الدرس 115 يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 18 ذو القعدة 1442هـ | عدد الزيارات: 436 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الواجب على المسلم أن يتقي الله في نفسه وفي أهل بيته وفي جيرانه وفي كل شئونه ومع كل المسلمين وذلك بدعوتهم إلى الله وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وألا تأخذه في الله لومة لائم ، هذا هو الواجب على كل مسلم ، فلا يدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل قرابة قريب أو محبة شخص ، بل من حبه لقريبه ومن صلته له الصلة الحقيقية التي يؤجر عليها أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر كما قال عز وجل " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ " الأنعام 152 ، فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يتقي الله وأن يؤدي الحق الذي عليه مع القريب والبعيد يقول سبحانه " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " النساء 135 ، ويقول سبحانه " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " التحريم 6.

فالواجب على المؤمن أن ينصح قريبه وأن يوجهه إلى الخير وهذا أعظم من صلته بالمال إن كان يصله بالمال ويؤجر على صلة الرحم ، فكونه يصله بتوجيهه للخير أو تعليمه الخير وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أهم من صلته بالمال ، لأن توجيهه إلى الخير ينفعه في الدنيا والآخرة ، فليس لأختك ولا لغيرها أن تدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحبها لولدها أو لأخيها أو لأختها أو غيرهم ، بل يجب عليها أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالطرق التي تراها مفيدة مجدية ، وبالأساليب الحسنة حتى تنجح إن شاء الله في عملها وتبرأ ذمتها .
اختلف الناس في تحديد مكان قبر الحسين ، فقيل : إنه دفن في الشام ، وقيل : في العراق ، أما رأسه فاختلف فيه ، فقيل : في الشام ، وقيل في العراق ، وقيل : في مصر ، والصواب أن الذي في مصر ليس قبراً له ، بل هو غلط وليس به رأس الحسين ، وقد ألَّف في ذلك بعض أهل العلم ، وبيَّنوا أنه لا أصل لوجود رأسه في مصر ولا وجه لذلك ، وإنما الأغلب أنه في الشام لأنه نُقل إلى يزيد بن معاوية وهو في الشام ، فلا وجه للقول بأنه نقل إلى مصر ، فهو إما حفظ في الشام في مخازن الشام ، وإما أعيد إلى جسده في العراق .
وبكل حال فليس للناس حاجة في أن يعرفوا أين دفن وأين كان ، وإنما المشروع الدعاء له بالمغفرة والرحمة ، غفر الله له ورضي عنه ، فقد قُتل مظلوماً فيدعى له بالمغفرة والرحمة ، ويُرجى له خير كثير ، وهو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة ، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهما وأرضاهما ، ومن عرف قبره وسلَّم عليه ودعا له فلا بأس ، كما تزار القبور الأخرى ، من غير غلو فيه ولا عبادة له ، ولا يجوز أن تطلب منه الشفاعة ولا غيرها كسائر الأموات ، لأن الميت لا يطلب منه شيء وإنما يدعى له ويترحم عليه إذا كان مسلماً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "زوروا القبورَ ؛ فإِنَّها تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ " (قلت الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع)

، فمن زار قبر الحسين أو الحسن أو غيرهما من المسلمين للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم كما يفعل مع بقية قبور المسلمين فهذا سنة ، أما زيارة القبور لدعاء أهلها أو الاستعانة بهم أو طلب الشفاعة منهم فهذا من المنكرات ، بل من الشرك الأكبر ، ولا يجوز أن يُبنى عليها مسجد ولا قبة ولا غير ذلك ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " متفق على صحته ، ولما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن تجصيص القبور وعن القعود عليها وعن البناء عليها " ، قلت: ورد الحديث في صحيح مسلم بهذا اللفظ"نهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُجصَّصَ القبرُ، وأن يُقعَدَ عليه، وأن يُبنَى عليه"فلا يجوز أن يجصص القبر أو يطيب أو توضع عليه الستور أو يبنى عليه ، فكل هذا ممنوع ومن وسائل الشرك ، ولا يصلى عنده لقول النبي عليه الصلاة والسلام " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " خرجه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه ، وهذا الحديث يدل على أنه لا تجوز الصلاة عند القبور ولا اتخاذها مساجد ولأن ذلك وسيلة للشرك وأن يُعبدوا من دون الله بدعائهم والاستغاثة بهم والنذر لهم والتمسح بقبورهم طلباً لبركتهم ، فلهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك .
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أن يرى الإنسان ربه في المنام ، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة ، لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى ، قال تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " الشورى 11 ، فليس يشبهه شيء من مخلوقاته ، لكن قد يرى في النوم أنه يكلمه ربه ، ومهما رأى من الصور فليست هي الله جل وعلا ، لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى ، فلا شبيه له ولا كفو له .
وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي ، وكل ما كان الرائي من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة ، لكن على غير الكيفية التي يراها ، أو الصفة التي يراها ، لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى .
ويمكن أن يسمع صوتاً ويقال له كذا وافعل كذا ، ولكن ليس هناك صورة مشخصة يراها تشبه شيئاً من المخلوقات ، لأنه سبحانه ليس له شبيه ولا مثيل ، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه في المنام من حديث معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى ربه ، وأنه سبحانه وتعالى وضع يده بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه ،(قلت الحديث أخرجه الترمذي وصححه الألباني وقد جاء بهذا اللفظ"احتُبِسَ عنَّا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ذاتَ غداةٍ من صلاةِ الصُّبحِ حتَّى كدنا نتَراءى عينَ الشَّمسِ، فخرجَ سريعًا فثوِّبَ بالصَّلاةِ، فصلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وتجوَّزَ في صلاتِهِ، فلمَّا سلَّمَ دعا بصوتِهِ فقالَ لَنا: علَى مصافِّكم كما أنتُمْ ثمَّ انفتلَ إلينا فقالَ: أما إنِّي سأحدِّثُكُم ما حبسَني عنكمُ الغداةَ: أنِّي قمتُ منَ اللَّيلِ فتوضَّأتُ فصلَّيتُ ما قُدِّرَ لي فنعَستُ في صلاتي فاستثقلتُ، فإذا أَنا بربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ، فقالَ: يا مُحمَّدُ قلتُ: ربِّ لبَّيكَ، قالَ: فيمَ يختصِمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: لا أدري ربِّ، قالَها ثلاثًا قالَ: فرأيتُهُ وضعَ كفَّهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجدتُ بردَ أَناملِهِ بينَ ثدييَّ، فتجلَّى لي كلُّ شيءٍ وعرَفتُ، ") وقد ألَّف في ذلك الحافظ ابن رجب رسالة سماها (اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى) ، وهذا يدل على أن الأنبياء قد يرون ربهم في النوم ، فأما رؤية الرب في الدنيا بالعيان فلا .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يرى أحدٌ رَّبه حتى يموت ، أخرجه مسلم في صحيحه ، (قلت :في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ : تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ") .ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل رأيت ربك ؟ قال : رأيت نوراً ، وفي لفظ : نور أنى أراه " رواهما مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فأخبرت أنه لا يراه أحد في الدنيا ، لأن رؤية الله في الجنة هي أعلى نعيم المؤمنين ، فهي لا تحصل إلا لأهل الجنة ولأهل الإيمان في الدار الآخرة ، وهكذا المؤمنون في موقف يوم القيامة ، والدنيا دار الابتلاء والامتحان ودار الخبيثين والطيبين ، فهي مشتركة فليست محلاً للرؤية ، لأن الرؤية أعظم نعيم للرائي فادخرها الله لعباده المؤمنين في دار الكرامة وفي يوم القيامة .

وقد يخيل لبعض الناس أنه رأى ربه وليس كذلك ، فإن الشيطان قد يخيل لهم ويوهمهم أنه ربهم ، كما رُوي أنه تخيل لعبد القادر الجيلاني على عرش فوق الماء ، وقال أنا ربك وقد وضعت عنك التكاليف ، فقال الشيخ عبد القادر : اخسأ يا عدو الله لست بربي ، لأن أوامر ربي لا تسقط عن المكلفين ، أو كما قال رحمه الله .

والمقصود أن رؤية الله عز وجل يقظة لا تحصل في الدنيا لأحد من الناس حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما تقدم في حديث أبي ذر ، وكما دلَّ على ذلك قوله سبحانه لموسى عليه الصلاة والسلام لما سأل ربه الرؤية ، قال له " لن تراني " الأعراف 143 ، لكن قد تحصل الرؤية في المنام للأنبياء وبعض الصالحين على وجه لا يشبه فيها سبحانه الخلق ، كما تقدم في حديث معاذ رضي الله عنه ، وإذا أمره بشيء يخالف الشرع فهذا علامة أنه لم ير ربه وإنما رأى شيطاناً ، فلو رآه وقال له : لا تصل قد أسقطت عنك التكاليف ، أو قال ما عليك زكاة أو ما عليك صوم رمضان أو ما عليك بر والديك أو قال لا حرج عليك في أن تأكل الربا ، فهذه كلها وأشباهها علامات على أنه رأى شيطاناً وليس ربه .

وبالله التوفيق

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه

17 - 11 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر