الدرس الخامس عشر شروط الصلاة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 26 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 3115 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الشرط الخامس من شروط الصلاة : ستر العورة

قول المصنف "ومنها ستر العورة"

والعورة : هي ما يسوء الإنسان إخراجه والنظر إليه لأنها من العور وهو العيب وكل شيء يسوؤك النظر إليه فإن النظر إليه يعتبر من العيب ولم تأت كلمة ستر العورة في الكتاب والسنة

والذي جاء في القرآن "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ" الأعرف(31) فأمر الله تعالى أن نتزين ونتجمل عند ملاقاته سبحانه والوقوف بين يديه وإذا كان الإنسان يستحي أن يقابل ملكاً من الملوك بثياب رثة أو نصف بدنه ظاهر فكيف لا يستحي أن يقف بين يدي ملك الملوك عز وجل بثياب غير مطلوب منه أن يلبسها

قال شيخ الإسلام ابن تيمية والله أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة وهو أخذ الزينة فقال "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ" الأعرف(31) فعلق الأمر باسم الزينة لا بستر العورة إيذاناً بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها

وقال الني صلى الله عليه وسلم "لَا يُصَلِّي أحَدُكُمْ في الثَّوْبِ الوَاحِدِ ليسَ علَى عَاتِقَيْهِ منه شيءٌ" رواه البخاري ومسلم

وعاتق الرجل ليس بعورة إذا فليس مناط الحكم ستر العورة إنما مناط الحكم اتخاذ الزينة والدليل على أن من شرط صحة الصلاة ستر العورة قوله تعالى"يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ" الأعرف(31)

وقوله صلى الله عليه وسلم "فإنْ كانَ واسِعًا فَالْتَحِفْ به، وإنْ كانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بهِ" رواه البخاري عن جابر بن عبدالله فلا بد من الإتزار وإذا كان واجباً في العبادة فكل واجب في العبادة شرط لصحتها

ومعلوم أن من صلى عرياناً مع قدرته على اللباس فصلاته باطلة

قول المصنف "فيجب بما لا يصف البشرة" أي ألا يصف البشرة فإذا كان هذا الثوب الذي على البدن يبين تماماً لون الجلد فيكون واضحاُ فإن هذا ليس بساتر

قوله "وعورة رجل و أمة وأم ولد ومعتق بعضها من السرة إلى الركبة" عورة الرجل في الصلاة من السرة إلى الركبة مع ستر العاتقين والأفضلية في كمال الزينة من حسن لباس وتسوك وطيب

عورة الرجل في غير الصلاة

أ . السوءتان : القبل والدبر عورة مغلظة

ب . الفخذان عورة مخففة

ج. يجب على الشباب ستر الفخذ وما دون السرة خوفاً من الفتنة

قوله "وأمة" وهي المملوكة فعورتها من السرة إلى الركبة وصلاتها صحيحة لأنها سترت ما يجب عليها ستره في الصلاة وهذا أيضا قول الفقهاء رحمهم الله تعالى لكن شيخ الإسلام رحمه الله عارض هذه المسألة وقال إن الأمة كالحرة لأن الطبيعة واحدة والخلقة واحدة والرق وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيتها ولا دليل على التفريق بينها وبين الحرة وعلل ذلك بقوله إن المقصود من الحجاب هو ستر ما يخاف منه الفتنة بخلاف الصلاة وهذا هو القول الصحيح

قول المصنف "و أم ولد" هي الأمة التي أتت من سيدها بولد وهي رقيقة وحكمها حكم الأمة أي أن عورتها من السرة إلى الركبة

قوله "و معتق بعضها" هذا هو الرابع أي بعضها حر وبعضها رقيق كالأمة الخالصة

وقوله "من السرة إلى الركبة" السرة في ظاهر كلام المصنف داخل في العورة لأنها إبتداء الغاية فيجب سترها والركبة غير داخلة لكن المشهور من المذهب أن السرة والركبة لا تدخلان فلا يجب سترهما

قوله "وكل الحرة عورة إلا وجهها" فيجب ستر جميع بدنها إلا وجهها والصحيح وجوب ستر الوجه لصريح الأدلة من الكتاب والسنة وأيضا سدا لذريعة الفتنة

قوله "وتستحب صلاته في ثوبين" أي ينبغي للإنسان أن يصلي في ثوبين لأنه أستر ومن الثوبين الإزار والرداء

قوله "ويكفي ستر عورته في النفل" أي عورة الرجل وهي ما بين السرة والركبة والنفل كل ما عدا الفرض كالرواتب التابعة للمكتوبات وركعتي الضحى وغيرهما والصحيح لا فرق بين النفل والفرض

قوله "ومع أحد عاتقيه في الفرض" أي أنه يجب ستر أحد العاتقين مع العورة في الفرض وهو ما يأثم بتركه كالصلوات الخمس والعاتق هو موضع الرداء من الرقبة فالرداء يكون ما بين الكتف والعنق والصحيح لافرق بين النفل والفرض والحكم واحد أما قوله "أحد عاتقيه" فحديث البخاري عاتقيه وليس أحد عاتقيه

قوله "وصلاتها في درع وخمار وملحفة" أي تسن صلاة المرأة في درع وخمار وملحفة والدرع هو القميص السابغ الذي يصل إلى القدمين والخمار مايلف على الرأس والملحفة ما يلف على الجسم كله كالعباءة والجلباب وما أشبههما فيسن للمرأة أن تصلي في هذه الأثواب الثلاثة درع وخمار وملحفة وهذا هو ما روي عن عمر بإسناد صححه ابن كثير

قوله "ويجزء ستر عورتها" أي يجزء المرأة ستر عورتها ولو بثوب واحد فلو تلفلفت المرأة بثوب يستر رأسها وكفيها وقدميها وبقية بدنها ولا يخرج منه إلا الوجه أجزأ ولو لفت نفسها بثوب يخرج منه الكفان والقدمان مع الوجه أجزأ على قول ابن تيمية رحمه الله وهو القول الراجح

قوله "ومن انكشف بعض عورته وفحش" أي زال عنه الستر وبعض العورة يشمل السوأة وغيرها وقوله "فحش" أي غلب وعظم فإن فحش ولكنه في زمن يسير بحيث انكشفت ثم ستره فظاهر كلام المصنف أن صلاته لا تصح والصواب أنه إذا انكشف الكثير وستره في زمن يسير فإن صلاته لا تبطل

قوله "أو صلى في ثوب محرم عليه" أي لم تصح صلاته فعلى قول المصنف أن من شرط الثوب الذي تستر به العورة أن يكون مباحا لكن ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الصلاة لا تبطل إذا ستر عورته بثوب محرم وهذا هو القول الراجح

قوله "أو نجس أعاد" أي أو صلى في ثوب نجس والمراد بالثوب النجس ما كان نجسا بعينه كجلد السباع أو متنجسا بنجاسة لا يعفى عنها فإن كانت نجاسة يعفى عنها فلا حرج عليه أن يصلي فيه مثل اليسير من الدم المسفوح

قوله "لا من حبس في محل نجس" أي لا يعيد من حبس في محل نجس ولم يتمكن من الخروج إلى محل طاهر لأنه مكره على المكث في هذا المكان

قوله "و من وجد كفاية عورته سترها" أي من وجد كفاية العورة وجب عليه أن يسترها لكون سترها من شروط الصلاة

قوله "وإلا فالفرجين" أي وإلا يجد فالفرجين أي فليستر الفرجين وهما القبل والدبر

قوله "فإن لم يكفهما فالدبر" أي إن لم يكف الموجود الفرجين ستر الدبر

قوله "وإن أُعير سترةً لزمهُ قُبولها" الراجح في هذه المسألة أنه يلزمه تحصيل سترة بكل وسيلة ليس عليه فيها ضرر ولا منة سواء ببيع أو استعارة أو بقبول هبة لقوله تعالى "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" التغابن(16)

قوله "ويصلي العاري قاعدا بالإيماء إستحبابا فيهما" أي إذا كان إنسان عار ليس عنده ثوب فإنه يصلي قاعدا ولول كان قادرا على القيام لأنه أستر لعورته والقعود والإيماء استحبابا لا على وجه الوجوب وعلى هذا لو صلى قائما وركع وسجد صحت صلاته والصواب إن كان حوله أحد صلى قاعدا أو كان في ظلمة أو كان حوله شخص لا يبصر أو شخص لايستحي من إنكشاف عورته عنده كالزوجة فإنه يصلي قائما فيركع ويسجد فإنه لا عذر له

قوله "ويكون إمامهم وسطهم" أي إمام العراة يكون بينهم أي لا يتقدم لأنه أستر له ويصلون على المذهب قعودا استحبابا

قوله"ويصلي كل نوع وحده" أي إذا اجتمع رجال ونساء عراة صلى الرجال وحدهم والنساء و حدهن

قوله "فإن شق صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم عكسوا" أي شق صلاة كل نوع وحده بحيث لايوجد مكان آخر و معنى "تستدبرهم النساء" تعطيهم ظهورهن فتكون ظهور النساء إلى القبلة لئلا يرين عورات الرجال ثم بعد ذلك يصلي النساء ويستدبرهن الرجال فتكون ظهور الرجال نحو القبلة لئلا يروا عورات النساء

قوله "فإن وجد سترة قريبة في أثناء الصلاة ستر وبنى و إلا إبتدأ" أي إن وجد الذي يصلي عريانا في أثناء الصلاة سترة فإن كانت قريبة أي لم يطل الفصل أخذها وستر وبنى على صلاته وإن كانت بعيدة فيقطع صلاته ويبدأ الصلاة من جديد

مكروهات الصلاة

قوله "يكره في الصلاة السدل" الكراهه عند الفقهاء هي النهي عن الشيء من غير إلزام بالترك والمكروه مانهي عنه من غير إلزام بالترك أما في لغة القرآن والسنة وغالب كلام السلف فالمكروه هو المحرم قال تعالى "كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا" النساء (38) ولهذا قال أصحاب الإمام أحمد "إذا قال الإمام أحمد أكره كذا" يعني أنه محرم حكمه عند الفقهاء أنه يثاب تاركه إمتثالا ولا يعاقب فاعله ويجوز عند الحاجة وإن لم يضطر إليه أما المحرم فلا يجوز إلا عند الضرورة والسدل أن يطرح الثوب على الكتفين ولا يرد طرفه على كتفه الأخر

قوله "و اشتمال الصماء" أي أن يلتحف بالثوب ولا يجعل ليديه مخرجا لأن هذا يمنع من كمال الإتيان بمشروعات الصلاة وقال بعض العلماء أن إشتمال الصماء أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره وهو المذهب الحنبلي أي أن يكون عليه ثوب واسع ثم يضطبع فيه أما إذا كان عليه ثوب آخر فلا كراهه لأنه لبسة المحرم وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم والاضطباع أن يخرج كتفه الأيمن ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر

قوله "وتغطية وجهه" أي يكره أن يغطي الإنسان وجهه وهو يصلي ويستثنى من ذلك المرأة إذا كان حولها رجال ليسوا من محارمها فإن تغطية وجهها حينئذ واجب

قوله "واللثام على فمه وأنفه" أي يكره اللثام على فمه وأنفه بأن يضع الغترة أو العمامة أو الشماغ على فمه وأنفه

قوله "وكف كُمْه وَلْفه" أي يكره أن يكف الإنسان كمه في الصلاة ولفه وكف الكم أن يجذبه حتى يرتفع ولفه أن يطويه حتى يرتفع والدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أُمرتُ أن أَسجدَ على سبعةٍ أعظم ولا أَكُفَّ شَعْرًا ولا ثوبًا"رواه البخاري ومسلم

قوله "وشد وسطه كزنار" أي يكره أيضا للإنسان أن يشد وسطه بما يشبه الزنار وشد الوسط أن يربط على بطنه حبلا أو سيرا فهو يكره على وجه يشبه الزنار والزنار سير معروف عند النصارى يشدون به أوساطهم وإنما كره مايشبه شد الزنار لأنه تشبه بغير المسلمين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم" صحيح ابي داود للألباني

قال شيخ الإسلام رحمه الله "أقل أحوال هذا الحديث التحريم"

قوله "وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره" الخيلاء مأخوذة في الأصل من الخيل لأن الخيل تجذب التباهي و الترفع والتعالي فالخيلاء أن يجد الإنسان في نفسه شيئا من التعاظم على الغير وهذا حرام في الثوب وغيره

قوله "والتصوير" التصوير محرم قال الجمهور إنه محرم سواء كانت الصورة مجسمة أم ملونة وهو من كبائر الذنوب وفاعله ولو مرة واحدة يخرج به عن العدالة ويكون فاسقا إلا أن يتوب لحديث علي بن أبي طالب أنه قال لأبي الهيّاج الأسدي "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها" رواه مسلم أما أن يصور ما لا روح فيه كتصوير ألاشجار والزروع وما أشبه ذلك فجمهورأهل العلم أن ذلك جائز

قوله "واستعماله" ظاهر إطلاق المصنف العموم أنه يحرم على أي وجه كان

قوله "ويحرم استعمال منسوج أو مموه بذهب قبل استحالته" أي يحرم على الذكر استعمال منسوج بذهب أو مموه به والمنسوج بذهب هو أن يكون فيه خيوط من ذهب تنسج سواء كانت هذه الخيوط على جميع الثوب أو في جانب منه قوله "أو مموه بذهب قبل استحالته" أي ويحرم مموه بذهب وهو المطلي بذهب على الرجل إلا أن المصنف استثنى إذا استحال هذا الذهب وتغير لونه وصار لو عرض على النار لم يحصل منه شيء فهذا لا بأس به

قوله "وثياب حرير" أي ويحرم ثياب حرير خالصة والمراد بالحرير هنا الحرير الطبيعي دون الصناعي والحرير الطبيعي يخرج من دودة تسمى دودة القز وهو غال وناعم ولهذا حرم على الرجل لأنه يشبه من بعض الوجه الذهب لكونه مما يتحلى به

قوله "وماهو أكثره ظهورا على الذكور" أي يحرم على الذكور ثوبٌ يكون الحرير أكثره ظهورا ولبس الحرير من كبائر الذنوب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخره" رواه البخاري ومسلم

قوله "لا إذا استويا" أي لا يحرم الحرير إذا استويا

قوله "ولضرورة أو حكة" أي أو لبسه لضرورة ومن الضرورة أن لا يكون عنده ثوب غيره ومن الضرورة أيضا أن يكون عليه ثوب لا يستر عورته لتمزق فيه قوله "أو حكة" أي أنه إذا كان فيه حكة جاز لبسه والحكمة أن الحرير لنعومته ولينه يطفئ الالتهاب من الحكة فلهذا أجازه الشارع فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما أن يلبسا الحرير من حكة كانت بهما رواه البخاري ومسلم ولما كان لبس الحرير مدعاة إلى تنعم الرجل كتنعم المرأة بحيث يكون سببا للفتنة صار ذلك حراما

قوله "أو مرض" أي يجوز لبس الحرير إذا كان فيه مرض يخففه الحرير أو يبرئه والمرجع في ذلك إلى الأطباء فإذا قال له الأطباء ذلك فله أن يلبسه

قوله "أو قمل" أي يجوز لبس الحرير لطرد القمل لأن هذا القمل يقرص الإنسان ويتعبه والحرير لليونته ونعومته يطرد القمل لأنه أكثر ما يكون مع الوسخ

قول"أو حرب" أي ويجوز لبس الحرير لحرب مع الكفار لما في ذلك من إغاظة للكفار فإن الكفار إذا رأوا المسلمين بهذا اللباس اغتاظوا وانكسرت معنوياتهم وعرفوا أن المسلمين في نعمة

قوله "أو حشوا" أي يجوز للإنسان أن يلبس ثوبا محشوا بالحرير

قوله "أو كان علما أربع أصابع فما دون" أي يجوز لبس الحرير إذا كان علما في ثوب والعلم معناه الخط يطرز به الثوب فإذا كان العلم أربعة أصابع في مكان واحد فما دون فهذا لابأس به لحديث عمر رضي الله عنه "أنه لم يرخص في الحرير إلا إذا كان علما أربع أصابع فما دون" رواه البخاري ومسلم

قوله "أو رقاعا أو لبنة جيب" الرقاع جمع رقعة أي لو رقع الثوب بالحرير فانه يجوز بشرط أن يكون أربع أصابع فما دون وكذلك "لبنة الجيب" والجيب هو الذي يدخل معه الرأس ولبنته بما يوضع من حرير على هذا الطوق

قوله "وسجف فراء" الفراء جمع فروة وسجفها أطرافها والفروة مفتوحة من الأمام فهذا لابأس به بشرط أن يكون أربع أصابع فما دون

قوله "ويكره المعصفر والمزعفر للرجال" أي كراهة التنزيه لا كراهة التحريم و المزعفر هو المصبوغ بالزعفران و المعصفر هو المصبوغ بالعصفر مكروه للرجال ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبدالله بن عَمْرو بن العاص ثوبين معصفرين فنهاه أن يلبسهما فقال"إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها" رواه مسلم وإذا استدللنا بهذا الحديث على هذا الحكم وجدنا أن الحكم بالكراهة التنزيهة فيه نظر لأن هذا الحديث يقتضي أنه حرام وهذا هو القول الصحيح

الشرط السادس الطهارة من الحدث

أي من شروط الصلاة الطهارة من الحدث ودليل ذلك من القرأن قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" المائدة(6) ووجه الدلالة أن الله تعالى أمر إذا قمنا إلى الصلاة بالوضوء من الحدث الأصغر والغسل من الجنابة والتيمم عند العدم وبين أن الحكمة في ذلك التطهير وأما الدليل من السنة فمنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "لايقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" رواه البخاري

الشرط السابع الطهارة من النجس

والطهارة من النجس في الثوب والبقعة والبدن

والدليل على اشتراط الطهارة من النجاسة في الثوب عن عائشة رضي الله عنها "أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وضَعَ صَبِيًّا في حَجْرِهِ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عليه، فَدَعَا بمَاءٍ فأتْبَعَه" أخرجه البخاري

وفي البدن

أولاً : كل أحاديث الإستنجاء والإستجمار تدل على وجوب الطهارة من النجاسة

ثانياً : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل المذي يدل على أنه يشترط التخلي من النجاسة في البدن

ثالثاً : إخباره عن الرجلين اللذين يعذبان في قبريهما لأن أحدهما كان لا يستنزه من البول

وفي المكان

أولاً : قال تعالى "وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" البقرة(125)

ثانياً : لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه "جَاءَ أعْرَابِيٌّ فَبَالَ في طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذَنُوبٍ مِن مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عليه" رواه البخاري ومسلم

قوله "فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها" قوله "لا يعفى عنها" أي أن من النجاسات ما يعفى عنها إذا كانت يسيرة مثل يسير الدم إذا كان من حيوان طاهر كدم الشاة والبعير وما أشبهها ولا سيما إذا شق التحرز منها وإذا جعل النجاسة في قارورة في جيبه فقد حمل نجاسة لا يعفى عنها فإن صلى وهي في جيبه فصلاته باطلة

قوله "أو لاقاها في ثوبه أو بدنه لم تصح صلاته" أي باشر المصلي النجاسة بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته مثاله استند رجل إلى جدار نجس فهذا لاقى النجاسة فلا تصح صلاته

قوله"وإن طين أرضا نجسة أو فرشها طاهرا كره وصحت" هذان حكمان إذا طين أرضا نجسة أي كساها بالطين فإذا صلى على هذا الطين الذي كسيت به صحت الصلاة مع الكراهة والمكروه معناه لا يعاقب فاعله ويثاب تاركه امتثالا والصواب أنها تصح بلا كراهة إذ لا دليل على الكراهة وقوله "أو فرشها طاهر" أي فرش على الأرض النجسة شيئا طاهرا مثل ثوب وصلى عليه فالصلاة صحيحة مع الكراهة والصحيح أنها لا تكره لأنه صلى على شيء طاهر يحول بينه وبين النجاسة

قوله "وإن كانت بطرف مصلى متصل صحت إن لم ينجر بمشيه" قوله "وإن كانت" الضمير يعود على النجاسة قوله "بطرف مصلى متصل صحت"مثال ذلك رجل يصلي على سجادة وطرفها نجس وهذا الطرف متصل بالذي يصلي عليه ولكنه لا يباشر النجاسة ولا يلاقيها فصلاته صحيحة قوله "إن لم ينجر بمشيه" مثال ذلك رجل ربط حبلا بيده وربط طرفه الآخر في رقبة كلب فهذا الرجل لا تصح صلاته لأنه إذا مشى انجر الكلب فهو مستتبع للنجاسة و إن كان لا ينجر صحت صلاته والصحيح أنها لا تبطل الصلاة بكلتا الصورتين لأنه لم يباشر النجاسة إذ بينه وبينها هذا الحبل

قوله "ومن رأى عليه نجاسة بعد صلاته وجهل كونها فيها لم يعد و إن علم أنها كانت فيها لكن نسيها أو جهلها أعاد" ذكر المصنف هنا صورتين الصورة الأولى أشار إليها بقوله "وجهل كونها فيها" أي لا يدري هل كانت عليه وهو في صلاته أم أصابته بعد الصلاة ففي هذه الصورة لا إعاة عليه الصورة الثانية علم أن النجاسة كانت في الصلاة لكن جهلها فلم يعلم إلا بعد الصلاة فعليه الإعادة والراجح في هذه المسألتين أنه لا إعاده عليه لقوله تعالى "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ..." البقرة(286) و في الحديث عن أبي سعيد الخدري "بينَما رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يصلِّي بأصحابِهِ إذ خلعَ نعليهِ فوضعَهُما عن يسارِهِ فلمَّا رأى ذلِكَ القومُ ألقوا نعالَهُم فلمَّا قضى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صلاتَهُ قالَ ما حملَكُم علَى إلقاءِ نعالِكُم قالوا رأيناكَ ألقيتَ نعليكَ فألقينا نعالَنا فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ جبريلَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أتاني فأخبرَني أنَّ فيهِما قذرًا - أو قالَ أذًى - وقالَ إذا جاءَ أحدُكُم إلى المسجدِ فلينظُر فإن رأى في نعليهِ قذرًا أو أذًى فليمسَحهُ وليصلِّ فيهِما"صحيح أبي داود للألباني

قوله "ومن جبر عظمه بنجس لم يجب قلعه مع الضرر" رجل انكسر عظمه وسقط أجزاء من العظم فلم يجدوا هذه الأجزاء وعندهم كلب فكسروا عظم الكلب وجبروا به عظم هذا الرجل فقد جبر بعظم نجس فإذا صلى سيكون حاملا للنجاسة فلا يجوز في هذه الحال أن يصلي وهو حامل لهذه النجاسة فيجب قلعه إلا أن يتضرر من ذلك

قوله "وما سقط منه من عضو أو سن فطاهر" أي إذا سقط من إنسان عضو أو سن فهو طاهر مثال العضو قطع الأصبع لقوله صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن لا ينجس" متفق عليه

قوله "ولا تصح الصلاة في مقبرة" نفي الصحة يقتضي الفساد ويستثنى من ذلك صلاة الجنازة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنَّ رَجُلًا أسْوَدَ أوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ، فَسَأَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنْه، فَقالوا: مَاتَ، قالَ: أفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي به دُلُّونِي علَى قَبْرِهِ - أوْ قالَ قَبْرِهَا - فأتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا" رواه البخاري ومسلم

قوله "وحُشٍّ" الحش المكان الذي يتخلى فيه الإنسان من البول أو الغائط وهو الكنيف فلا تصح الصلاة فيه لأنه نجس خبيث ولأنه مأوى الشياطين والشياطين خبيثة قال تعالى "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ..." النور(26)

قوله "وحمّام" كل ما يطلق عله إسم الحَمّام يدخل في ذلك ولا تصح الصلاة فيه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" رواه أحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن تيمية والذهبي

قوله "وأعطان إبل" وهو شامل لما تقيم فيه الإبل وتأوي إليه فلا تصح الصلاة فيه لقوله صلى الله عليه وسلم "إن لَم تجِدوا إلَّا مَرابضَ الغنَمِ و أَعطانَ الإبلِ ، فصلُّوا في مَرابِضِ الغنمِ ، و لا تُصلُّوا في أعطانِ الإبلِ ؛ فإنَّها خُلِقَتْ من الشَّياطينِ" صحيح الجامع للألباني

قوله "و مغصوب" أي ولا تصح الصلاة في مغصوب والمغصوب كل ما أخذ من مالكه قهرا بغير حق والصحيح أنها تصح بمكان مغصوب مع الإثم لأن الصلاة لم ينه عنها بالمكان المغصوب بل نهي عن الغصب

قوله "و أسطحتها" أي لا تصح الصلاة في أسطحة هذه الأماكن فيكون هذا الموضع السادس والأسطحة هي مايلي :-

أولا : سطح المقبرة لا تصح الصلاة فيه خوفا أن تكون ذريعة لعبادة القبور

ثانيا : سطح الحِش لا تصح الصلاة فيه لأن الهواء تابع للقرار لكن هذا التعليل عليل فالهواء تابع للقرار في الملك لا في الحكم والصحيح صحتها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه

ثالثا : سطح الحمام لا تصح الصلاة عليه وعللوا ذلك أن الهواء تابع للقرار والصحيح صحتها لأن الحمام إن كانت العلة فيه أنه مأوى الشياطين فإن الشياطين لا تأوي إلا للمكان الذي تكشف فيه العورات وإن كانت العلة فيه خوف النجاسة فالسطح بعيد عن هذه العلة

رابعا : سطح أعطان الإبل لا تصح الصلاة عليه وعللوا ذلك بنفس التعليل للثاني والثالث وهو أن الهواء تابع للقرار والصحيح صحة الصلاة في سطح أعطان الإبل فإن الإبل لا تبرك فوق السطح إنما تبرك في أسفله

خامسا : سطح مغصوب لا تصح الصلاة عليه والصحيح صحتها

قوله"وتصح إليها" أي تصح الصلاة إلى هذه الأماكن إذا كانت في قبلتك لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه

قوله "ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها" والدليل على عدم صحة الفريضة في الكعبة قوله تعالى "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ..." البقرة(149) والمصلي في الكعبة لا يكون مستقبلاً البيت كله لأن بعض البيت يكون خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا تصح

قوله "ولا فوقها" أي لا تصح الفريضة على سطح الكعبة لعدم استقباله جميع البيت وعلم من كلام المصنف صحة صلاة النفل في الكعبة وفوقها لما ثبت في الصحيحن وغيرهما من أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة ركعتين نافلة

قوله "وتصح النافلة باستقبال شاخص منها" يعني تصح النافلة في الكعبة باستقبال شاخص منها أي لابد أن يكون بين يديه شيء شاخص حتى في النافلة والشاخص الشيء القائم المتصل بالكعبة المبني فيها ويؤيد هذا القول شيخ الإسلام ابن تيميه قال لا بد أن يكون هناك شاخص يصلى إليه

الشرط الثامن من شروط الصلاة استقبال القبلة

قوله "ومنها استقبال القبلة" أي الكعبة وسميت قبلة لأن الناس يستقبلونها بوجوههم لقوله تعالى "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ..." البقرة(150)، أما السنة قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر" راوه البخاري ومسلم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ولكن الكعبة بينه وبين بيت المقدس بين الركن اليماني والحجر الأسود لتكون الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، ولما هاجر إلى المدينة بقي بأمر الله يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً وبعض السابع عشر ثم بعد ذلك أمر بالتوجه إلى الكعبة رواه البخاري ومسلم

قوله "فلا تصح بدونه إلا لعاجز" أي لا تصح الصلاة بدون استقبال القبلة إلا لعاجز عن استقبالها مثل أن يكون مريضاً لا يستطيع الحركة أو ليس عنده أحد يوجهه للقبلة

قوله "ومتنفل راكب سائر في سفر" أي المصلي نافلة إذا كان راكبا سائرا في سفر فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة

قوله "ويلزمه افتتاح الصلاة إليها" أي يلزم الراكب افتتاح الصلاة وهو مستقبلا القبلة ثم بعد ذلك يكون حيث كان وجهه

قوله "وماش" يعني ولمتنفل يمشي على قدميه فيجوز للإنسان المسافر إذا كان يمشي على قدميه أن يكون اتجاهه حيث كان وجهه في صلاة النفل ويسقط عنه استقبال القبلة

قوله "ويلزمه الافتتاح والركوع والسجود إليها" يلزم الماشي الافتتاح إلى القبلة لأنه إذا لزم الراكب مع معاناة صرف المركوب فلزومه في حق الماشي من باب أولى لأن انصراف الماشي إلى القبلة أسهل من انصراف مركوبه لو كان راكبا وكذلك يلزمه الركوع والسجود أيضا أما الراكب فيومئ إيماء ولكن الصحيح أننا إن جوزنا للماشي التنفل فإنه لا يلزمه الركوع والسجود للقبلة لمشقة ذلك

قوله "وفرض من قرب من القبلة إصابة عينها ومن بعد جهتها" أي أنه إذا أمكنه المشاهدة حسا وجب عليه إصابة العين فمن كان في صحن المسجد فاستقبال عين الكعبة عليه فرض وهذا سهل ومن كان في السطح الأعلى أو الأوسط فهذا قد تكون إصابة عين الكعبة سهلة عليه وقد تكون صعبة فإذا كان أمامه أعمده تمنعه من مشاهدة الكعبة أو الصفوف متراصة فالتعذر هنا شرعي وظاهر كلامهم أنها لاتصح صلاته حتى يكون مصيبا للعين والصواب إذا أمكن وجب قوله "ومن بعد جهتها" أي من بعد عن الكعبة بحيث لا يمكنه المشاهدة فيجب عليه إصابة الجهة فما بين المشرق والمغرب بالنسبة للمدينة كله قبلة وجهة القبلة إن كان شمالا عن الكعبة ما بين الشرق والغرب والانحراف اليسيرعن الجهة لا يؤثر لا عن الكعبة

قوله "فإن أخبره ثقة بيقين" فلو أخبره ثقة بيقين رجل أو امراة أن هذه هي القبلة لزمه الأخذ بقوله والثقة تستلزم العدالة والخبرة وقوله "بيقين" أي بأن أخبره عن مشاهدة

قوله "أو وجد محاريب إسلامية" هذا هوالثاني مما يستدل به على القبلة لأنها لاتبنى إلا لجهة القبلة والمحاريب جمع محراب وهو طاق القبلة الذي يقف نحوه الإمام في الجماعة والنصوص الشرعية تدل على استحباب اتخاذ المحراب لما فيه من بيان القبلة للجاهل وغير ذلك

قوله "ويستدل عليها في السفر بالقطب" هذا هو الثالث مما يستدل به على استقبال القبلة القطب وهو نجم خفي جدا لا يراه إلا قوي البصر في غير ليالي القمر إذا كانت السماء صافية والقطب لا يتغير ولا يتحرك

قوله "والشمس والقمر" هذا هو الرابع مما يستدل به على القبلة لأن الشمس والقمر كلاهما يخرج من المشرق ويغرب من المغرب فإذا كنت عن الكعبة غربا فالقبلة شرقا وإذا كنت عن الكعبة شمالاً فالقبلة جنوباً وهكذا

قوله "ومنازلهما" أي منازل الشمس والقمر يعني منازل النجوم الصيفية والشتوية وهي ثمان وعشرون منزلة ينزلها القمر كل ليلة له منزلة منها وليلتان أو ليلة واحدة يكون مستترا لا يرى ولهذا تسمى ليلة الثامن والعشرين و التاسع والعشرين أو التاسع والعشرين و الثلاين ليالي الاستسرار أي أن القمر يستتر فيها ولا يرى والثمان والعشرون منزلة هذه تنزلها الشمس على مدى سنة كاملة أما القمر فيطوف بها خلال شهر والسنة اثنتي عشر مرة أما الشمس فتطوف بها في السنة مرة واحدة

قوله "وإن إجتهد مجتهدان فاختلفا جهة لم يتبع أحدهما الآخر" أي بذلا الجهد في معرفة القبلة والمجتهد في جهة القبلة هو الذي يعرف أدلتها قوله "فاختلفا جهة" أي قال أحدهما إن القبلة هنا ويشير إلى الغرب والثاني يقول القبلة هنا ويشير إلى الشرق فلا يجوز أن يتبع أحدهما الآخر لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ الآخر و إن اختلفا في الانحراف في جهة واحدة فلا بأس أن يتبع أحدهما الآخر لأن الانحراف في الجهة لا يضر ولا يخل بالصلاة قوله "لم يتبع أحدهما الآخر"والصحيح إذا اختلفا في الجهة فإنه يتبع أحدهما الآخر في الائتمام مع إختلافهما في جهة القبلة

قوله "ويتبع المقلد أوثقهما عنده" إذا اجتهد مجتهدان إلى القبلة فقال أحدهما القبلة هنا وأشار إلى ناحية وقال الثاني القبلة هنا وأشار إلى ناحيةٍ مخالفة وعندهما رجل ثالث فيتبع أوثقهما

قوله "من صلى بغير اجتهاد ولا تقليد قضي إن وجد من يقلده" يعني من صلى بغير اجتهاد إن كان يحسنه ولا تقليد إن كان لا يحسنه فإنه يقضي لأنه لم يأتِ بما يجب عليه وكان بذلك مفرطا فوجب عليه القضاء مثال ذلك رجل يحسن الاجتهاد ويعرف دلائل القبلة بالقطب أو الشمس أو القمر وصلى بغير اجتهاد فإنه يجب عليه القضاء والصواب من صلى باجتهاد فصلاته صحيحة سواء أخطأ أم أصاب وإذا صلى بغيراجتهاد ولا تقليد فإن أخطأ أعاد وإن أصاب لم يعد

قوله "ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة" العارف بأدلة القبلة هو المجتهد وسمي بذلك لأنه أهل للاجتهاد لمعرفته بأدلة القبلة فيجب عليه أن يجتهد لكل صلاة والصواب أنه لا يلزمه لكل صلاة مالم يكن هناك سبب مثل أن يطرأ عليه شك في الاجتهاد الأول فحينئذ يعيد النظر وسواء كان الشك بإثارة الغير أم بإثارة من نفسه

قوله "و يصلي بالثاني ولا يقضي ماصلى بالأول" يصلي المجتهد بالاجتهاد الثاني ولا يقضي ما صلى بالأول إذا تبين له خطؤه لأن الأول مبني على اجتهاد قد أتى الإنسان بما يجب عليه فيه ومن أتى بما يجب عليه لم يلزم بإعادة العبادة فإذا صلى الظهر إلى الشمال معتقدا بحسب اجتهاده أن هذه هي القبلة وفي العصر تبين له أن القبلة نحو الجنوب فلا يعيد الظهر لأنه صلاها باجتهاد والاجتهاد لا ينقض باجتهاد

الشرط التاسع من شروط الصلاة النية

قوله "و منها النية" أي ومن شروط الصلاة النية وهذا هو الشرط التاسع والأخير والنية بمعنى القصد وأما في الشرع فهي العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى

قوله "فيجب أن ينوي عين صلاة معينة" أي يجب على من أراد الصلاة أن ينوي عينها إذا كانت معينة مثل لو أراد أن يصلي العصر يجب أن ينوي صلاة العصر والراجح أنه لا يشترط التعيين وأن الوقت هو الذي يعين الصلاة

قوله "ولا يشترط في الفرض والأداء والقضاء والنفل والإعادة نيتهن" أي لا يشترط في الفرض نية الفرض والأداء والقضاء والنفل والإعادة نيتهن اكتفاء بالتعيين فمثلا إذا نوى أنها صلاة الظهر لا يشترط أن ينوي أنها فرض لأن نية الظهر تتضمن نية الفرض ولا يشترط في القضاء نية القضاء والقضاء هو الذي فعل بعد وقته المحدد له شرعا وهكذا

قوله "وينوي مع التحريمة" أي يجعل النية مقارنة لتكبيرة الإحرام

قوله "وله تقديمها عليها بزمن يسير في الوقت" أي له أن يقدم النية قبل التحريمة بزمن يسير وشرط آخر "في الوقت" فلو نوى الصلاة قبل دخول وقتها ولو بزمن يسير ثم دخل الوقت وصلى بلا تجديد نية فصلاته غير صحيحة لأن النية سبقت الوقت والصحيح صحتها ما لم ينو فسخها لأن نيته مستصحبة الحكم ما لم ينو الفسخ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه وهذا قد نوى أن يصلي ولم يطرأ على نيته ما يفسخها

قوله "فإن قطعها في أثناء الصلاة أو تردد بطلت" أي إذا قطع النية في أثناء الصلاة أو تردد بطلت صلاته مثاله رجل قام يتنفل ثم ذكر أن له شغلا فقطع النية فإن الصلاة تبطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" وهذا قد نوى القطع فانقطعت

وقوله "أو تردد" أي تردد في القطع مثاله سمع قارعا يقرع الباب فتردد أأقطع الصلاة أو أستمر يقول المصنف إن صلاته تبطل لأن استمرار العزم شرط عنده والصحيح أنها لا تبطل بالتردد لأن الأصل بقاء النية والتردد لا يبطلها

قوله "وإذا شك فيها استأنفها" أي إذا شك هل نوى أم لم ينو فإنه يستأنف الصلاة وذلك لأن الأصل العدم ما لم يكن كثير الشكوك فلا عبرة بشكه ويستمر في صلاته

قوله "وإن قلب منفردٌ فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز" مثال ذلك دخل رجل في صلاة العصر وهو منفرد وفي أثناء الصلاة قلب الفرض إلى نفل فهذا جائز بشرط أن يكون الوقت متسعا للصلاة

قوله "وإن انتقل بنية من فرض إلى فرض بطلا" مثال ذلك شرع يصلي العصر ثم ذكر أنه صلى الظهر على غير وضوء فنوى أنها الظهر فلا تصح صلاة العصر ولا صلاة الظهر لأن الفرض الذي انتقل منه قد أبطله والفرض الذي انتقل إليه لم ينوه من أوله

قوله "ويجب نية الإمامة والائتمام" أي يجب أن ينوي الإمام الإمامة وينوي المأموم الائتمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ مانوى" متفق عليه وعلى كلام المصنف أنه شرط لصحة الصلاة والصحيح أنه يصح أن يأتم الإنسان بشخص لم ينو الإمامة لأن المقصود هو المتابعة

قوله "وإن نوى المنفرد الائتمام لم تصح" يعني انتقل من انفراد إلى ائتمام لم تصح الصلاة والصحيح أنه يصح أن ينوي المنفرد الائتمام لأن الاختلاف هنا اختلاف في صفة من صفات النية فقد كان بالأول منفردا ثم صار مئتما

قوله "كنية إمامته فرضا" كما لا يصح أن ينتقل المنفرد إلى إمامة في صلاة الفرض مثال ذلك رجل ابتدأ الصلاة منفردا ثم حضر شخص أو أكثر فقالوا صل بنا فنوى أن يكون إماما لهم فقد انتقل من انفراد إلى إمامة فلا يصح لأنه انتقل من نية إلى نية والصحيح أنه يصح أن ينتقل من انفراد إلى إمامة في الفرض والنفل

قوله "وإن انفرد مؤتم بلا عذر بطلت" وهذا يعبر عنه بالانتقال من ائتمام إلى انفراد فإن كان هناك عذر جاز وإن لم يكن بعذر لم يجز مثال ذلك أن يطرأ على الإنسان قيء في أثناء الصلاة لا يستطيع أن يبقى حتى يكمل الإمام فيخفف في الصلاة وينصرف وإن انفرد بلا عذر فصريح كلام المصنف أنها تبطل وهو المذهب

قوله "و إن أحرم إمام الحي بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتما صح" إمام الحي هو الإمام الراتب وصورة ما ذكر المصنف أحرم شخص بقوم نائبا عن إمام الحي الذي تخلف ثم حضر إمام الحي فتقدم ليكمل بالناس صلاة الجماعة فنائبه يتأخر إن وجد مكانا في الصف وإلا بقي عن يمين الإمام فهنا ينتقل الإمام النائب من إمامة إلى ائتمام وهذا جائز ودليله ما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر أبو بكر أن يصلي بالناس "فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة فخرج إلى الناس فصلى بهم فجلس عن يسار أبي بكر و أبو بكر عن يمينه والنبي صلى الله عليه وسلم يكبر ولكن صوته خفي فكان يكبر و أبوبكر يكبر بتكبيره ليسمع الناس" رواه البخاري ومسلم فهنا انتقل أبوبكر من إمامة إلى ائتمام والمؤمومون انتقلوا من إمام إلى إمام آخر ولكنهم مازالوا مؤتمين

قوله "وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه فلا استخلاف" أي إذا حدث للإمام مايبطل صلاته بطلت صلاته و صلاة المأمومين و إن لم يوجد منهم مبطل ولا يستثنى من ذلك شيء إلا إذا صلى الإمام محدثا ونسي أو جهل ولم يعلم بالحدث أو لم يذكر الحدث إلا بعد السلام فإنه في هذه الحال يلزمه إعادة الصلاة لا المأموم وعلى هذا فيقول المصنف "فلا استخلاف" أي فلا يستخلف الإمام من يتم بهم الصلاة إذا بطلت صلاته مثال ذلك إمام في أثناء الصلاة أحدث ببول أو ريح أو غير ذلك من الأحداث فإن صلاته تبطل وتبطل صلاة المأمومين فيلزمهم إعادة الصلاة فإن أحس بالحدث واستخلف قبل أن تبطل صلاته فهذا جائز وصلاتهم صحيحة والصحيح في المذهب الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم أنه يستخلف و أن صلاة المأموم لا تبطل بصلاته بل إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاته فقط وبقيت صلاة المأموم صحيحة ووجه ذلك أن الأصل صحة صلاة المأموم ولا يمكن أن نبطلها إلا بدليل صحيح وبناء على هذا القول فإنه إذا سبق الإمام الحدث أو ذكر أنه ليس على وضوء فإنه يقدم أحد المأمومين ليتم بهم الصلاة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/3/23 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر