الدرس العشرون: كتابة البسملة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 29 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 2383 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

معنى الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه ، فقيل هو القرآن ، وقيل الإسلام ، وقيل هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والكل حق ، فإن من اتبع النبي صلي الله عليه وسلم فقد اتبع الإسلام ، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن والذين أنعم الله عليهم ، قال ابن كثير في تفسيره : قال الضحاك عن ابن عباس : " صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمۡ " الفاتحة 7 ، بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين ، وذلك نظير ما قال ربنا تعالى " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " النساء 69 ، ومعنى آمين : اللهم استجب .

يُسن كتابة البسملة في بداية كتابة كل شيء له بال وأهمية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بها كتبه .

سورة الفاتحة تشتمل على أحكام كثيرة ، بل تشتمل إجمالاً على جميع ما في القرآن من أحكام ، ولذلك سميت : أم القرآن ، وسمَّاها النبي صلى الله عليه وسلم بما سماها الله به : القرآن العظيم ، وذلك فيما رواه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال : مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي فدعاني ، فلم آته حتى صليت ، ثم أتيت ، فقال : " ما منعك أن تأتي ؟ فقلت : كنت أصلي ، فقال : ألم يقل الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ " الأنفال 24 ، ثم قال : ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد ؟ فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد فذكرته ، فقال : الحمد لله رب العالمين وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " ، وما رواه البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم " ، لكن هذه الأحكام مع كثرتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام كما في الحديث القدسي :-

الأول : حق محض لله ، وهو ما اشتملت عليه الآيات الثلاث الأولى من توحيد الربوبية والأسماء والصفات .

والثاني : حق محض للعبد ، وهو ما تضمنته الآيات " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " الفاتحة 6 ، 7 .

والثالث : يتضمن حق الله وحق العبد ، وهو آية " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " وكلاهما يسمى توحيد العبادة ، ودليل ذلك ما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم قال الله : أثنى علي عبدي ، وإذا قال : مالك يوم الدين قال الله : مجَّدني عبدي ، وإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال الله : هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، وإذا قال : إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الله : هذه لعبدي ولعبدي ما سأل " .

معنى قوله تعالى " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا " البقرة 41 ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في بيان تفسير هذه الجملة : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها ، فإنها قليلة فانية ، وقال أيضاً في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تعلَّم علماً مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة " ، فأما تعليم العلم بأجرة فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة ، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله ، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب فهو كما لو لم يتعين ، وإذا لم يتعين عليه فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء ، كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " ، وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة المخطوبة : " زوجتكها بما معك من القرآن " .

أمر الله تعالى بني إسرائيل أن يدخلوا باب بيت المقدس خاشعين شكراً له تعالى ، وأن يقولوا : يا ربنا حُطَّ عنا ذنوبنا حطاً أي : اغفر لنا ذنوبنا مغفرة ، ووعدهم سبحانه إن هم امتثلوا أمره أن يغفر لهم خطاياهم ويكفر عنهم سيئاتهم ، لكنهم لم يمتثلوا أمره ، بل بدَّلوا ما أُمروا به من القول والعمل ، فدخلوا يزحفون على أستاههم قائلين حبة في شعرة أو في شعيرة تلاعباً منهم بأمر الله تعالى ، وسخريةً واستهزاءً وتبديلاً لتشريعه سبحانه قولاً وعملاً ، بدلاً من طاعته والخضوع لأوامره شكراً لنعمته ، فأنزل على الذين ظلموا منهم بأسه ، وأذاقهم عذابه ، جزاءً وفاقاً بتبديلهم وتحريفهم شرعه وتمردهم عليه ، كما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرًا للآيتين " وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ " البقرة 58 ، 59 .

قال الله تعالى " وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ " البقرة 60 ، أمر الله تعالى رسوله وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام حين استسقاه أن يضرب بعصاه الحجر ، فلمَّا ضربه انفجر منه اثنتا عشرة عيناً على عدد الأسباط توسعةً عليهم حتى لا يتزاحموا ولا يتناحروا على الماء ، فكان ذلك من الله تعالى معجزة لموسى عليه السلام ورحمة منه بموسى ومن معه من بني إسرائيل ، وقد نقل ابن كثير في تفسير هذه الآية عن الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " إن ضرب موسى الحجر بعصاه كان في التيه ، فصار اثنتي عشرة عيناً من ماء ، لكل سبط منهم عين يشربون منها " .

التسمية لم تكتب في أول سورة التوبة لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها في هذه السورة ، قاله القشيري ، وذكر ذلك القرطبي في تفسيره ج8 ص61 ، وقالت اللجنة الدائمة سبب عدم ذكر البسملة في أول سورة التوبة لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوها في أولها في المصحف الإمام ، واقتدوا بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : " سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لِمَ لم يُكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم ؟ قال : لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان " ، والصحيح أن جبريل ما نزل بها في هذه السورة .

وذكر ابن كثير في تفسيره : أن أول هذه السورة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وهمَّ بالحج ، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك ، وأنهم يطوفون بالبيت عراة فَكَرِهَ مخالطتهم وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميراً على الحج تلك السنة ، ليقيم للناس مناسكهم ، ويُعْلِمَ المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا ، وأن ينادي في الناس " بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " التوبة 1 ، كما أنها نزلت في شأن المنافقين فضيحةً لهم ، وكشفًا لأسرارهم

المراد بجملة " هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ " هود 78 ، ندب هؤلاء الكفار إلى التزوج بالنساء ووطئهن في الحلال سواء كنَّ بناته أم بنات قومه ، فإن بنات قومه بناته حكماً ، لكونه رسولاً إليهم واجتناب اللواط والاعتداء على ضيف لوط بالفاحشة .

قال تعالى في سورة يوسف : " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا " يوسف 24 ، الصحيح من أقوال العلماء في ذلك أن الهم الذي وجد من يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام هو الميل الجنسي الطبيعي الذي يوجد مع أي إنسان عند وجود سببه ، وقد صرفه الله سبحانه وتعالى عنه بقوله " كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ " يوسف 24 ، والهم بالسيئة لا يضر المسلم إذا لم يفعل ، بل يكتب له بذلك حسنة إذا تركه لله .

المراد بالسبع المثاني في قوله تعالى : " وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ " الحجر 87 ، سورة الفاتحة وسبق إيضاح ذلك .

يطلق الذكر على القرآن ، كما في قوله تعالى " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " الحجر 9 ، ويطلق على اللوح المحفوظ ، كما في قوله " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " الأنبياء 105 ، فالزبور الكتب السماوية والذكر هو اللوح المحفوظ .

تسمية سورة الإسراء بسورة بني إسرائيل تسمية صحيحة ، ومعتبرة لدى أهل العلم .

المراد بالمشرقين والمغربين في قوله تعالى " رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ " الرحمن 17 ، مطلع الشمس جنوب خط الاستواء وشماله ، ومغربها جنوبه وشماله ، والمراد بالمشرق والمغرب في قوله تعالى " رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " المزمل 9 ، جهة الشرق وجهة الغرب اللتان تنتقل الشمس فيهما طلوعاً وغروباً على مدى الفصول ، والمراد بالمشارق والمغارب في قوله تعالى " بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ " المعارج 40 ، مطالع الشمس ومغاربها كل يوم شرقاً وغرباً ، وبذلك تجتمع النصوص .

الحديث المرسل هو ما يرويه غير صحابي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، والأحاديث القدسية هي التي يرويها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل بواسطة جبريل عليه السلام أو بالوحي يقظة أو مناماً ، وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى القدس وهو الطهر لإضافتها إلى الله تعالى وهو القدوس المنزه عن كل عيب ونقص .

أما الحديث الموقوف فهو ما كان من كلام الصحابي ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والحديث المرسل عند أهل العلم هو الذي سقط من سنده الصحابي الراوي له عن النبي صلى الله عليه وسلم .

المشروع ألا يذكر المسلم في خطبه ومواعظه ودروسه إلا بما صح عنه صلى الله عليه وسلم ، وفي الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة ما يشفي ويكفي ويغني عن ذكر الأحاديث الضعيفة ، والحمد لله على ذلك ، لكن يجوز عند أكثر أئمة الحديث ذكر الحديث الضعيف إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك بصيغة التمريض مثل : يُروى ويُذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما الأحاديث التي نص أهل العلم على أنها موضوعة فلا يجوز للمدرس والواعظ وغيرهما ذكرها إلا لبيان أنها مكذوبة .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

28 - 10 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر