الدرس 163: باب الرهن 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1439هـ | عدد الزيارات: 1258 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله (بدين ثابت) أي: لا بد أن يكون الرهن بدين ثابت على الراهن، فإن كان غير ثابت كدين الكتابة مثلاًـ، فإنه ليس ثابتاً على المكاتب، إذ في إمكان المكاتب أن يُعجز نفسه، فلا يصح الرهن به، وكذلك الدين الذي على العاقلة، فإذا جاء أحد إلى عاقلة شخص قاتل خطأ، وقال أعطوني الدية، فقالوا الدية مؤجلة، فقال أعطوني بها رهناً، فإن الرهن هنا لا يصح، لأن الدية ليست ديناً ثابتاً، إذ أنها لا تجب على العاقلة إلا إذا كانوا أغنياء في وقت الدفع، فلا يصح الرهن بها، وذلك لأن الرهن عقد لازم، والدين غير الثابت ليس بلازم، ولا يمكن أن يوثق غير الثابت بالثابت، والقول الراجح أنه يصح الرهن بالدين غير الثابت، ويكون تبعاً للدين، إن استقر الدين وثبت، ثبت الرهن واستقر، وإلا فلا، لأن الرهن فرع من الدين، فإذا كان الدين غير ثابت، صار الرهن كذلك غير ثابت حتى يثبت الدين

وقوله (بدين ثابت) ظاهره أن الرهن بالعين لا يصح، مثال ذلك: جاء رجل وقال لآخر: أعطني السيارة، فقال: نعم لكن أريد أن ترهنني شيئاً، فهذا لا يصح، لأنه ليس ديناً ثابتاً، وكذلك لو استعار من شخص كتاباً فقال: لا أعيرك إلا إذا رهنتني شيئاً، فإنه لا يصح، لأنه لم يثبت عليه دين حتى يرهنه

والصحيح أنه يصح أن يؤخذ رهن بالأعيان، لأن ذلك عقد جائز لا يتضمن شيئاً محظورا، وليس فيه ضرر، وليس هذا كالتأمين، لأن التأمين يدفع المؤمن الدراهم على كل حال سواء حصل النقص أم لم يحصل، أما هذا فهو رهنه هذا الشيء، فإن حصل على السيارة تلف أخذه من الرهن، وإن لم يحصل تلف فالرهن لصاحبه وكذلك الكتاب

قوله (ويلزم في حق الراهن فقط) يلزم أي: يجب الوفاء به، فهو لازم في حق الراهن، جائز في حق المرتهن

مثال ذلك: رجل استدان من شخص مئة ألف وأرهنه سيارته، فأصبحت السيارة الآن بيد المرتهن، فالرهن لازم في حق الراهن، لا يمكنه أن يفسخ الرهن ويقول: أعطني السيارة، والمرتهن في حقه جائز

ووجه ذلك: أن الرهن حق على الراهن للمرتهن، وحق للمرتهن على الراهن، وكل ذي حق فله أن يسقط حقه

لأنه يملك ذلك

وهناك عقد جائز من الجانبين، كعقد الوكالة، إنسان وكل شخصا أن يشتري له سيارة، فلكل واحد من الوكيل أو الموكل أن يفسخ الوكالة، لكن لو فرض أن ذلك يتضمن ضرراً على أحدهما، فإن عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه أحمد وحسنه الألباني، يمنع الضرر، وقياس قوله تعالى (ولا تُمسكوهن ضراراً لتعتدوا) البقرة: 231، مع أنها رجعية يريد إمساكها قبل أن يتم أجل العدة، لتقعوا في العدوان

فإذا قدرنا أن الوكيل قبل الوكالة في موسم الناس وهم فيه نشيطون على البيع والشراء، ثم لما فتر الناس فسخ الوكالة، من أجل أن يضطر الموكل إلى البحث عن وكيل آخر ولا يجد، ففي هذه الحال فسخه يتضمن ضرراً على الآخرين، فلا يجاز له ذلك إلا بعذر، كعجز أو ما أشبه ذلك، وقد نهى الله أن يكون ذلك بدون عذر لقوله تعالى (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)

إذاً العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام

أولاً: لازم من الطرفين

ثانياً: جائز من الطرفين

ثالثاً: لازم من طرف دون آخر، حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية

قوله (ويصح رهن المشاع) أي: المشترك على الشيوع

مثال ذلك: مزرعة بين أخوين، لكل واحد منهما النصف، فرهن أحدهما نصيبه لدائنه، فيصح، لأن هذا الجزء المشاع يجوز بيعه، فإذا حل أجل الدين ولم يوف بيع

والدليل على جواز بيعه المشاع قول جابر رضي الله عنه (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يُقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) أخرجه البخاري ومسلم

فإذا كان بيع المشاع جائزاً كان رهنه جائزا، لأنه إذا حل أجل الدين ولم يوف بيع

قوله (ويجوز رهن المبيع غير المكيل والموزون على ثمنه وغيره) سواء قبضه أم لا

مثال ذلك: باعه قلماً بدرهم لمدة شهر بشرط أن يرهنه نفس القلم، فهذا رهن المبيع على ثمنه، وهو رهن مع الحق

وقوله (وغيره) أي: كما لو كان عند المشتري له دين سابق فقال: سأبيعك هذا الشيء وأرهنه بدينك السابق، فهذا جائز وهو رهن بعد الحق

ويجوز رهنه على ثمنه وغيره جميعاً، فمثلاً باعه كتاباً بعشرة دراهم ثمناً مؤجلاً، وعليه من قبل عشرة دراهم، فقال البائع: أرهني هذا الكتاب على ثمنه وعلى الدين السابق فيجوز، فرهنه على ثمنه رهن مع الحق، والدين السابق رهن بعد الحق

وقوله (غير المكيل والموزون) المكيل والموزون لا يجوز رهنه على ثمنه، ولا على غيره، وهذا إنما يستثنى فيما إذا رهنه قبل القبض، لأن المكيل والموزون لا يجوز بيعهما إلا بعد القبض، أي: لو بعت عليك مئة صاع بر بخمسمائة ريال، وقلتُ: أنا سأرهن المئة صاع حتى تعطيني المبلغ، فعلى كلام المؤلف لا يجوز، لأن ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، والمكيل قبل أن يقبض لا يجوز بيعه، فلا يجوز رهنه، هذا وجه العلة، ومثله المعدود والمذروع، لأنه لا يجوز التصرف في المعدود حتى يعده، فكل ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه

إذا كل مبيع يرهنه الإنسان على ثمنه، إن كان بعد القبض فلا بأس به مطلقا، وإن كان يصح بيعه قبل قبضه جاز رهنه وإلا فلا، لأن الرهن فرع للبيع وهذا هو المذهب

والصحيح الجواز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع المبيع قبل قبضه على غير بائعه، والحكمة في ذلك لئلا يربح فيما لم يدخل في ضمانه، ولئلا يربح ربحاً يغار منه البائع ويحاول فسخ البيع، أما إذا رهنه على البائع وهو مكيل أو موزون، فالصحيح الجواز، ولو قال البائع الذي باع عليه مئة صاع بخمسمائة ريال: أنا لا أسلمك الأصواع إلا أن تأتيني بالثمن، أريد أن تكون عندي رهنا، فالقول الراجح الجواز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع المكيل والموزون قبل قبضه على غير بائعه، وهذا رهن على بائعه، فإذا حل الأجل، وكان الدين مؤجل ولم يوف، باعه البائع واستوفى حقه

قوله (وما لا يجوز بيعه لا يصح رهنه) لأن رهنه حينئذ لا فائدة منه، ولهذا لو أنك رهنت ابنك، فإنه لا يصح، إذاً القاعدة: ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه

والعقود التي لا فائدة منها كلها لغو، لا يعتبرها الشارع شيئاً

قوله (إلا الثمرة والزرع الأخضر قبل بدو صلاحهما بدون شرط القطع) وبدو صلاح الثمرة إذا اصفرت أو احمرت، والزرع إذا اشتد حبه، فبيعهما قبل بدو صلاحهما بدون شرط القطع لا يصح، لكن رهنهما قبل بدو صلاحهما بدون شرط القطع صحيح، لأنه إذا حل الأجل فإن كان قد بدا صلاحهما أمكن البيع وإلا انتظر حتى يبدو الصلاح، والمرتهن إذا كان يعرف أن الصلاح قد بقي عليه ثلاثة أشهر قد دخل على بصيرة، فليس فيه إشكال، وهذا الاستثناء واضح، فيجوز أن ترهن الثمرة قبل بدو صلاحها، وإن لم يشترط القطع، لأن حق المرتهن لا يضيع، بل إن شرط القطع قد يكون مفسداً للعقد، لأنه لا فائدة منه

مسألة

رهن الثمرة قبل خروجها، والزرع قبل زرعه لا يصح، يؤخذ من قوله (إلا الثمرة والزرع) وقبل الخروج الثمرة معدومة، والرهن توثقة دين معين، وهنا لا عين

وعلى هذا فإذا جاء الفلاح إلى التاجر، وقال: أنا أريد أن أحرث هذه الأرض وأزرعها فأريد أن تقرضني، قال: نعم أنا أقرضك عشرون ألف ريال، لكن بشرط أن أرهن الزرع الذي سوف تزرعه في هذه الأرض، فإنه لا يصح، لأن الزرع الآن ليس موجوداً، فكيف يرهن شيئا معدوماً

والمعاملات الممنوعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبناها على ثلاثة أشياء: الظلم، والغرر، والميسر

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

13-05-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة