الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
قول المصنف "باب لا يرد من سأل بالله"
ذكر المؤلف هذا الباب لما فيه من تعظيم الله، وإجلاله ، وهو من كمال التوحيد.
قوله : عن ابن عمرقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل باللهِ فأعطُوه، ومن استعاذ باللهِ فأَعِيذُوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونَه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه" رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح.
الحديث جاء في صحيح أبي داود للألباني عن عبد الله بن عمر بهذا اللفظ"منِ استعاذَكم باللهِ فأعيذوه، ومن سألكمْ باللهِ فأعطوهُ ومن دعاكمْ فأجيبوهُ ومن أتى إليكم معروفًا فكافِئوه فإن لم تجدوا فادعوا لهُ حتى تعلموا أن قد كافأتموهُ"
قوله صلى الله عليه وسلم "منِ استعاذَكم باللهِ فأعيذوه،" استعاذ : طلب العوذ وهو اللجوء،ولهذا لما استعاذت أميمة بنت النعمان بن شراحيل من الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال لها : قد عذتي بمعاذ أي عظيم ، الحقي بأهلك . فقد روى البخاري عَنْ مالك بن ربيعة أبي أسيد الساعدي قَال: " خَرَجْنَا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى انْطَلَقْنَا إلى حَائِطٍ يُقَالُ: له الشَّوْطُ، حتَّى انْتَهَيْنَا إلى حَائِطَيْنِ، فَجَلَسْنَا بيْنَهُمَا، فَقَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اجْلِسُوا هَاهُنَا. ودَخَلَ، وقدْ أُتِيَ بالجَوْنِيَّةِ، فَأُنْزِلَتْ في بَيْتٍ في نَخْلٍ في بَيْتِ أُمَيْمَةَ بنْتِ النُّعْمَانِ بنِ شَرَاحِيلَ، ومعهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: هَبِي نَفْسَكِ لي، قَالَتْ: وهلْ تَهَبُ المَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟! قَالَ: فأهْوَى بيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: قدْ عُذْتِ بمَعاذٍ. ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: يا أبَا أُسَيْدٍ، اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ، وأَلْحِقْهَا بأَهْلِهَا."
والمعنى : قَد جِيءَ بامرأةٍ جَوْنِيَّةٍ -نسبةً إلى قبيلةٍ مِن قبائِلِ العَرَبِ- فَأُنزِلَتْ في بَيتٍ في نَخْلٍ في بَيْتِ أُمَيْمةَ بِنْتِ النُّعْمانِ بنِ شَراحيلَ -وهي المرأةُ الجَونيَّةُ المذكورةُ.
وروي أيضا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضى الله عنه قَالَ: (ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا، فَلَمَّا كَلَّمَهَا النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي، فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: لاَ، قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ لِيَخْطُبَكِ قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ،" رواه مسلم.
فمن استعاذكم بالله شرع لكم أن تعيذوه إذا لم يكن حقٌّ عليه، فإنِ اسْتعاذَ بالله في اسقاط حق عليه فلا يعاذ؛ لأن الله أمر بأداء الحقوق ، كما إذا قال : أعوذ بالله أن تلزمني بالصلاة أو الزكاة ونحو ذلك، فإن استعاذ من تولية القضاء مع وجود من يقوم مقامه أو الإمارة ونحو ذلك مما فيها خطر شرعت إعاذته.
قوله صلى الله عليه وسلم "ومن سألكمْ باللهِ فأعطوهُ" تعظيما لله وإجلالا له وهذا معناه الإقسام بالله لأن الباء باء القسم فإذا قال أسألك بالله أي أقسم عليك بالله فمن سأل حقا كالزكاة أو من بيت المال فكل مسلم له حق في بيت المال وجب أن يعطى وكذلك إذا سألك مضطر إلى شيء من طعام أو كسوة أو غير ذلك مضطرا وأنت عندك فضل زائد عن حاجتك فإنه يجب عليك أن تعطيه دفعا لضرورته وقد جاء في الحديث عن الثلاثة من بني إسرائيل وهم الأعمى والأقرع والأبرص أن الله غضب على اللذين سئلا في حال الضرورة ولم يعطيا أما غير ذلك فالأفضل أن يعطى ولا ينبغي أن يسأل بالله
قوله صلى الله عليه وسلم "ومن دعاكم فأجيبوه" لما في إجابة الدعوة من المصالح والتواصل والتآلف والتقارب ولهذا شرعت الإجابة وظاهر الحديث عام في كل دعوة ولكن العلماء يقولون إجابة الدعوة إنما هي خاصة بوليمة العرس أما ما عداها فيستحب حضورها أما وليمة العرس فيجب حضورها لقوله صلى الله عليه وسلم " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأغْنِيَاءُ ويُتْرَكُ الفُقَرَاءُ،" أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وفي الحديث "ومن لم يُجِبِ الدَّعوةَ فقد عصى اللهَ ورَسولَه" أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه فالواجب أن تجاب إلا أن يكون له ما يمنعه ، يعني يكون مريضا أو بعيدا أو يشق عليه الإتيان ونحوه وإن كان فيها مانع بأن يكون فيها منكرولا يستطيع إزالته كالملاهي والأغاني والخمر ولا تجب إجابة الدعوة إلا إذا خصه بها
قوله صلى الله عليه وسلم "ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه" هذا من مكارم الأخلاق وكمال الإيمان أن يكافئ عن المعروف والمعروف ضد المنكر والمراد به هنا الخير فيكافئه بما يستطيع إن كان مالا فبالمال وإن لم يكن فبالكلام الطيب وأيضا فيه قطع للمنة لأنك لولم تكافئه بقي له منة عليك لقول الله تعالى "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "(الرحمن60)
قوله "فإن لم تجدوا فادعوا له" أي ادعوا له بالخير والتيسير والتوفيق
قوله :"حتى تعلموا أن قد كافأتموه" حتى تعتقدوا فدل هذا على أن المحسن يكافأ على إحسانه إما بالقول وإما بالفعل
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434/6/6 هـ