك عن ذلك مستقبلا إتقاءً لغضب الله وسخطه و أن تتوب إلى الله و تستغفره مما حصل منك من ذلك عسى أن يتوب الله عليك ويغفر لك وعليك أن تستبيح من لعنته .

ولا يجوز للمسلم أن يلعن أولاده و أشياءه الأخرى ويجب عليه أن يستغفر ويتوب إلى الله جل وعلا وإن استمر على اللعن فهو آثم .

وعليكم مناصحة والدتكم وتحذيرها من السباب لاسيما للأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا فلا يذكرون إلا بخير ولا يجوز ذكر معايبهم.

وعلى والدتكم تذكر ماسلف بينها وبين زوجها المتوفى فإن الله يقول : ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ البقرة 237. ويقول النبي ﷺ : ((لا تَسُبُّوا الأمْواتَ، فإنَّهُمْ قدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا)) رواه البخاري في صحيحه .

و اللعن ليس من صفات المؤمن الكامل الإيمان , فقد روى الإمام أحمد في (مسنده) والترمذي في (الجامع) عن علقمة عن جابر بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحِشِ ولا البذَيُّ)).قال الترمذي حديث حسن غريب وثبت في (الصحيحين) من حديث ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لعْنُ المُؤمِنِ كقَتلِهِ)) . وعلى ذلك فإنه لايجوز للمسلم لعن أحداً من إخوانه المسلمين إلا من لعنه الله في كتابه أو لعنه رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لعن من ارتكب معصية لمعصيته كالمرأة غير المتحجبه ونحوها بل على المسلم ان يقوم بمناصحتها و حثها على التحجب بالأسلوب الطيب و الدعوة الحسنة ومن لعن أحداً لا يستحق اللعن فقد ورد الوعيد الشديد في حقه و أن اللعنة ترجع إلى قائلها إن لم تجد مساغاً ويدل على ذلك ما رواه أبو داوود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ العبدَ إذا لعن شيئًا صعدتِ الَّلعنةُ إلى السماءِ فتُغلقُ أبوابُ السماءِ دونَها ، ثم تَهبطُ إلى الأرضِ فتُغلقُ أبوابُها دونَها ، ثم تأخذُ يمينًا وشمالًا فإذا لم تجد مَساغًا رجعتُ إلى الذي لَعنَ ، فإن كان لذلك أهلًا وإلا رجعتْ إلى قائلِها)). رواه الإمام أحمد في (مسنده) وأبو الدرداء في (سننه).

المشروع للإنسان إذا سوَّل له الشيطان فعل المعاصي وزينها له ووسوس له أو خاف أن يصيبه ضرر من كيده وكيد أوليائه أن يستعيذ بالله ويستجير به وحده لكف شره و أذاه عنه ويسمي بالله ويكثر من ذكره ليصرفه الله عنه ويرد كيده ويتصاغر في نفسه ويدل لذلك قول الله تعالى ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ الاعراف 200

وقوله تعالى ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ المؤمنون 98,97 .

ولما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول اذا قام للصلاة ((أعوذ بالله السميعِ العليم من الشيطانِ الرجيم؛ مِن هَمزِه ونَفْخِه ونَفْثِه)).

اما لعن الشيطان فإن الله لعنه في كتابه في أكثر من موضع لما تكبر وامتنع عن امتثال امر الله له للسجود لآدم لما خلقه سجود تكريم و إجلال ووصفه الله بأنه رجيم و انه لعين فهو من المطرودين من رحمة الله وجنته يوم القيامة قال تعالى : ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ النساء 117-118 .

وقال تعالى : ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ الحجر 35,34

وقد لعنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة عندما جاهده وأراد أن يضره ويفتك به فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يقولُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثُمَّ قالَ ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ ثَلَاثًا، وبَسَطَ يَدَهُ كَأنَّهُ يَتَنَاوَلُ شيئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، قدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ في الصَّلَاةِ شيئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذلكَ، ورَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قالَ: إنَّ عَدُوَّ اللهِ إبْلِيسَ، جَاءَ بشِهَابٍ مِن نَارٍ لِيَجْعَلَهُ في وجْهِي، فَقُلتُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلتُ: ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرَدْتُ أخْذَهُ، واللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ به وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ. رواه مسلم .

وعلى ذلك فإنه يجوز للإنسان أن يلعن الشيطان إذا تعرض له ليضره أو جاهده ووسوس له ليفتنه عن طاعة الله لكن لايترك التعوذ منه بالله والاكثار من ذكر الله وقول بسم الله ونحو ذلك من الأذكار و الأدعية المشروعه ليتحصن المسلم بالله من شره وعملا بالآيات و الأحاديث السابقة وينبغي على الإنسان أن لا يجعل لعن الشيطان ديدنه إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولعن الملة الإسلامية كفر بواح والعياذ بالله و الكلام بالسوء القبيح كبيرة من كبائر الذنوب و المزح بالكلام البذيء بقصد الضحك لا يجوز لعموم الأدلة المانعة من مثل هذا ولما يترتب على ذلك غالبا من العواقب الوخيمة والحادثة التي وقعت من امرأة لعنت ناقة لها ونهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن ركوبها وأنها حرام عليها فالحديث في صحيح مسلم.

واللعن لا يجوز أن يصدر من المسلم لا في حق الآدميين المسلمين ولا في حق البهائم أو غيرها من الممتلكات لأن اللعنة كلمة قبيحة لا يليق أن تصدر من المسلم .

ولا يحرم على من لعن البهيمة أن يأكل من لحمها لأن الأصل الحل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه صاحبة الناقة عن أكل لحمها و إنما أمرها بترك الحمل عليها و مصاحبتها لركب الرسول صلى الله عليه وسلم زجرا لها ولغيرها وذلك من العقوبة بالمال .

وبالله التوفيق .

1440/9/9 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي