الدرس الخامس والثلاثون : السنن الرواتب

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 4 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 3839 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "ثم السنن الراتبة" أي الدائمة المستمرة وهي تابعة للفرائض

قوله "ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر وهما آكدها" فالسنن الرواتب اثنتا عشرة ركعة إستناداً إلى ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم "لا يدع أربعاً قبل الظهر" وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت قال ﷺ "مَن صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَومٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ له بِهِنَّ بَيْتٌ في الجَنَّةِ" أخرجه مسلم فالرواتب اثنتا عشرة ركعة ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء

وفائدة هذه الرواتب أنها ترقع الخلل الذي يحصل في هذه الصلوات المفروضة

قوله "وركعتان قبل الفجر وهما آكدها" ودليل آكديتها قول النبي صلى الله عليه وسلم "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها هاتان الركعتان خير من الدنيا وما فيها من ذهب وفضة ومتاع وقصور ومراكب وغير ذلك لأن هاتين الركعتين باقيتان والدنيا زائلة ودليل آخر على آكديتها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدعها في حضر ولا سفر وتختص هاتان الركعتان أعني ركعتى الفجر بأمور

أولاً : أنه يسن تخفيفها لأن عائشة رضي الله عنها قالت "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حتَّى إنِّي لَأَقُولُ: هلْ قَرَأَ بأُمِّ الكِتَابِ" أخرجه البخاري

ثانياً : أن يقرأ في الركعة الأولى بـ "قل يا أيها الكافرون" وفي الثانية بــ "قل هو الله أحد" أخرجه مسلم

قوله "ومن فاته شيء منها سن له قضاؤها" بشرط أن يكون الفوات لعذر ودليل ذلك أن عبد الرحمن بن عوف "سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِما بَعْدَ العَصْرِ، فَقالَتْ: كانَ يُصَلِّيهِما قَبْلَ العَصْرِ، ثُمَّ إنَّه شُغِلَ عنْهمَا، أَوْ نَسِيَهُما فَصَلَّاهُما بَعْدَ العَصْرِ" أخرجه مسلم

قوله "وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار" لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" أخرجه مسلم والليل يدخل من غروب الشمس فالصلاة مثلاً بين المغرب والعشاء أفضل من الصلاة بين الظهر والعصر لأنها صلاة ليل فهي أفضل والمطلق يسن الإكثار منه كل وقت لحديث ربيعة بن كعب الأسلمي "كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ ﷺ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي سَلْ فَقُلتُ أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ قالَ أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ هو ذَاكَ قالَ فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ" أخرجه مسلم

قوله "وأفضلها ثلث الليل بعد نصفه" أي أنك تقسم الليل أنصافاً ثم تقوم الثلث من النصف الثاني وفي آخر الليل تنام ودليل ذك قول النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" أخرجه البخاري ومسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت "ما أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِندِي إلَّا نَائِمًا" أخرجه البخاري ومسلم أي أن النبي صلى الله عليه سلم كان ينام في السحر آخر الليل

ومن غروب الشمس إلى طلوع الفجر نقسم على اثنين فيكون نصف الليل

قوله "وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى" وصلاة الليل وصلاة النهار كلتاهما مثنى مثنى يسلم من كل اثنتين

و لو قام الإنسان في صلاة الليل إلى ثالثة فصلاته تبطل إذا تعمد فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها ولهذا قال الإمام أحمد "إذا قام إلى الثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر" ومن المعلوم أن صلاته تبطل إن كان متعمداً وإن كان ناسياً وجب عليه الرجوع متى ذكر ويسجد للسهو قبل السلام

قوله "وإن تطوع في النهار بأربع كالظهر فلا بأس" والصحيح أنه لا بد أن يفصل بينهن بتسليم لأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى

قوله "وأجر صلاة قاعد على نصف أجر صلاة قائم" وذلك في النفل لا في الفرض إذا كان بدون عذر أما لعذر فالأجر كامل وأما الفريضة فصلاة القاعد القادر على القيام ليس فيها أجر لأنها صلاة باطلة لأن من أركان الصلاة في الفريضة القيام مع القدرة فصلاة النافلة للقاعد على النصف من صلاة القائم في الأجر إذا لم يكن بعذر أما إذا كان قاعداً لعذر و كان من عادته أن يصلي قائماً فإن له الأجر كاملاً لقول النبي ﷺ "إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا" أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهذه من نعم الله التي تستوجب على العاقل أن يكثر من النوافل ما دام في حال الصحة لأن جميع النوافل التي يعملها في صحته إذا مرض وعجز عنها كتبت له كاملة كأنه يفعلها أما إذا كان لغير عذر فهو على النصف من أجر صلاة القائم

قوله "وتسن صلاة الضحى" حيث أنها سنة مطلقة دائماً فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ" أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري والسلامى هي العظام المنفصل بعضها عن بعض وهي ثلاثمائة وستون مفصلاً في الجسم فيكون على كل واحد من الناس كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة ولكن هذه الصدقة ليست صدقة مال بل كل ما يقرب إلى الله لقول النبي ﷺ "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ" أخرجه البخاري عن أبي هريرة وفي رواية لمسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ "يُصْبِحُ علَى كُلِّ سُلَامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذلكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحَى ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" وبنا على هذا الحديث يسن أن يصليهما دائماً لأن أكثر الناس لا يستطيعون أن يأتوا بهذه الصدقات التي تبلغ ثلاثمائة وستون صدقة

قوله "وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان" والصحيح أنه لا حد لأكثرها لأن عائشة رضي الله عنها قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله" أخرجه مسلم

قوله "ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال" ووقت النهي من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح أي خمس عشرة دقيقة ثم يدخل وقت صلاة الضحى إلى قبل الزوال بعشر دقائق لأن ما قبيل الزوال وقت نهي ينهى عن الصلاة فيه لأنه الوقت الذي تسجر فيه جهنم فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه قال عقبة بن عامر رضي الله عنه "ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تخرج الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيق الشمس للغروب حتى تغرب" أخرجه مسلم وقائم الظهيرة يكون قبيل الزوال بنحو عشر دقائق فإذا كان قبيل الزوال بعشر دقائق دخل وقت النهي وفعلها في آخر الوقت أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" رواه مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ومعنى ترمض الفصال أي تقوم من شدة حر الرمضاء

أسأل الله أن يفقهنا في أمور ديننا وأن يعلمنا ما جهلنا ويذكرنا ما نسينا

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/4 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء في وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 119 الجزء الثالث ‌‌القول بإباحة تحديد النسل مخالف للشريعة والفطرة ومصالح الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر