الدرس السابع : كتاب البيوع 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 6 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 2978 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

شرع الله سبحانه التعامل بين المسلمين بالعقود المباحة ، كعقد البيع والإجارة والسلم والشركة ونحوها من العقود المشروعة لما فيها من المصلحة للعباد ، وحرَّم الله بعض العقود لما فيها من المضار كعقد الربا ، والتأمين التجاري ، وبعض البيوع المحرمة ، كبيع آلات اللهو ، وبيع الخمور والحشيش والدخان ، لما فيها من المضار المتنوعة .

فعلى المسلم أن يسلك الطرق المباحة في المعيشة والكسب ، وأن يجتنب الأموال المحرمة ، والطرق الممنوعة ، وإذا علم الله من العبد صدق النية وعزمه على اتباع شرعه والاهتداء بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فسوف ييسر له أمره ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، قال الله تعالى " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " الطلاق 2 ، 3 ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه " ، بهذا تعلم أنه ليس لك أن تؤسس تجارة رأسمالها حرام ، ولا يجوز أن تتعاون مع أبيك أو غيره فيما هو محرم من بيع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الطاعة في المعروف " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .

إن اشترى المسجل لتسجيل قرآن أو محاضرات أو مقالات دينية طيبة وما أشبه ذلك ، فلا بأس بشرائه وسماع ذلك منه ، وإن اشتراه لتسجيل ما حرم الله من الأغاني المنكرة والمقالات الفاسدة ونحو ذلك فهو محرم ، وسماع ذلك منه حرام .

غالب ما ينشر في التلفزيون ملاهي وشر ، وكل ما يغلب شره خيره فحرام على المسلم اشتراؤه واقتناؤه والنظر والاستماع إليه ، وكذا الحال في مسجلات الأغاني .

ويجوز أن تبقي جهاز التلفزيون وجهاز الفيديو في بيتك إذا استطعت أن تضبط نفسك ، فتقصرها على سماع المحاضرات الدينية والعلمية النافعة ، وقراءة القرآن والنشرات التجارية ، والأخبار السياسية ، ونحو ذلك من الأمور المباحة ، وإن لم تستطع ذلك فلا تبعه ، لأن الغالب على من يشتري ذلك منك أن يستعمله في اللهو وسائر ما يستعمل فيه من المحرمات ، بل أتلف ما لديك من ذلك تخلصاً من الشر ، ولك الأجر ، لكن إن وجدت من يغلب على ظنك استعماله لهما في المباح فلا بأس ببيعهما عليه .

بيع أشرطة الغناء حرام لأن ما فيها من الغناء حرام وسماعه حرام ، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه " ، ولا يجوز بيع ما حرم أكله أو حرم استعماله ومن ذلك بيع الدخان ، ولا يجوز المتاجرة فيما حرَّم الله من الأطعمة وغيرها كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة ، لأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها .

إذا كانت نسبة الكحول بالعطور بلغت درجة الإسكار بشرب الكثير من تلك العطور فالشرب من تلك العطور محرم والاتجار فيها محرم وكذا سائر أنواع الانتفاع لأنها خمر سواء كثر أم قل ، وإن لم يبلغ المخلوط من العطور بالكحول درجة الإسكار بشرب الكثير منه جاز استعماله والاتجار فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أسكر كثيره فقليله حرام "

الاتجار في المصاحف جائز لما فيه من التعاون على الخير ، وتيسير الطريق للحصول على المصاحف ، وحفظ القرآن أو قراءته نظراً ، والبلاغ وإقامة الحجة .

لا تحل التجارة في الدخان والجراك وسائر المحرمات لأنه من الخبائث ، ولما فيه من الضرر البدني والروحي والمالي ، وإذا أراد الشخص أن يتصدق أو يحج أو ينفق في وجوه البر فينبغي له أن يتحرى الطيب من ماله ليتصدق به ، أو يحج به ، أو ينفقه في وجوه البر لعموم قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ " البقرة 267 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً " أخرجه مسلم ، وبيع الدخان والجراك والمجلات الخليعة حرام ، وكسبه حرام ، ولا يجوز التعاون مع من يبيع هذه الأشياء لقول الله سبحانه " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " المائدة 2 ، ولا يجوز أن تشتري لوالدك شيئاً استعماله محرم ، سواء كان دخاناً أم أفيوناً أم حشيشة أم خمراً أو غير ذلك ، ولو أمر بذلك ، لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ، وقوله : " إنما الطاعة في المعروف " ، وعليك أن تنصحه ، وتعتذر له بأسلوب حسن عن شرائه ، ويحرم بيع الشيشة وأدواتها التي تستعمل في شربها لما فيها من المضار والمفاسد العظيمة .

بيع الزهور عند أبواب المستشفيات وتقديم هذه الزهور بعد شرائها للمريض في المستشفى على غرار ما يفعله الكفار في بلادهم لمرضاهم ، بناء على ما ذكر أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بتحريم هذه العادة لما في ذلك من تبذير المال وإضاعته في غير حق ، والتشبه بأعداء الله في هذا العمل .

ولا يجوز شغل المعادن والأحجار بالآيات القرآنية ولفظ الجلالة لما في هذا العمل من صرف هذه الآيات عن المقصود العظيم منها ، وما يخشى من تعريضها وتعريض لفظ الجلالة للامتهان .

الأحاديث المحرمة لصور ذوات الأرواح عامة ، فتشمل كل صورة يطلق عليها أنها صورة لذي روح ، ومن ذلك صورة الرأس ، وعليه فلا يجوز شغل هذه المصوغات بها .
لا يجوز بيع خواتم الذهب المخصصة للرجال إذا كانوا يلبسونها ، وقول أصحاب المحلات إنهم لا يبيعونها على المسلمين لا يبرر عملهم ، فهم في ديار الإسلام ، وعلى مَنْ كان فيها ألا يتعامل إلا بما تجيزه الشريعة المطهرة ، وهذه الحجة نظير حجة من يبيع الخمرة ويقول : لا أبيعها إلا على الكفار لأن خاتم الذهب محرم على الرجال .

الميتة محرمة بقوله تعالى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ " المائدة 3 ، وإذا كانت محرمة فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ، وثمنها حرام ، ولا يجوز للإنسان أن يأكل منها إلا في حالة الاضطرار ، فإن الله لما ذكر المحرمات في سورة المائدة ، ومنها الميتة قال بعد ذلك " فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " المائدة 3 ، لكن يستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك ، فلا حرج في بيعها لأن الله أباح السمك والجراد الحي والميت لقول الله تعالى " أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ " المائدة 96 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، ولما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحل لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالجراد والحوت ، وأما الدمان فالكبد والطحال " .

ولا يجوز بيع الدم لما في صحيح البخاري ، من حديث أبي جحيفة قال " رأيت أبي اشترى حجاماً ، فأمر بمحاجمه فكسرت ، فسألته عن ذلك فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة ، ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصور " أخرجه البخاري .

إذا وقع الفأر في زيت الزيتون ونحوه ، فإن الفأر يُلقى وما حوله ، لما في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال : " ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم " .

وبيع صور ذوات الأرواح وشراؤها محرم لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " متفق عليه ، ولما قد يسببه ذلك من غلوٍ في أهلها ، كما قد وقع ذلك في قوم نوح ، فقد جاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله ، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : " وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا " نوح 23 ، قال : أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت " أخرجه البخاري ، ولغير ذلك من النصوص الكثيرة التي وردت في تحريم التصوير واستعمال صور ذوات الأرواح .

هذا بالنسبة لما هو على شكل صور ذي روح ، أما ما كان عليه صور شيء من ذوات الأرواح سواء كان عملة ذهبية أو فضية أو ورقية أو كان قماشاً أو آلة ، فإن كان تداوله بين الناس لتعليقه في الحيطان ونحوها مما لا يعتبر امتهاناً له فالتعامل فيه محرم لشموله بأدلة تحريم التصوير واستعمال صور ذوات الأرواح ، وإن كان ما عليه الصورة من ذلك يمتهن ، كآلة يقطع بها أو بساط يداس أو وسادة يرقد عليها ونحو ذلك فيجوز لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها " أنها نصبت ستراً وفيه تصاوير ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه ، قالت فقطعته وسادتين فكان يرتفق عليهما " ، وفي لفظ أحمد " قطعته مرفقتين ، فلقد رأيته متكئاً على إحداهما وفيها صورة " أخرجه البخاري ومسلم .

مع العلم بأن تصوير ذوات الأرواح محرم ، لا يجوز فعله لا في العمل ولا في الملابس ولا غير ذلك لما تقدم من الأدلة في ذلك .

لا يجوز بيع الفيز لأن منحها من اختصاص وزارة الداخلية ، ولا يجوز شراء المجلات التي فيها صور نساء لأخذ أنواع الموديلات لما فيها من الفتنة وترويج مثل هذه المجلات الضارة .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

4 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر