الدرس التاسع: كتاب البيوع 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 7 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 3047 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز للمشتري أن يلح على البائع لبيع سلعته عليه وإجباره على البيع بحجة أنها بلغت قيمتها ، أو أنها قديمة لأن من شروط البيع التراضي بين المتبايعين ، وأن يكون البيع عن طيب نفس كل منهما ، دون إلحاح أو إكراه لقول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " النساء 29 ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنما البيع عن تراضٍ " رواه ابن ماجه وابن حبان ، فإذا أُكره البائع على البيع فله الخيار إن أراد أن يمضي البيع ، أو يرجع عن بيع سلعته .

وإبداء عيوب السلعة من جهة أحد المشترين أمام المشترين لها لئلا يرتفع سعرها فيأخذها بسعر أقل محرم شرعاً لما فيه من الإضرار بأخيه المسلم ، سواء كانت تلك العيوب فيها أو لا ، وعلى البائع أن يبين ما فيها من العيوب التي يجهلها المشتري براءة للذمة ، وحذراً من الغش .

وإذا كنت سمت الأرض لشرائها أو استئجارها ، وعلم ذلك الشخص بسومك وركون المالك إليك ، لم يجز له شراؤها أو استئجارها لأنه متضمن لسوم الرجل على سوم أخيه ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يعلم ذلك الرجل بسومك الأرض أو سامها قبل ميل مالكها إلى بيعها عليك أو إيجارها لك ، أو بعد أن انصرف مالك الأرض عن بيعها أو إيجارها لك جاز له أن يشتريها أو يستأجرها ليتصرف فيها بيعاً أو إيجاراً أو استبقاءً .

وتجوز المساومة على السلعة رعاية لحق البائع ، ما لم يركن البائع إلى سوم أحد السائمين ، فلا يجوز رعاية لحق من رست عليه ، وهذا هو المقصود بالنهي عن سوم الإنسان على سوم أخيه ، ومن يزيد في السلعة المعروضة للبيع وهو لا يريد شراءها ، ففعله هذا محرم لما فيه من الخداع والتغرير بالمشتري ، لاعتقاد المشتري أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا لأنها تساويه ، وهي بخلاف ذلك ، وهذا هو النجش الذي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه نهي تحريم ، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش " أخرجه البخاري ومسلم ، وكما جاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، ولا تناجشوا ، ولا يبع حاضر لباد " متفق عليه ، وإذا ثبت النجش وكان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله ، فللمشتري الخيار بين الفسخ وإمضاء البيع لأن ذلك داخل في خيار الغبن .

وإذا كان الدلال الذي يقوم بالحراج على السلعة ويرغب في شراء السلعة فلا بأس أن يبدأ الحراج بسعر من عنده ، أو يزيد فيها أثناء الحراج بعد سوم أحد الراغبين فيها ، بحيث لو لم يزد أحد من الحاضرين لأخذها به ، ويحرم أن يبدأ سعرها أو يزيد فيها وهو لا يريد شراءها ، أو يزيد فيها لإيهام المشتري بأن سعرها أعلى من ذلك ، أو ليقطع السوم عند سومه فيأخذها بسعر أقل من ثمنها ، وإن كانت السلعة خاصة به فلا يبدأ بسومها ولا يزيد فيها .

ولا يجوز بيع الحاضر للباد ، ولا يجوز تلقي الركبان ، وهم الذين يقدمون ببضائعهم لبيعها في السوق ، فيتلقاهم قبل وصولهم السوق فيشتري منهم برخص ثم يحضره للسوق ، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تلقوا الركبان ، ولا يبع حاضر لباد " أخرجه البخاري ومسلم .

ويحرم تلقي أصحاب البضائع في الشارع قبل دخولهم الأماكن المعدة لعرض السلع وبيعها لأن ذلك داخل في مسألة تلقي الركبان المنهي عنه للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد ، والذي جاء فيه : " ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق " أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، وما أخرجه البخاري في صحيحه عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : " كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام ، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام " ، وفي لفظ آخر عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه قال : " كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق ، فيبيعونه في مكانه ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه " ، وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تلقوا الجلب ، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار " ، وعلى ذلك فإن السلعة إذا لم يهبط بها صاحبها إلى السوق المعد لبيعها فيه فإنه يحرم تلقي أصحابها ، ومن تلقاها قبل بلوغها السوق فإنه آثم وعاص لله تعالى ، إذا كان عالماً بالتحريم لما فيه من الخداع والتغرير بالبائع ، والإضرار بأهل السوق .

وإذا حصل اتفاق بين الدلال والبائع والمشتري على أن يأخذ من المشتري أو من البائع أو منهما معاً سعياً معلوماً جاز ذلك ، ولا تحديد للسعي بنسبة معينة ، بل ما حصل عليه الاتفاق والتراضي ممن يدفع السعي جاز ، لكن ينبغي أن يكون في حدود ما جرت به العادة بين الناس مما يحصل به نفع الدلال في مقابل ما بذله من وساطة وجهد لإتمام البيع بين البائع والمشتري ، ولا يكون فيه ضرر على البائع أو المشتري بزيادته فوق المعتاد .

وإذا كان المصنع أو التاجر يعطيك جزءاً من المال على كل سلعة تباع عن طريقك تشجيعاً لك لجهودك في البحث عن الزبائن ، وهذا المال لا يزاد في سعر السلعة ، وليس في ذلك إضرار بالآخرين ممن يبيع هذه السلعة ، حيث إن هذا المصنع أو التاجر يبيعها بسعر كما يبيعها الآخرون فهذا جائز ولا محذور فيه ، أما إن كان هذا المال الذي تأخذه من صاحب المصنع أو المحل ، يزاد على المشتري في ثمن السلعة ، فلا يجوز لك أخذه ولا يجوز للبائع فعل ذلك لأن في هذا إضرار بالمشتري بزيادة السعر عليه .

ويجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة ، مقابل دلالته عليها ، ويستحصلها الدلال من البائع أو المشتري حسب الاتفاق من غير إجحاف ولا ضرر ، ويجوز للبائع أن يحتفظ بالعربون لنفسه ولا يرده للمشتري في أصح قولي العلماء إذا اتفقا على ذلك .

إذا بِعْتَ سيارة لشخص بالتقسيط ، علماً أن التقسيط تكون قيمة السيارة زائدة ، ثم طلب منك أن تشتريها منه بأقل مما شراها منك ، هذه المسألة تسمى مسألة العينة ، وحكمها التحريم ، والأصل في ذلك ما ورد من الأدلة الشرعية الدالة على النهي عن ذلك .

والمراد بالعينة هو : أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه للمشتري ، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقداً أقل من ذلك القدر لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه أحمد وأبو داود واللفظ له ، وقوله : " وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع " المراد : الاشتغال بالحرث ، وقد حُمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد ، وقوله : " وتركتم الجهاد " المراد به : جهاد الأعداء المتعين فعله ، والذل : المسكنة والصغار ، قوله : " حتى ترجعوا إلى دينكم " فيه زجر بليغ ووعيد شديد لمن اشتغل بالزراعة وترك الجهاد ، وتعاطى المعاملات المحرمة .

وإذا كنت قد سلَّمت قيمة السيارة كاملة لمن اشتريتها منه ، ولم يكن هناك مواطأة فيما بينك وبينه فلا مانع أن يشتري منك السيارة المذكورة لعدم المحذور في ذلك .

ولا يجوز للمُهدي أن يشتري ما أهداه لأخيه ، فعن عمر رضي الله عنه قال : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه صاحبه ، فظننت أنه بائعه برخص ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " لا تبتعه ، وإن أعطاكه بدرهم ، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه " متفق عليه .

إذا باع إنسان على آخر أرضاً بخمسين ألف ريال لمدة سنة ، وبعد عدة سنوات لم يدفع المشتري القيمة ، ورغب ببيعها على البائع بثلاثين ألف ريال ، ويلتزم بدفع الباقي فيما بعد ، يجوز ذلك وليس من بيع العينة ، ولا مانع من شراء غنمك التي بعتها قبل ذلك ، ولم يستطع المشتري تسديد قيمتها بسعر تتفقان عليه برضا منكما ، وتحتسب قيمة الغنم من الحساب الذي لك في ذمة البائع عليك ، ولا محذور في ذلك بشرط أن يكون الثمن الذي اشتريت به هذه الغنم مساوياً للثمن الذي بعتها به أو أكثر منه .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

5 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر