ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثامن عشر : تمني الموت

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 28 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 2187 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز لك أن تتمنى الموت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يتمنَّينَّ أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا محالة فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " .
أخرج الإمام البخاري بلفظ : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها من جدعاء " ، ومعنى ذلك أن الإنسان مفطور على الإسلام بالقوة لكن لابد من تعلمه بالفعل ، فمن قدَّر الله كونه من أهل السعادة فيهيئ الله له من يعلمه سبيل الهدى فصار مهيئاً بالفعل ، ومن خذله وأشقاه سبَّب له من يغير فطرته ويثني عزيمته كما جاء في تحويل الأبوين لابنهما إلى اليهودية أو النصرانية أو المجوسية .

تعاطي الأسباب من علاج المرض وطلب الرزق وغير ذلك لا ينافي القدر لأن الله سبحانه قدَّر الأقدار وأمر بالأسباب ، وكلٌ ميسرٌ لما خُلق له ، كما جاء بذلك الأحاديث الصحيحة ، ولهذا يجوز التداوي بالأدوية المباحة وهو من قدر الله ، كما قال عمر رضي الله عنه حينما منع من دخول البلاد الموبوءة في عام الطاعون : " نفر من قدر الله إلى قدر الله " .

لا يجوز لك الإقدام على جريمة الانتحار لأن قتل النفس محرم وكبيرة من كبار الذنوب ، قال تعالى " وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " النساء 29 ، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه في شيء عذب به يوم القيامة " .
ليس قول الإنسان قابلت فلاناً صدفة محرماً ولا شركاً ، لأن المراد منها قابلته دون سابق وعد أو اتفاق على اللقاء مثلاً ، وليس في هذا المعنى حرج .

القرآن كلام الله سمعه جبريل عليه السلام من رب العالمين ، ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم ، وتلاه عليه ، وهو مشتمل على أدعية " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " آل عمران 8 ، وهي آية من كلام الله تعالى ، فالقرآن كلام الله غير مخلوق ، والقرآن المكتوب بين أيدينا هو كلام الله عز وجل ، تكلَّم به حقيقة وسمعه منه جبريل عليه السلام ، ونزل به جبريل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقرأه وأمر بكتابته ، فكتبه الصحابة رضي الله عنهم وتناقله السلف إلى أن بلغنا .

لا نعلم نصاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على تسمية السور جميعها ، ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى الله عليه وسلم كالبقرة وآل عمران ، أما بقية السور فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة رضي الله عنهم .

الأولى أن تكون السورة التي في الركعة الثانية بعد السورة التي في الركعة الأولى حسب ترتيب المصحف وإلا فليس في ذلك شيء ، والأفضل أن يقرأ السور على ترتيب المصحف العثماني ، فيبدأ بالفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران حتى ينتهي بقراءة سورة الناس ، وبهذا يُعلم أن قراءة الفلق ثم سورة الناس جاءت على ترتيب المصحف العثماني لا العكس ، أما قراءته ابتداءً من سورة الناس ثم الفلق ثم الإخلاص إلى ما فوقها للتعلم فلا بأس به .

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل من عند الله على سبعة أحرف ، أي : لغات من لغات العرب ولهجاتها تيسيراً لتلاوتها عليهم رحمةً من الله بهم ، ونُقل ذلك نقلاً متواتراً ، وصدّق ذلك واقع القرآن ، وما وجد فيه من القراءات فهي كلها تنزيل من حكيم حميد ، ليس تعددها عن تحريف أو تبديل ، ولا لبس في معانيها ، فمن ذلك : ما ورد من القراءات قوله تعالى " وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا " الإسراء 13 ، فقد قرئ ( ونُخرِج ) بضم النون وكسر الراء ، وقرئ ( يَلقَاه ) بفتح الياء والقاف مخففة ، والمعنى : ونحن نخرج للإنسان يوم القيامة كتاباً هو صحيفة عمله يُعطى الإنسان ذلك الكتاب حال كونه مفتوحاً ، فمعنى كل من القراءتين يتفق في النهاية مع الآخر ، كأن يلقى إليه الكتاب فقد وصل إليه ، ومن وصل إليه الكتاب فقد ألقي إليه .

ومن ذلك قوله تعالى " فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " البقرة 10 ، قرئ ( يَكْذِبون ) بفتح الياء وسكون الكاف وكسر الذال ، بمعنى : يخبرون بالأخبار الكاذبة عن الله والمؤمنين ، وقد قرئ ( يُكَذِّبون ) بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال المكسورة ، بمعنى : يُكَذِّبون الرسل فيما جاءوا به من عند الله من الوحي ، فمعنى كل من القراءتين لا يعارض الآخر ولا يناقضه ، بل كل منهما ذكر وصفاً من أوصاف المنافقين ، وَصَفَتْهم الأولى بالكذب في الخبر عن الله ورسله وعن الناس ، ووصفتهم الثانية بتكذيبهم رسل الله فيما أوحي إليهم من التشريع، وكلٌّ حق ، فإن المنافقين جمعوا بين الكذب والتكذيب ومن ذلك يتبين أن تعدد القراءات كان بوحي من الله لحكمة لا عن تحريف وتبديل ، وأنه لا يترتب عليه أمور شائنة ، ولا تناقض أو اضطراب ، بل معانيها مؤتلفة ومقاصدها متفقة .

القراءة برواية ورش عن نافع صحيحة معتبرة في نفسها لدى علماء القراءات ، لكن القراءة بها لمن لم يعهدها ، بل عهد غيرها كالقراءة برواية حفص مثلاً تثير بلبلة في نفوس المأمومين ، فتترك القراءة بها لذلك ، أما إذا كان القارئ بها في صلاته منفرداً فيجوز لعدم المانع .

كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات ، وكان جبريل يدارسه القرآن كل ليلة ، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ، وكان أجود الناس ، وأجود ما يكون في رمضان ، لما يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف ، هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر ، أما المفاضلة بين قراءة القارئ وصلاة المصلي تطوعاً فتختلف باختلاف أحوال الناس وتقدير ذلك راجع إلى الله جل وعلا لأنه بكل شيء محيط .

مسألة : من المعلوم أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن في الفضيلة والثواب ، فهل إذا قرأها الإنسان ثلاث مرات أو أربع يحصل بذلك فضيلة ختم القرآن الكريم كله ؟

والجواب : فضل الله واسع ، وإن ثبت أن معنى الحديث أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن في الفضيلة والثواب كان لقارئها ثلاث مرات ثواب ختم القرآن .

قراءة القرآن بين الأذان والإقامة أفضل من الاشتغال بالتسبيح والتهليل والاستغفار والدعاء ، إلا إذا وجد ما يقتضي رجحان غيرها ، كالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل في مواضع من الصلاة دلت السنة على الذكر بها فيها ، وكذا بعد الصلاة بالنسبة لما ثبت فيه دليل على مشروعية العمل بعدها ، والقاعدة : أن كل ذكر خص شرعاً بوقت أو مكان كان مقدماً على غيره في ذلك ، بل قد نُهي عن قراءة القرآن في مواضع وجعل غيره من الأذكار فيها متعيناً كالتسبيح في الركوع والسجود .

مسألة : قراءة القرآن في المصحف وقراءته بدون مصحف أيهما أفضل ؟

والجواب : ما هو أنفع لك وأخشع لقلبك أفضل .

السنة أن يكمل ختم القرآن ، ولا يؤجل قراءة المعوذتين إلى الجمعة ولا غيرها ، بل ينهي الختمة متى وصل إلى المعوذتين ، ثم يدعو بما فيه من الدعاء بعد حمد الله والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم اقتداءً بالسلف الصالح ، ثم يعود فيبدأ بالختمة الأخرى من الفاتحة وهكذا .

لا يجوز لأحد أن يرفع صوته بقراءة القرآن في المسجد ، لا في الصلاة ولا في غيرها ، لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة ، فقال : " أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة " رواه الحاكم في المستدرك وصححه ، ووافقه الذهبي ، لذا يجب على القارئ في المسجد أن يراعي من حوله من المصلين والقراءة بخفض صوته حتى لا يشوش عليهم .

حمل المصحف بالجيب جائز ، ولا يجوز أن يدخل الشخص الحمام ومعه مصحف ، بل يجعل المصحف في مكان لائق به تعظيماً لكتاب الله واحتراماً له ، لكن إذا اضطر إلى الدخول به خوفاً من أن يسرق إذا تركه خارجاً جاز له الدخول به للضرورة ، وإذا نسي ودخل به الحمام فلا إثم عليه .

يجوز إعطاء ترجمة معاني القرآن الكريم لغير المسلم من أجل البلاغ ودعوته إلى الإسلام ، وتغليباً لجانب الترجمة ، ويجوز حمل المصحف إلى بلاد الكفار للبلاغ وإقامة الحجة عليهم ، وللتحفظ والتفهم لأحكامه عند الحاجة إذا كان للمسلمين قوة أو سلطان أو ما يقوم مقامهما من العهود والمواثيق لحصول المصلحة مع انتفاء المفسدة التي خشيها النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان المرسل إليه المصحف مسلماً فلا حرج في إرساله ، سواء كان البلد عربياً أو غير عربي ، وسواء كان أهلها مسلمين أم غير مسلمين .

لا يجوز الفسح للسجاد الذي كتب عليه لفظ الجلالة أو اسم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما يترتب على ذلك من الإهانة بافتراشها والصلاة عليها ، وكونها توضع على الجدران لا يلتزم به كل من كانت عنده هذه السجاد ، بل من الناس من وضعها على الحائط ومنهم من يفرشها في الأرض ، ومن القواعد المقررة في الشريعة سد الذرائع الموصلة إلى انتهاك محارم الله .

لا يجوز أن يضع المسلم متاعه أو حاجته في أوراق كُتب فيها سور وآيات من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية ، ولا أن يلقي ما كتب فيه ذلك في الشوارع والحارات والأماكن القذرة لما في ذلك من الامتهان وانتهاك حرمة القرآن والأحاديث النبوية وذكر الله .

ولا يجوز إعطاء الجرائد للغسال ليلف فيها الملابس ، ولا لبائع العيش أو الخبز ليستعملها لفافة للخبز أو العيش ، لأن الغالب في الجرائد أن فيها مقالات إسلامية تشتمل على آيات قرآنية وأحاديث نبوية ، ويُكتب فيها الكثير من أسماء الله تعالى ، واستعمالها فيما ذكر امتهان لآيات القرآن والأحاديث النبوية .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

27 - 10 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر