الدرس الثالث والثمانون : الطلاق 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 24 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 3387 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من كان في حالة غضب مع زملائه وحلف يميناً بالطلاق أن لا يعود إلى الأكل معهم ثم عاد بعد شهرين في الحج ، فإذا كان الواقع كما ذكرت من الغضب والحلف ، فإذا كان غضبك شديداً لا تدري فيه ما حصل منك ومن الحلف حتى بلغك جليسك عن ذلك ما حصل منك فلا يُعتد حلفك بالطلاق ولا تجب عليك كفارة ، وإن كان غضبك غير شديد بأن كنت تعي ما تقول وما يقال لك فقد حنثت في حلفك بأكلك معهم وعليك كفارة يمين عن الحلف إذا كنت قاصداً بالحلف منع نفسك من الأكل معهم ، ولم تقصد به طلاق زوجتك ، وإلا اعتبر طلقة ولك مراجعة زوجتك المدخول بها ما دامت في العدة مع إشهاد عدلين على الرجعة إذا لم يكن هذا الطلاق آخر ثلاث تطليقات .

طلاق السُّنَّة هو أن يطلقها طلقة واحدة وهي حامل أو في طهر لم يجامع فيه ، والطلاق البدعي أن يطلقها واحدة أو أكثر وهي حائض أو نفساء أو في طهر جامعها فيه ، فالطلاق في طهر واقعها فيه طلاق بدعي لا يجوز وهكذا تطليقها في الحيض والنفاس .

فطلاق السنة هو أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه قال تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ " الطلاق 1 ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه لما طلَّق ابنه عبد الله امرأته وهي حائض : " ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرة قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمره الله عز وجل " رواه البخاري ، فالطلاق البدعي أنواع منها : أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسَّها فيه والصحيح في هذا أنه لا يقع ، ومنها أن يطلقها ثلاثاً والصحيح أنه يعتد به طلاقاً ويعتبر طلقة واحدة على الصحيح من أقوال العلماء إذا كان ثلاثاً بلفظ واحد .

إذا طلق وهي حائض أو في شدة الغضب أو لدافع تبين كذبه لا يقع والمراد لدافع تبين كذبه أي كذب عليه .

إذا طلق زوجته قبل الدخول عليها فقد بانت منه فلا يجوز له الرجوع عليها إلا بعقد جديد ومهر مثلها بعد استكمال شروط النكاح وأركانه .

إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً رجعياً مثل أن يطلقها طلقة واحدة بعد الدخول بها وكان طلاقه إياها بلا عوض منها وجب عليها أن تقعد في بيتها عند زوجها وحرم عليها أن تخرج منه ما دامت في العدة إلا أن تأتي بفاحشة مبينة لأنها في حكم الزوجة وله الحق في مراجعتها أيام عدتها بشهادة عدلين ولو لم ترض بالرجعة ولا يتوقف رجوعها إليه على عقد جديد ولا مهر ولا على رضاها ، أما إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً بائناً مثل أن يطلقها قبل الدخول بها أو بعد الدخول ولكن على عوض فإنها تصير بهذا أجنبية منه فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين برضاها .

إذا سلب الزوج حُلي زوجته فلها الحق في مطالبته إذا كان ملكاً لها أو كانت هي قد استعارته أما إن كان ملكاً لزوجها فليس لها الحق في مطالبته .

من طلَّق زوجته بعد عقد النكاح وقبل الدخول بها وجب عليه أن يدفع لها نصف المهر المسمى إلا أن تعفو عن حقها ، وإن لم يكن سمَّى لها مهراً ولم يدخل بها فلها المتعة بالمعروف .

مسألة : قال لي زملائي إن زوجتك ذهبت إلى بيت أهلها وإنها لا تبغاك مزاحاً ثم قلت لهم هي مطلقة ثم قالوا إنك طلقتها فقلت لهم ما طلقتها ، فما الحكم ؟

والجواب : إذا كان الأمر كما ذُكر وقع على زوجتك طلقة واحدة لقولك هي مطلقة لأن الطلاق يقع في حال الجد والهزل ولك مراجعتها ما دامت في العدة إذا لم يسبق هذا الطلاق طلقتان قبله ، وإن كان حين جامعتها لم تمض ثلاث حيض فهي زوجتك ويعتبر الجماع رجعة وإلا فلا تحل لك إلا بعقد جديد ، فإذا قال شخص لزميله من باب المداعبة طلقت زوجتي وقع الطلاق ولو ادعى أنه كاذب أو مازح لأن الطلاق جده جد وهزله جد .

وإذا قال لزوجته في حال الغضب تغطي عني ولم يقصد بقوله الطلاق فزوجته لم تطلق لأن العبرة في مثل هذا النية والقصد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئ ما نوى " .

مسألة : كان بينه وبين زوجته سوء تفاهم قال لها على أثره سأرسل ورقتك إلى أهلك غطي وجهك وأرسلي أهلك يحملون عفشك ويذكر أنه قال ذلك عفواً بدون قصد وأنه لم يرسل لأهلها ورقة وإنما كان ذلك منه تخويفاً لها ؟

والجواب : قوله لها غطي وجهك وأرسلي لأهلك يحملون عفشك كناية خفية من كنايات الطلاق فقوله سأرسل ورقتك لأهلك وأرسلي لأهلك يحملون عفشك هاتين اللفظتين تعين مقصده بقوله غطي وجهك وهو إرادة الطلاق وعليه فتعتبر طلقة واحدة .

مسألة : رجل إخوانه يرغبون منه أن يطلق زوجته فسأله رجل هل طلقت زوجتك ؟ فقال له : نعم خوفاً من أنه مرسل منهم ؟

والجواب : ما صدر منه يعتبر طلاقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : الطلاق والعتاق والرجعة " رواه أبو داود والترمذي .

إذا قال لزوجته قومي معي وإلا فأنت لست في ذمتي ولم تذهب معه فقد حنث في يمينه وترتب عليه وقوع طلقة على زوجته .

استعمال العادة السرية حرام ، وإذا كان قصدك بالحلف المذكور منع نفسك من العادة السرية لا طلاق على زوجتك فعليك كفارة يمين على عدد مرات حلفك مع حنثك وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة فإن لم تستطع شيئاً من ذلك فصم ثلاثة أيام ، وإن كان قصدك بهذا الحلف طلاق زوجتك وقع عليها طلقتان في كل مرة طلقة هذا إن كنت دخلت ، أما إن كان ذلك وقع منك قبل الدخول بها لم يقع إلا طلقة ولك العود إليها بعقد ومهر جديدين بالشروط المعتبرة شرعاً وعليك التوبة والاستغفار .

مسألة : قلت لزوجتي اذهبي إلى أهلك ونسيت ماذا كنت أنوي بها ؟

والجواب : إذا كان الواقع كما ذكرت ولم تنو طلاقها فلا يعتبر ذلك طلاقاً لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما ينقل عنه ، وإذا قال لزوجته اختاري البقاء مع أولادك أو أوصلك إلى أهلك وقصد تخييرها بين الإقامة عند أولادها أو عند أهلها قصد طلاقها سواء أقامت عند أولادها أو بين أهلها فإنه يقع عليها بذلك طلقة واحدة .

وإذا قال الزوج لزوجته إذا فعلت كذا فذاك آخر شيء بيني وبينك هذا القول كناية عن الطلاق فإن كان قصده إيقاع الطلاق وقع طلقة واحدة إذا فعلت المعلق عليه ، أما إن كان قصده تخويفها ومنعها ولم يقصد إيقاع الطلاق فإن عليه كفارة يمين إذا فعلت ما نهاها عنه ولا يقع عليها طلاق في أصح قولي العلماء .

مسألة : اشتريت جهاز تلفزيون وقلت لزوجتي إذا فتحت التلفزيون في أي برنامج غير ديني فأنت محرمة علي ثم دخلت فوجدت التلفزيون يعرض تمثيلية فسألتها عن ذلك فقالت نسيت إغلاقه بعد البرنامج الديني فما حكم الشرع في ذلك ؟
والجواب : إذا كان الواقع كما ذكرت من أنها نسيت إغلاقه بعد البرنامج الديني فلا يحنث الزوج ، لكن قوله لزوجته ابتداءً إن فتحتِ فأنتِ محرمة علي لا يجوز بل هو اعتداء على حق الله لأن التحريم والتحليل إلى الله وحده ، قال تعالى " يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ " التحريم 1 ، وعلى الزوجة أن لا تفتح التلفزيون على غير البرامج الدينية وأن تنتبه لإغلاقه إذا انتهى البرنامج الديني ، وعليك كفارة يمين إذا فتحته متعمدة على بعض البرامج التي أردت منعها منه لأن هذا الكلام في حكم اليمين في أصح قولي العلماء والواجب عليك وعليها عدم فتح التلفزيون على البرامج المحرمة من الأغاني وآلات الطرب والتمثيليات المنكرة وغير ذلك مما حرَّمه الله ، وكذا إذا قال لزوجته إذا لم تخرجي فأنت علي بالحرام ولم تخرج عليه كفارة يمين .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

24 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر