الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات 

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 16 شوال 1445هـ | عدد الزيارات: 61 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

الأدلة الشرعية على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل مثل رمضان وعشر ذي الحجة، والمكان الفاضل كالحرمين فإن الحسنات تضاعف في مكة والمدينة مضاعفة كبيرة وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا » رواه أحمد وابن حبان بإسناد صحيح ،( قلت: جاء في صحيح ابن ماجه للألباني بلفظ "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" )

فدل ذلك على أن الصلاة بالمسجد الحرام تضاعف بمائة ألف صلاة في سوى المسجد النبوي، وتضاعف بمائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وبقية الأعمال الصالحة تضاعف، ولكن لم يرد فيها حد محدود إنما جاء الحد والبيان في الصلاة، أما بقية الأعمال كالصوم والأذكار وقراءة القرآن والصدقات فلا أعلم فيها نصا ثابتا يدل على تضعيف محدد، وإنما فيها في الجملة ما يدل على مضاعفة الأجر وليس فيها حد محدود والحديث الذي فيه: من صام في مكة كتب الله له مائة ألف رمضان حديث ضعيف عند أهل العلم.
والحاصل أن المضاعفة في الحرم الشريف بمكة المكرمة لا شك فيها - أعني مضاعفة الحسنات - لكن ليس في النص فيما نعلم حد محدود ما عدا الصلاة فإن فيها نصا يدل على أنها مضاعفة بمائة ألف صلاة كما سبق.
أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد ولكن تضاعف من جهة الكيفية، أما العدد فلا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} (الأنعام الآية 160)
فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيرها، بل السيئة بواحدة دائما وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه، ولكن سيئة الحرم، وسيئة رمضان، وسيئة عشر ذي الحجة أعظم إثما من السيئة فيما سوى ذلك، فسيئة في مكة أعظم وأكبر وأشد إثما من سيئة في جدة والطائف مثلا، وسيئة في رمضان، وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب، أو شعبان ونحو ذلك.
فهي تضاعف من جهة الكيفية لا من جهة العدد، أما الحسنات فهي تضاعف كيفية وعددا بفضل الله سبحانه وتعالى، ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة، قول الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج الآية 25) ، فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة حتى إن في الهم بالسيئة فيه هذا الوعيد، وإذا كان من هم بالإلحاد في الحرم متوعدا بالعذاب الأليم فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم، وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير، وكلمة إلحاد تعم كل ميل إلى باطل سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (الحج الآية 25)
فنكر الجميع، فإذا ألحد أحد أي إلحاد فإنه متوعد بهذا الوعيد، وقد يكون الميل عن العقيدة إلى الكفر بالله فيكفر بذلك فيكون ذنبه أعظم وإلحاده أكبر.
وقد يكون الميل إلى سيئة من السيئات كشرب الخمر والزنا وعقوق الوالدين أو أحدهما فتكون عقوبته أخف وأقل من عقوبة الكافر.
وإذا كان الإلحاد بظلم العباد بالقتل أو الضرب أو أخذ الأموال أو السب أو غير ذلك فهذا نوع آخر، وكله يسمى إلحادا، وكله يسمى ظلما، وصاحبه على خطر عظيم، لكن الإلحاد الذي هو الكفر بالله والخروج عن دائرة الإسلام أشد من سائر المعاصي وأعظم منها، كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان الآية 13)
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه

١٦ شوال ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر