ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الأول : كتاب الجهاد

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 1 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 3360 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الجهاد لإعلاء كلمة الله ، وحماية دين الإسلام ، والتمكين من إبلاغه ونشره ، وحفظ حرماته فريضة على من تمكَّن من ذلك وقدر عليه ، ولكنه لابد له من بعث الجيوش ، وتنظيمها خوفاً من الفوضى ، وحدوث ما لا تحمد عقباه ، ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين ، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك ، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين ، فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه ، مخلصاً وجهه لله ، راجياً نصرة الحق ، وحماية الإسلام ، ومن تخلَّف عن ذلك مع وجود الداعي ، وعدم العذر فهو آثم .

شرع الله تعالى الجهاد لنشر الإسلام ، وتذليل العقبات التي تعترض الدعاة في سبيل الدعوة إلى الحق ، والأخذ على يد من تحدثه نفسه بأذى الدعاة إليه ، والاعتداء عليهم ، حتى لا تكون فتنة ، ويسود الأمن ، ويعم السلام ، وتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الكفر هي السفلى ، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً ، قال الله تعالى " وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير " الأنفال 39 ، وقال تعالى " وَقَٰتِلُواْ ٱلمُشرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلمُتَّقِينَ " التوبة 36 ، وقال سبحانه " هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلهُدَىٰ وَدِينِ ٱلحَقِّ لِيُظهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلمُشرِكُونَ " التوبة 33 ، وبهذا يُعلم أن الجهاد شُرِعَ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وإدخالهم في دين الله أفواجاً ، حتى لا تكون فتنة ، وللدفاع أيضاً عن حوزة الإسلام .

الإسلام انتشر بالحُجَّة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب لأمره ، وانتشر بالقوة والسيف بالنسبة لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره ، فذهب عناده وأسلم لذلك الواقع .

سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي العمل أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ورسوله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور" متفق عليه .

الجهاد من أفضل الأعمال وكذلك بر الوالدين ، وإذا أراد الشخص أن يذهب إلى الجهاد الشرعي فإنه يستأذنهما فإن أذنا له وإلا فلا يذهب إلى الجهاد بل يلزمهما ، فإنَّ لزومهما أو لزوم أحدهما نوع من أنواع الجهاد ، والأصل في ذلك ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها ، قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ، قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، حدثني بهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو استزدته لزادني " متفق عليه ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال : أحيٌ والداك ؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد " رواه البخاري ، وفي رواية " أتى رجل فقال يا رسول الله : إني جئت أريد الجهاد معك ، ولقد أتيت وإن والدَيَّ يبكيان ، قال : فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما " ، وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلاً هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن ، فقال : هل لك أحد باليمن ؟ فقال : أبواي ، فقال : أذنا لك ؟ قال : لا ، قال : فارجع إليهما فاستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما " رواه أبو داود ، وعن معاوية بن جاهمة السلمي " أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك ، فقال : هل لك من أم ؟ قال : نعم ، فقال: الزمها فإن الجنة عند رجليها " رواه أحمد والنسائي .

وهذه الأدلة كلها وما جاء في معناها لمن لم يتعين عليه الجهاد ، فإذا تعين عليه فترْكُه معصية ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ومن الجهاد المتعين أن يحضر بين الصفين أو يستنفره الإمام .

الشهيد الحقيقي من يموت في معركة في سبيل الله ، أو يُصاب فيها ويموت بجرحه ، وقد يُسمَّى غيره شهيداً ، لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الشهداء خمسة : المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله " ، وقد ترجم البخاري للشهداء بقوله : باب الشهادة سبع سوى القتل ، وهذه الترجمة جاء ما فيها من العدد في حديث خرجه مالك من رواية جابر بن عتيك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت ، فذكر الحديث ، وفيه " ما تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا : من يقتل في سبيل الله " ، وفيه " الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله " فذكر زيادة على ما في حديث أبي هريرة السابق " الحريق وصاحب ذات الجنب والمرأة تموت بجمع " ، وروى أصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث سعيد بن زيد مرفوعاً " من قُتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد " ، وروى النسائي من حديث سويد بن مقرن مرفوعاً " من قُتل دون مظلمته فهو شهيد " ، وبالجملة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد الحصر ، قال ابن حجر في فتح الباري : وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة ، أما حديث المرأة التي كانت تصرع فلم يرد ما يدل على أن الحكم يخصها ، بل يُرجى أن يعمَّ أمثالها ممن أُصيب بالصرع فصبر واحتسب حتى مات على ذلك ، أما عدها من الشهداء فلا نعلم أنه ورد ما يدل على ذلك .

يحرم حلق اللحية ، ويجب إعفاؤها ، ولا تجوز تحية العلم ، ويجب الحكم بشريعة الإسلام ، والتحاكم إليها ، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم ، لما ورد من النهي عن التشبه بهم ، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم .

من يقاتل في الجيش التايلندي العصابات الشيوعية والقتل من الطرفين ، أمرهم إلى الله الذي يعلم نياتهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما " سُئِل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل " متفق على صحته ، وعلى ذلك يعتبر شهيداً من كان قتاله في سبيل الله لإعلاء كلمة الله .

ومن قُتِل في سبيل الله في معركة مع العدو ، وهو صابر محتسب فهو شهيد معركة ، لا يُغسَّل ولا يُكفَّن، بل يُدفن بملابسه ، وأما غير شهيد المعركة فهو كثير ، ويُسمَّى شهيداً كمن قُتل دون عرضه ، أو نفسه، أو ماله ، وكالمبطون ، والمطعون ، والغريق ونحوهم ، وهذا يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه .

إذا سقطت امرأة في بئر ليس ممتلئاً تماماً بالماء فهي من عداد الشهداء لأن الغريق من الشهداء ، لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله " أخرجه البخاري ومسلم

إذا قدَّر الله لك أن تكون جندياً في جيش يُقاتل اليهود أو غيرهم من الكفار فأخلص قلبك لله في قتالك إياهم ، واقصد بذلك نصرة الإسلام والمسلمين ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الكفر هي السفلى ، بهذا يكون قتالك في سبيل الله

وإذا ماتت المرأة وفي بطنها جنين ، أو ماتت أثناء الولادة ، أو بعد الولادة في مدة نفاسها ، فإنها تعتبر شهيدة بإذن الله ، لما رواه راشد بن حبيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت في مرضه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعلمون من الشهيد من أمتي ؟ فأرمَّ القوم ، فقال عبادة : ساندوني ، فأسندوه ، فقال : يا رسول الله الصابر المحتسب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شهداء أمتي إذاً لقليل ، القتل في سبيل الله عز وجل شهادة ، والطاعون شهادة ، والغرق شهادة ، والبطن شهادة ، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة " والسرر : ما تقطعه القابلة من المولود ، والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند بسند صحيح .

يقصد بالمرابطة في سبيل الله مرابطة الجنود وإقامتهم في نحر العدو لحفظ حدود وثغور البلاد المسلمة ، وصيانتها عن دخول الأعداء إلى داخل البلاد الإسلامية ، وقد وردت أحاديث كثيرة في بيان فضيلة المرابطة في سبيل الله ، ففي صحيح الإمام البخاري رحمه الله ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها " ، وفي صحيح الإمام مسلم رحمه الله عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه " ، وفي مسند الإمام أحمد ، وصحيح ابن حبان وسنن أبي داود والترمذي ، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله ، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ، ويأمن فتنة القبر " وقال الترمذي : حسن صحيح

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

29 - 8 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر