الدرس 263: أحاديث سئل عن صحتها 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 30 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 1484 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

حديث (من بنى بناء فوق ما يكفيه كلف يوم القيامة أن يحمله على عنقه) وقد ذكره الذهبي في الميزان، وقال فيه: حديث منكر، وقال فيه الحافظ العراقي في إسناده لين وانقطاع

حديث (من بنى فوق عشرة أذرع ناداه مناد من السماء يا عدو الله أين تريد) وبلفظ (إذا بنى الرجل المسلم سبعة أذرع أو تسعة أذرع ناداه مناد من السماء أين تذهب يا أفسق الفاسقين) رواه الطبراني في الكبير وفي سنده الربيع بن سليمان الحميري، أورده الذهبي في ذيل الضعفاء

فهذه الأحاديث لا تنهض حجة على تحريم رفع البنيان، لكن روى مسلم في صحيحه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جوابه لجبريل عليه السلام لما سأله عن أمارات الساعة (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان) فهذا حديث صحيح، وفيه ذم التطاول في البنيان، وقد حمل العلماء هذا على ما بني على سبيل التباهي والتفاخر والتبذير والإسراف، ويدل على ما قالوه ما في كلمة (يتطاولون) من التكلف والمباراة، أما إطالة الأبنية وتكثيرها لتوفير المرافق والمساكن للمحتاجين والعاملين في جهاز الدولة ونحوها وللإيجار وأمثال ذلك فلا حرج فيه

حديث أنس بن مالك بلفظ (العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان، أو يداخلوا الدنيا، فإذا خالطوا السلطان وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم) رواه العقيلي عن الحسن بن سفيان عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن الجوزي هذا الحديث موضوع

وقالت اللجنة الدائمة لشدة ضعفه لا تنهض شواهده لرفعه إلى مرتبة الحسن لغيره وعلى تقدير أنه مقبول يحمل على علماء السوء الذين يخالطون الولاة تزلفا إليهم وطلبا للمنزلة والجاه لديهم وطمعا في الدنيا، ولهذا تجدهم لا ينكرون عليهم منكرا، بل يزينون لهم القبيح ولا يدفعونهم عما قد يكون معهم من ظلم وجور ومخالفات للشرع، فهؤلاء بطانة السوء وعيبة الشر، لا على من يخالطهم على وجه النصح لهم وإرشادهم إلى الحق ودعوتهم إلى العمل به وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فهؤلاء بطانة خير ورشد، ولا بد لولاة الأمر منهم لحاجتهم إلى نصحهم وإرشادهم؛ تحقيقا لمصلحة الأمة وسياسة الرعية على هدي الإسلام

حديث (أما إن كل بناء وبال على صاحبه) الحديث رواه أبو داود عن أنس، قال المناوي في فيض القدير نقلا عن ابن حجر أنه قال: رجاله موثقون إلا الراوي عن أنس، وهو أبو طلحة الأسدي غير معروف، والشواهد عند الطبراني

حديث (إذا أراد الله بعبد شرا خضر له في اللبن والطين حتى يبني) ضعفه السيوطي وقواه آخرون

حديث (إذا أراد الله بعبد هوانا أنفق ماله في البنيان) ضعفه السيوطي

حديث ( النفقه كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه) قال البخاري فيه نظر وكذبه أبو زرعة

حديث (أن العباس بنى قبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدمها) رواه أبو داود مرسلا عن أبي العالية ، والمراسيل من جملة الأحاديث الضعيفة

انتهينا من القسم الأول العقيدة والتفسير ونبدأ في القسم الثاني للفقه

الواجب هو ما يثاب فاعله ويستحق العقاب تاركه وأما المندوب أو المستحب أو السنة فهي معان متقاربة إن لم تكن مترادفة وكلها تتفق في الاصطلاح على إثابة فاعل المندوب والمستحب والمسنون وعدم عقاب تاركه ولا يلزم من ترك السنة فعلها، أما حلق اللحية أو قصها فمحرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) كما أن العاق لوالديه والزاني عصاة ولا يلزم من معاصيهم كراهتهم.

قلت: نكره فيهم خصلة المعصية ونحب فيهم الإسلام

الأصل في النهي إذا تجرد عن القرائن التي تصرفه عن أصله التحريم وليس هناك نهي للندب وإن وجد قرينة تصرفه عن التحريم إلى الكراهة فهو لكراهة التنزيه

المكروه ما يثاب تاركه حسبة لله على تركه ولا يستحق العقاب فاعله

الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، أي هو الذي يلزم من فقده فقد الشيء المشروط كالصلاة مثلا فمن شروطها الإسلام فمتى انتفت صفة الإسلام في العبد لم تصح صلاته وإن صلى فهذا الشرط حينما عدم عدم المشروط وهو الصلاة ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم بمعنى أن الشرط إذا كان موجودا فلا يستلزم وجوده وجود المشروط ولا عدمه فقد يوجد الشرط ولا يوجد المشروط وقد يوجد الشرط ويوجد المشروط فالصلاة مثلا من شروط صحتها دخول الوقت فإذا دخل وقت الصلاة في ذلك تعين على من كان أهلا لوجوبها أداؤها ولكن قد لا يؤديها إما لتعذر أدائها أو أنه ليس أهلا لوجوبها وبهذا يتضح معنى ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم

أما عن التصوير فقد صحت عنه الأحاديث في تحريم تصوير ذوات الأرواح وفي توعد المصورين بالعذاب الشديد يوم القيامة ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) متفق عليه وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله ولعن المصور

الدليل العقلي على أن الله هو خالق الكون هو ما أدركه العقل في الموضوع الذي هو محل الاستدلال كالاستدلال بخلق السموات والأرض وخلق أنفسنا على وجود الخالق سبحانه وأنه عليم قدير حكيم

والدليل النقلي هو الدليل النصي من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع أهل العلم

إذا ثبت حديث الآحاد عن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حجة فيما دل عليه اعتقادا وعملا بإجماع أهل السنة، ومن أنكر الاحتجاج بأحاديث الآحاد بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر

وأحكام الشريعة مبنية على النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما ضم إليهما مما يستند إليهما من الإجماع والقياس الصحيح

والمسلم إذا كان عاجزا عن أخذ الحكم من دليله يجوز له أن يقلد أوثق من يعرفه من العلماء لقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [النحل 43)

وباب الاجتهاد لم يغلق بل هو مفتوح لأهل العلم والإيمان والبصيرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام من سلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان من أهل العلم والإيمان

وقرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة وأمثاله من المجامع لا يعتبر إجماعا

باب الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية لا يزال مفتوحا لمن كان أهلا لذلك بأن يكون عالما بما يحتاجه في مسألته التي يجتهد فيها من الآيات والأحاديث قادرا على فهمهما والاستدلال بهما على مطلوبه، عالما بدرجة ما يستدل به من الأحاديث وبمواضع الإجماع في المسائل التي يبحثها حتى لا يخرج على إجماع المسلمين في حكمه فيها، عارفا من اللغة العربية القدر الذي يتمكن به من فهم النصوص ليتأتى له الاستدلال بها والاستنباط منها وليس للإنسان أن يقول في الدين برأيه، أو يفتي الناس بغير علم، بل عليه أن يسترشد بالدليل الشرعي ثم بأقوال أهل العلم ونظرهم في الأدلة وطريقتهم في الاستدلال بها والاستنباط، ثم يتكلم أو يفتي بما اقتنع به ورضيه لنفسه دينا

أما حديث (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) رواه الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في سننه عن عبيد الله بن أبي جعفر المصري مرسلا؛ لأن عبيد الله المذكور تابعي وليس بصحابي

قلت: الحديث المرسل من قسم الأحاديث الضعيفة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/3/30 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي