ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الخامس والسبعون: كتاب الصيام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 17 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1982 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الصيام في اللغة مصدر صام ومعناه أمسك ومنه قوله تعالى: " فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً

وفي الشرع: التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس

حكمه : الوجوب بالنص والإجماع

ومرتبته في الدين الإسلامي أنه أحد أركانه

واعلم أن من حكمة الله عز وجل أن الله نوع العبادات في التكليف ليختبر كيف يكون امتثاله لهذه الأنواع فهل يمتثل ويقبل ما يوافق طبعه أو يمتثل ما به رضا الله عز وجل

فالصلاة مثلا عبادة بدينه محضة وما يجب لها مما يحتاج إلى المال كماء الوضوء الذي يشتريه الإنسان والثياب لستر العورة تابع وليس داخلاً في صلب العبادة والزكاة مالية محضه وما تحتاج إليه من عمل بدني كإحصاء المال وحسابه ونقل الزكاة إلى الفقير والمستحق فهو تابع وليس داخلاً في صلب العبادة

والحج مركب من مال وبدن إلا في أهل مكة فقد لا يحتاجون إلى المال هذا شيء نادر أو قليل بالنسبة لغير أهل مكة والجهاد في سبيل الله مركب من مال وبدن ربما يستحق المال وربما يستحق البدن

والتكليف أيضاً ينقسم إلى كف عن المحبوبات وإلى بذل للمحبوبات وهذا نوع من التكليف أيضاً كف عن المحبوبات مثل الصوم وبذل للمحبوبات كالزكاة لأن المال محبوب إلى النفس فلا يبذل المال المحبوب إلى النفس إلا لشيء أحب منه

ويجب الصوم بأحد أمرين الأول رؤية هلاله لقوله تعالى: فمن شهد منك الشهر فليصمه

وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتموه فصوموا" رواه البخاري

ولا يجب الصوم بمقتضى الحساب

الثاني: إتمام شعبان ثلاثين يوماً لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن يزيد عن ثلاثين يوماً ولا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً

وإذا ثبت دخول الشهر عند ولي الأمر لزم جميع من تحت ولايته أن يلتزموا بصوم أو فطر وهذا من الناحية الإجتماعية قول قوي

وعليه عمل الناس اليوم

والشرط الأول في وجوب الصيام الإٍسلام والإٍسلام ضده الكفر والكافر لا يلزمه الصوم ولا يصح منه لقوله تعالى: وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله

الشرط الثاني: أن يكون مكلف وإذا رأيت كلمة مكلف في كلام الفقهاء فالمراد بها البالغ العاقل لأنه لا تكليف مع الصغر ولا تكليف مع الجنون

والبلوغ يحدث بواحد من ثلاثة بالنسبة للذكر إتمام الخامسة عشر أو إنبات شعر العانة أو إنزال المني بشهوة

وللأنثى بأربعة أشياء هذه الثلاثة السابقة مع الحيض فإذا حاضت فقد بلغت حتى ولو كانت في سن العاشرة

والعاقل ضده المجنون أي فاقد العقل من مجنون ومعتوه وكذا المهذري أي المخرف لا يجب عليه صوم ولا إطعام لفقد الأهلية وهي العقل

الشرط الثالث: لوجوب الصيام القدرة على الصيام والعاجز ليس عليه صوم لقوله تعالى: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر

والعجز ينقسم إلى قسمين قسم طارئ وقسم دائم فالقسم الطارئ وهو المذكور في الآية المرض والسفر والدائم هو المذكور في قوله تعالى: وعلى الذين يطبقونه فدية طعام مسكين

حيث فسرها ابن عباس رضي الله عنهما بالشيخ والشيخة إذا كانا لا يطيقان الصوم فيطعمان على كل يوم مسكينا

فعن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين

قال ابن عباس ليست منسوخة وهو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينا. أخرجه البخاري

غور ابن عباس رضي الله عنهما يدل على عمق فقهه لأن وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى جعل الفدية عديلاً للصوم لمن قدر فإذا لم يقدر بقي عديله وهو الفدية

فصار العاجز عجزاً لا يرجى زواله الواجب عليه الإطعام عن كل يوم مسكينا

والإطعام له كيفيتان

الأولى: أن يصنع طعاماً فيدعو إليه المساكين بحسب الأيام التي عليه كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه لما كبر

الكيفية الثانية أن يطعمهم طعاماً غير مطبوخ

يطعم عن كل يوم كيلو ونصف

لكن يستحب في هذا الحال أن يجعل مع ما يقدمه لحم أو نحوه حتى يتم قوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين

ووقته بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه وإن شاء أخر إلى آخر يوم لفعل أنس رضي الله عنه

الشرط الرابع من شروط وجوب الصيام أن يكون مقيماً فإن كان مسافراً فلا يجب عليه الصوم لقوله تعالى: ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر

وقد أجمع العلماء أنه يجوز للمسافر الفطر وإن صام صح صومه فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم: صام في سفره في رمضان وثبت أن الصحابة كانوا يصومون في سفرهم في رمضان فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ولفظه كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. متفق عليه

وعليه فإن المسافر لا يلزمه الصوم لكن يلزمه القضاء كالمريض

والأفضل للمريض أو للمسافر أن يفعل الأيسر فإن كان في الصوم ضرر كان الصوم حراماً لقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً

وعليه فنقول إذا كان الصوم يضر المريض كان الصوم حرام عليه

ومقياس الضرر يكون بالحس وقد يعلم بالخبر أما بالحس بأن يشعر المريض بنفسه أن الصوم يضره ويثير عليه الأوجاع ويوجب تأخر البرئ وما أشبه ذلك

وأما الخبر فإن يخبره طبيب عالم ثقة بذلك أي أنه يضره فإن أخبره عامي ليس بطبيب فلا يؤخذ برأيه وإن أخبره طبيب غير عالم ولكنه متطبب فلا يؤخذ برأيه ولا يشترط أن يكون الطبيب مسلماً لكي نثق فيه لأننا متى وثقنا في قوله عملنا بقوله في إسقاط الصيام لأن هذه الأشياء صنعته وقد يحافظ الكافر على صنعته فلا يقول إلا ما كان حقاً في اعتقاده

والنبي صلى الله عليه وسلم وثق في كافر في أعظم الحالات خطرا وذلك حين هاجر من مكة إلى المدينة استأجر رجلاً مشركاً ليدله على الطريق. أخرجه البخاري

وهذه المسألة خطيرة لأن قريشاً كانت تبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلت مائة ناقة لمن يدل عليه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان واثقاً منه فدل على أن المشرك إذا وثقنا منه فإننا نأخذ بقوله

مسألة: هل الأولى أن يصوم المسافر أم لا يصوم ؟

الجواب : فيه تفصيل إذا كان الفطر والصيام سواء فالصيام أولى وإذا كان يشق عليه الصيام في السفر فالفطر أولى

قال في نيل الأوطار 4/225 وذهب الجمهور منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه أ.هــ

والدليل على هذا هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السفر ولم يفطر إلا حين قيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وينتظرون ما ستفعل فإنه في غزوة الفتح صام حتى بلغ كراع الغميم مع علمهم أن الصائم مخير لكنهم يريدون التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم بقدح من الماء بعد العصر ورفعه على فخذه حتى رآه الناس فشرب والناس ينظرون إليه ليقتدوا به فجئ إليه وقيل إن بعض الناس قد صام فقال صلى الله عليه وسلم أولئك العصاة أولئك العصاة. أخرجه مسلم لأنهم صاموا مع المشقة

ولذا نقول مع المشقة فالفطر أولى وإن كانت المشقة شديدة وصام فحرام

الشرط الخامس من شروط وجوب الصوم الخلو من الموانع وهذا خاص بالنساء فالحائض لا يلزمها الصوم وكذا النفساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم

فلا يلزمها ولا يصح منها إجماعاً ويلزمها قضاؤه إجماعاً

إذا هذه شروط وجوب الصوم

الأول الإسلام ، الثاني أن يكون مكلفاً ، الثالث القدرة ، الرابع أن يكون مقيماً ، الخامس الخلو من الموانع

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -16

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر