الدرس 243: قول اللجنة الدائمة في يزيد بن معاوية

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 29 رجب 1436هـ | عدد الزيارات: 4968 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

يزيد بن معاوية الناس فيه طرفان ووسط، وأعدل الأقوال الثلاثة فيه أنه كان ملكا من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يولد إلا في خلافة عثمان رضي الله عنه، ولم يكن كافرا ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين وفعل ما فعل بأهل الحرة، ولم يكن من أولياء الله الصالحين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة، وأما بالنسبة للعنه فالناس فيه ثلاث فرق، فرقة لعنته، وفرقة أحبته، وفرقة لا تسبه ولا تحبه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين، وهذا القول الوسط مبني على أنه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه أو بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه إما تحريما وإما تنزيها فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة عبد الله بن حمار الذي تكرر منه شرب الخمر وجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لعنه بعض الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله" وقال صلى الله عليه وسلم "لعن المؤمن كقتله" متفق عليه

كما إن نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى والزنا والسرقة فلا يشهد بها على معين بأنه من أصحاب النار لجواز تخلف المقتضى عن المقتضي لمعارض راجح إما توبته، وإما حسنات، وإما مصائب مكفرة، وإما شفاعة مقبولة، وغير ذلك من المكفرات للذنوب هذا بالنسبة لمنع سبه ولعنه

وأما بالنسبة لترك المحبة فلأنه لم يصدر منه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته، فبقي واحدا من الملوك السلاطين، ومحبة أشخاص هذا النوع ليست مشروعة، ولأنه صدر عنه ما يقتضي فسقه وظلمه في سيرته، وفي أمر الحسين وأمر أهل الحرة

من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمهم وخاصة الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وعارضهما بذمه إياهم، وكان محروما من المغفرة التي وعدها الله من جاء بعدهم

ومن رأيت يذم هؤلاء الثلاثة وأمثالهم يجب نصحه وتنبيهه لفضلهم وتعريفه بدرجاتهم وما لهم من قدم صدق في الإسلام، فإن تاب فهو من إخواننا في الدين وإن تمادى في سبهم وجب الأخذ على يده مع مراعاة السياسة الشرعية في الإنكار بقدر الإمكان، ومن عجز عن الإنكار بلسانه ويده فبقلبه وهذا هو أضعف الإيمان، كما ثبت في الحديث الصحيح

ومذهب أهل السنة والجماعة الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والترضي عنهم جميعا، واعتقاد أنهم كانوا مجتهدين فيما عملوا، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر وخطؤه مغفور

وحديث "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" إنما هو في المسلمين الذين يقتتلان ظلما وعدوانا لا باجتهاد شرعي

وتلقيب علي بن أبي طالب بتكريم الوجه وتخصيصه بذلك من غلو الشيعة فيه، ويقال: إنه من أجل أنه لم يطلع على عورة أحد أصلا، أو لأنه لم يسجد لصنم قط، وهذا ليس خاصا به، بل يشاركه غيره فيه من الصحابة الذين ولدوا في الإسلام

قلت: مثل عبد الله بن الزبير

والثلاثة الذين خلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم كعب بن مالك السلمي ، ومرارة بن الربيع العامري ، وهلال بن أمية الواقفي ، وكلهم من الأنصار رضي الله عنهم، وليس المراد من قوله (خلفوا) تخلفوا عن غزوة تبوك ، ولكن المراد أنهم لم يعتذروا كذبا كالمنافقين بل صدقوا فأرجئوا وأخروا حتى ينزل الله فيهم فأنزل الله توبته عليهم في آية: وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

قلت: للفائدة غزوة تبوك انتهت بالصلح بدون حرب

أخرج الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا" ولهذا قال معاوية رضي الله عنه بعد انقضاء الثلاثين سنة، أنا أول الملوك ومعنى الحديث بينه الحافظ في الفتح فقال: أراد بالخلافة خلافة النبوة وأما معاوية ومن بعده فعلى طريقة الملوك ولو سموا خلفاء

أحسنوا إلى من أحسن إليكم منهم وإن كانوا نصارى فإذا أهدوا إليكم هدية مباحة فكافئوهم عليها، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من عظيم الروم وهو نصراني وقبل الهدية من اليهود وقال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " (الممتحنة 8_9)

لبس البنطلون والبدلة وأمثالهما من اللباس فالأصل في أنواع اللباس الإباحة؛ لأنه من أمور العادات، قال تعالى "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"،(الأعراف 32) ويستثنى من ذلك ما دل الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال، والذي يصف العورة لكونه شفافا يرى من ورائه لون الجلد، أو ككونه ضيقا يحدد العورة؛ لأنه حينئذ في حكم كشفها وكشفها لا يجوز، وكالملابس التي هي من سيما الكفار فلا يجوز لبسها لا للرجال ولا للنساء؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وكلبس الرجال ملابس النساء، ولبس النساء ملابس الرجال؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وليس اللباس المسمى بالبنطلون والقميص مما يختص لبسه بالكفار، بل هو لباس عام في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول، وإنما تنفر النفوس من لبس ذلك في بعض البلاد؛ لعدم الألف ومخالفة عادة سكانها في اللباس وإن كان ذلك موافقا لعادة غيرهم من المسلمين، لكن الأولى بالمسلم إذا كان في بلد لم يعتد أهلها ذلك اللباس ألا يلبسه في الصلاة ولا في المجامع العامة ولا في الطرقات

قلت: أما لبس الثوب فلا أحد يستنكره سافرت به في كثير من الدول فلم يستغرب بل في بعض البلدان يفضلون لبسه لستره للعورة رأيت ذلك في كوريا وأفريقيا والدول العربية وأفضل لبس للبنطلون لبس الأفغان فالقميص يغطي البنطلون حيث يصل إلى الركبة فيكون ساتراً للعورة بدون تحديد لها

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هديه صلى الله عليه وسلم أنه يعفي لحيته، وأمر بإعفائها، وهو بذلك ممتثل لأمر الله بالاقتداء بإخوانه المرسلين قبله ومنهم هارون على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الصلاة والسلام وكان ذا لحية، قال تعالى: " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ " (الأنعام 90)

قلت: الدليل على أن هارون له لحية قول هارون لأخيه موسى: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي

وأما الصلاة في النعال فإن بني اسرائيل لا يصلون في نعالهم بناء على قوله تعالى "فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى" (طه 12) وقد تقرر أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا نسخه

قلت: مثل سجود أبوي يوسف وإخواته له

وفي هذه الجزئية النسخ حاصل بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة في النعلين إذا كانتا طاهرتين وأمره بذلك

وكون اليهود والنصارى لا يصلون في نعالهم هو مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو رسول لهم أيضا بدليل قوله تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا" (سبأ 28)وإذا صلوا في نعالهم فهم متبعون لهديه صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن نهجر هذه السنة بناء على موافقتهم لنا فيما سنه لنا رسولنا عليه الصلاة والسلام

الكتب السماوية السابقة وقع فيها كثير من التحريف والزيادة والنقص كما ذكر الله ذلك، فلا يجوز للمسلم أن يقدم على قراءتها والاطلاع عليها إلا إذا كان من الراسخين في العلم ويريد بيان ما ورد فيها من التحريفات والتضارب بينها

المبشرون بدخول الجنة كثيرون من الصحابة، منهم العشرة السابقون وهم: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1436-07-28 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي