الدرس الثاني والخمسون: شروط صحة صلاة الجمعة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 24 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 3657 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

قوله:" فصل: يشترط لصحتها شروط ليس منها إذن الإمام: أحدها: الوقت وأوله أول وقت صلاة العيد وآخره أخر وقت صلاة الظهر، فإن خرج وقتها قبل التحريمة صلوا ظهرا وإلا جمعة ".

قوله :"ليسَ مِنْهَا إذنُ الإمَامِ" المرادُ بالإمام: هو أعلى سلطة في البلد سواء كان مَلِكًا أو أميرًا أو شيخًا أو رئيسًا أو سلطانًا وما أشبَهَ ذلكَ، ويرى المصنِّفُ أنه ليس من شرط صحة الجمعة إذنُ الإمام بل لو صلى الناس دون إذنه فصلاتُهم صحيحة، وأنه إذا تمت الشروط وجب إقامتها سواء أذن أو لم يأذن، ونقول: أمَّا تعددُ الجمعة فيشترط له إذنُ الإمامِ؛ لئلا يتلاعبَ النَّاسُ في تعدُّدِ الجُمَعِ.

قوله :"يُشترٌَطُ لصحتها شروط " وهي كالتالي:

"أحدها: الوقت"، فلا تصح الصلاة إلا في وقتها فلو خرج الوقت ولم يصل ولو لعذر كالنسيان والنوم فإنه لا يصلي الجمعة بل يصلي ظهراً والدليل على اشتراط الوقت الإجماعُ على أنَّ الجُمُعَةَ لا تصحُ إلَّا في الوقتِ، فلا تصحُ قبلَهُ ولا بعدَهُ.

قوله :"وأولُه أوّلُ وقتِ صلاةِ العيدِ"والصحيح أن أول وقتها في السادسة قبل الزوال بساعة؛ استنادًا إلى حديث أبي هريرةَ الذي أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري: " مَنِ اغْتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ كَبْشًا أقْرَنَ، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، ومَن رَاحَ في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْر " ، فيكون حضور الإمام على مقتضى حديث أبي هريرة في الساعة السادسة؛ ولهذا رجَّحَ ابنُ قدامةَ ،رحمه الله، في المغني أنها لا تصح قبل السادسة ولا في أول النهار كما ذهب إليه كثير من الأصحاب ومنهم الخرقي وهذا القول هو الراجح وفقاً لأكثر أقوال العلماء وهو المطابق للسنة.

ولما رواه أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلي الجمعةَ حينَ تميلُ الشمسُ. رواه البخاري

ولما رواه سلمه بن الأكوع رضي الله عنه قال:" كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس" رواه مسلم

قوله :"وآخرُهُ آخِرُ وَقْتِ صَلاةِ الظُّهرِ، "، وآخر وقت الجمعة آخر وقت صلاة الظهر وذلك إذا كان ظل الشيء طوله بعد فيء الزوال.

قوله:"فإنْ خرجَ وقتُها قبلَ التحريمةِ صلوا ظهرًا وإلَّا جُمُعَةً"، أي إن خرج وقت الجمعة قبل أن يدركوا تكبيرة الإحرام في الوقت فإنهم يصلون ظهرا.

قوله:" الثاني: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أهْلِ وجوبِها ".

والصحيح أن يكونوا ثلاثة: خطيبٌ ومستمعان؛ لأن الثلاثة أقل الجمع، ولما روى النسائي وغيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ فعليْكم بالجماعةِ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ " صحيح النسائي للألباني.

والصلاة عامة تشمل الجمعة وغيرها، وهذا يدل على وجوب صلاة الجمعة على الثلاثة وهذا مذهب أبي حنيفة ،واختيار شيخ الإٍسلام ابن تيمية.

قوله:" الثالثُ: بِقَرِيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ"، من شروط صحة صلاة الجمعة أن يكونوا بقرية مستوطنين، فإن كانوا في خيام كالبادية فإنه لا جمعة عليهم، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر البدو الذين حول المدينة بإقامة جمعة لأنهم ليسوا مستوطنين فربما يكونون هذا العام في هذا المكان وفي العام الآخر أو الثالث في مكان آخر لأنهم يتبعون الربيع والعشب.

والقرية في اللغة العربية تشمل المدينة والمصر لأنها مأخوذة من الاجتماع وانظر إلى مكة أم القرى سماها الله قرية قال تعالى:" وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ " (محمد 13)

قوله: "وتصحُّ فيما قاربَ البنيانَ من الصحراءِ" أي أن أهل القرية لو أقاموا الجمعة خارج البلد في مكان قريب فإنها تصح. فلا يشترط أن تكون في نفس البلد بشرط أن يكون الموضع قريباً مثل مصلى العيد يكون في الصحراء من البلد لأنهم في الحقيقة لم يخرجوا من القرية.

قوله:"فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرا".مثال ذلك: دخلوا في الجمعة على أنهم أربعون، ثم أحدث احدهم وخرج فيستأنفون ظهرا ؛ لأنه يشترط أن يكون العدد المطلوب من أول الصلاة إلى آخرها أربعين، وهذا على قول المؤلف، والصحيح انعقاد الجمعة بثلاثة .

قوله:"ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة " ، لأن الركعة تدرك بالركوع فعن أبي هُرَيرةَ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَن أَدْرَك ركعةً من الصَّلاة، فقد أدركَ الصَّلاة ) رواه البخاري ومسلم ، والصلاة عامٌّ يَشمَلُ كلَّ الصلواتِ، ومنها الجُمُعة.

قوله:"وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرا"، أي بأن جاء بعد رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية ، فهنا لم يدرك ركعة ، فيتمها ظهرا.

قوله :"إذا كان نوى الظهر" أي يشترط لإتمامها ظهرا أن ينوي الظهر.

قوله :"ويشترط تقدم خُطبتين"، وهذا هو الشرط الرابع من شروط صحة صلاة الجمعة: تقدم خُطْبَتينِ، فإن لم يتقدمها خُطبتان لم تصح أو تقدمها خطبة واحدة فلا تصح ولو تأخرت الخُطْبَتَان بعد الصلاة فلا تصح، والدليلُ على اشتراط الخُطْبَتين ما يلي:

أولاً: قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ "(الجمعة 9) ، فأمر بالسعي إلى ذكر الله من حين النداء وبالتواتر القطعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة خطب، إذن فالسعي إلى الخطبة واجبٌ، وما كان السعي إليه واجباً فهو واجبٌ؛ لأن السعي وسيلةٌ إلى إدراكه وتحصيله، فإذا وجبت الوسيلة وجبت الغاية.

فإذا تعذر السعي إلى المسجد فلا تجب صلاة الجمعة كالسجناء في عنابرهم الذين يتعذر عليهم السعي إلى المسجد في السجن فلا تجب عليهم صلاة الجمعة ويصلون ظهرا ذهب إلى ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز ، رحمه الله، والدليل على ذلك قول الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ " (الجمعة 9) ، وهؤلاء يتعذر عليهم السعي.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الكلام والإمام يخطب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَومَ الجُمُعَةِ: أنْصِتْ، والإِمَامُ يَخْطُبُ، فقَدْ لَغَوْتَ. " أخرجه البخاري . وهذا يدل على وجوب الاستماع إليها ووجوب الاستماع إليها يدل على وجوبها.

ثالثاً: مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها مواظبة غير منقطعة وهذا الدوام المستمر صيفاً وشتاءاً شدة ورخاء يدل على وجوبها.

رابعاً: أنه لو لم تجب لها خطبتان لكانت كغيرها من الصلوات ولا يستفيد الناس من التجمع لها ومن أهم أغراض التجمع لهذه الصلاة الموعظة وتذكير الناس.

ولا يشترط أن يتولى الخطبتين مَنْ يتولى الصلاة فلو خطب رجل وصلى آخر فهما صحيحتان والصلاة صحيحة.

ولو خطب الخطبة الأولى رجل والخطبة الثانية رجل آخر صح، وإن كان الخطيب يخطب في عرب فلا بد أن تكون بالعربية وإن كان يخطب في غير العرب فإنه يخطب بلغة القوم الذين يخطب فيهم لقوله تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ " (إبراهيم 4)

قوله:"من شرطِ صحتِها: حمدُ الله والصلاةُ على رسولِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم".

ومن شرط صحتهما (حمدُ الله) أي يقول: الحمد لله؛ ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه :"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب حمد الله وأثنى عليه".

قوله:"والصلاة على رسوله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"وتكون بلفظ الطلب، مثل: اللهم صل على محمد، ولكن ليس هناك دليل صحيح يدل على اشتراط الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة.

قوله (وقراءة آية)، لحديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه، حيث قال: «كَانَتْ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بيْنَهُما يَقْرَأُ القُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ.»» رواه مسلم، ويشترط في الآية أن تستقلَّ بمعنى، مثل قوله تعالى "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ "(الكوثر 2) ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا تشترط لصحة الخطبة قراءة شيء من القرآن متى تضمنت الموعظة في إصلاح القلوب ، وبيان الأحكام الشرعية. وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث فهو فعل مجرد، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب .

قوله:"والوصية بتقوى الله عز وجل" لأن هذا هو المقصود من الخطبة ، من ترقيق القلوب وتحصيل تقوى الله.

قوله:"وحضور العدد المشترط "، أي يشترط حضور أربعين من أهل وجوبها، والصحيح أن تقدير العدد بأربعين ليس بصواب،وإنما يكفي ثلاثة.

قوله:" ولا يشترط لهما الطهارة ". أي لا يشترط للخطبتين الطهارة ولو خطب بمسجد لأنهما ذكر، وليستا بصلاة.

قوله:"ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة" أي لا يشترط فيمن يخطب في الناس أن يؤمَّهم في الصلاة، بل يستحب ذلك؛ لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة أشبها الصلاتين.

قوله:"ومن سننهما: أن يخطب على منبر أو موضع عالٍ "

قوله (ومن سننهما) أي الخطبتين (أن يخطب على منبر) لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو بكسر الميم من المنبر، وهو الارتفاع واتخاذه سنة مجمع عليها، ويصعده على تؤدة إلى الدرجة التي تلي السطح، (أو) يخطب على (موضع عال) ؛لأنه أبلغ في وصول الصوت للناس، ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله :"كانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفًا علَى جُذُوعٍ مِن نَخْلٍ، فَكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا خَطَبَ يَقُومُ إلى جِذْعٍ منها، فَلَمَّا صُنِعَ له المِنْبَرُ وكانَ عليه، فَسَمِعْنَا لِذلكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حتَّى جَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. "

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/24 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر