الدرس305 قصة هلاك فرعون

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 2 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1790 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله بعد

قصة هلاك فرعون عبرة لكل طاغية وأن الحق سينتصر وأن الطاغية مرده الخيبة والخسارة والذل والمهانة كما حصل لفرعون طاغية مصر في السابق وفي عصرنا الحاضر كما كانت نهاية طاغية ليبيا معمر القذافي الذي كفره العلماء، وبإذن الله ستكون نهاية طاغية سوريا بشار الأسد بل بشار النعامة، كما قال الشاعر في شطر بيته (أسد علي وفي الحروب نعامة)، هذا النصيري الفاجر الذي كفره العلماء أيضاً، وتعلمون يا رعاكم الله أنه لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم، متابعة لملكهم فرعون، ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام، وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة، وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحير العقول، وهم مع ذلك لا يرعون ولا ينتهون، ولا ينزعون ولا يرجعون، ولم يؤمن منهم إلا القليل قيل ثلاثة وهم امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، الذي ذكر القرآن موعظته ومشورته وحجته عليهم والرجل الناصح، الذي جاء يسعى من أقصى المدينة فقال:" يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" (القصص 20)، قاله ابن عباس، فيما رواه ابن أبي حاتم عنه، ومراده غير السحرة، فإنهم كانوا من بني اسرائيل من قوم موسى، وقيل بل آمن طائفة من القبط من قوم فرعون، والسحرة كلهم، وجميع شعب بني إسرائيل ولعل دليلهم على هذا قوله تعالى: "فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ" (يونس 83) وإن كانت هذه الآية تدل على بعض من بني اسرائيل وليس كلهم

ولما رأى موسى تمادي آل فرعون في كفرهم بالله وطاعتهم لفرعون دعا عليهم:" وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ أتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " (يونس 88، 89)

هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون، غضبًا لله عليه، لتكبره عن اتباع الحق، وصده عن سبيل الله، ومعاندته وعتوه وتمرده واستمراره على الباطل، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي، والبرهان القطعي

ولهذا قال تعالى مخاطبًا لموسى حين دعا على فرعون وملائه، وأمَّن أخوه هارون على دعائه، فنزل ذلك منزلة الداعي أيضًا:" قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (يونس 89)

يقول المفسرون : استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج، وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر، مكيدة بفرعون وجنوده، ليتخلصوا منهم، ويخرجوا عنهم، وأمرهم الله تعالى فيما ذكره أهل الكتاب، أن يستعيروا حليًا منهم، فأعاروهم شيئًا كثيرًا فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم، طالبين بلاد الشام فلسطين اليوم، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق، واشتد غضبه عليهم. وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده، ليلحقهم ويمحقهم، قال الله تعالى :" وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ "(الشعراء 52- 55) " فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وعيون" (الشعراء 57)

قال علماء التفسير لما ركب فرعون في جنوده طالبًا بني إسرائيل يقفو أثرهم، كان في جيش كثيف، حتى قيل كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم، وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف، والمراد بألف ألف أي مليون

وقيل إن بني إسرائيل كانوا نحوًا من ستمائة ألف مقاتل غير الذرية، وكان بين خروجهم من مصر صحبة موسى عليه السلام، ودخولهم إليها صحبة أبيهم إسرائيل أربعمائة سنة وستًا وعشرين سنة

والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود فأدركهم عند شروق الشمس، وترائى الجمعان، ولم يبق ثَم ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون إنا لمدركون، وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر، فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه وهذا ما لا يستطيعه أحد، ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم، وهي شاهقة منيفة، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده فقال لهم الرسول الصادق المصدوق: كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ. (62)وكان في الساقة، فتقدم إلى المقدمة، ونظر إلى البحر، وهو يتلاطم بأمواجه، ويتزايد زبد أجاجه، وهو يقول هاهنا أمرت، ومعه أخوه هارون، ويوشع بن نون، وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل، وعلمائهم، وعبَّادهم الكبار وقد أوحى الله إليه، وجعله نبيًا بعد موسى وهارون عليهما السلام حيث مات موسى وهارون في فترة التيه فأوحى الله إليه بعدهما، ومعهم أيضًا مؤمن آل فرعون، وهم وقوف وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف، ويقال إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مرارًا في البحر، هل يمكن سلوكه فلا يمكن، ويقول لموسى يا نبي الله أهاهنا أمرت ؟ فيقول نعم فلما تفاقم الأمر، وضاق الحال، واشتد الأمر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم، وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير، رب العرش الكريم، إلى موسى الكليم:" أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ " (الشعراء 63)، فلما ضربه:

يقال إنه انفلق بإذن الله، ويقال إنه كناه بأبي خلد، والله أعلم ويقال إنه انفلق اثنتي عشرة طريقًا، لكل سبط طريق يسيرون فيه، وهكذا كان ماء البحر قائمًا مثل الجبال، مكفوفًا بالقدرة العظيمة، الصادرة من الذي يقول للشيء كن فيكون وأمر الله ريح الدبور، فلقحت حال البحر، فأذهبته حتى صار يابسًا لا يعلق في سنابك الخيول والدواب فلما آل أمر البحر إلى هذه الحال أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين فلما جاوزوه وجاوزه وخرج آخرهم منه، وانفصلوا عنه، كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه، ووفودهم عليه، فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، ليرجع كما كان فأمره الله أن يترك البحر على هذه الحال فرأى ما رأى، وعاين ما عاين، هاله هذا المنظر العظيم، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك، من أن هذا من فعل رب العرش العظيم، فأحجم ولم يتقدم، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه، حيث لا ينفعه الندم، لكنه أظهر لجنوده تجلدًا، وعاملهم معاملة العدا، وحملته النفس الكافرة، والسجية الفاجرة، على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه انظروا كيف انحسر البحر لي، لأدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن طاعتي وبلدي، وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم، ويرجو أن ينجو، وهيهات ويقدم تارة ويحجم تارات، فذكروا أن جبريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة حايل، فمر بين يدي فحل فرعون لعنه الله، فحمحم إليها، وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين يديه، فاقتحم البحر، واستبق الجواد، وقد أجاد فبادر مسرعًا، هذا وفرعون لا يملك من نفسه ضرًا ولا نفعًا فلما رأته الجنود قد سلك البحر، اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا في البحر أجمعين حتى همَّ أولهم بالخروج، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه، فيما أوحاه إليه، أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فرتد عليهم البحر كما كان، فلم ينجُ منهم إنسان

اللهم اجعل نهاية كل طاغية مفسد نهاية الطاغية فرعون للعبرة والاتعاظ

وصلى الله على نبينا محمد

1435-5-2هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 1 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي