الدرس 164: باب الرهن 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 19 جمادى الأولى 1439هـ | عدد الزيارات: 1429 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله "ولا يلزم الرهن إلا بالقبض" أي: في حق من هو لازم في حقه وهو الراهن، إلا بالقبض من المرتهن، فلا بد أن يقبض المرتهن الرهن، إذ لا يلزم بمجرد العقد، فإن لم يقبضه فالعقد صحيح، لكنه ليس بلازم، لقول الله تعالى :"وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة"(البقرة:283 )، فوصفها بأنها مقبوضة

وقول النبي صلى الله عليه وسلم :"الظهر يُركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدَّر يُشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يَركب ويشرب النفقة" أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه

وهذا يدل على أن المُرتهن يقبض الرهن، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رهن درعه لليهودي أقبضه إياه، أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها

فلا يتم الاستيثاق إلا بقبض الرهن، لأنه قبل القبض على وشك أن يتصرف الراهن فيه بأخذ شيء منه أو بيعه وما أشبه ذلك، وهذا هو المشهور من المذهب

وعليه فإذا رهن شخص بيتاً بدين عليه، ولكن المرتهن لم يقبضه، فللراهن أن يبيع البيت ويتصرف فيه، لأن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، ولا قبض هنا

والقول الراجح: أنه يلزم بالعقد في حق من هو لازم في حقه، بدون قبض وأن القبض من التمام، لأن الرهن يثبت بالعقد لقول الله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود) المائدة: 1، ويدخل في ذلك عقد الرهن سواء قَبض المرهون أم لم يقبض

وأما الاستدلال بقول الله تعالى (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة) البقرة: 283، فعلى المستدل أن يقرأ ما بعدها، حيث قال (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) فإن آخر الآية يدل على أنه إذا حصل الائتمان بيننا فإنه لا يجب رهن ولا إشهاد ولا كتابة، وأيضا ظاهر الآية أنه لا يجوز الرهن إلا في حال السفر، والحق جوازه في السفر والحضر

وليس في الآية ما يدل على أن قبض الرهن شرط، وإنما يدل على أن القبض من كمال التوثقة

أما الاستدلال بالحديث وهو (الظهر يُركب بنفقته، ولبنُ الدر يشرب بنفقته) أخرجه البخاري، هذا إذا قُبض الرهن غير أنه لا يلزم القبض

وأما الاستدلال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند اليهودي. أخرجه البخاري، فالرهن يلزم بمجرد العقد أما القبض فهو من كمال التوثقة، لا للوجوب على قول المذهب

والذي عليه عمل الناس من قديم الزمان وهو خلاف المذهب فتجد الفلاح يستدين من الشخص ويرهن مزرعته وهو باقي في المزرعة، ويستدين صاحب السيارة من شخص ويرهن السيارة والسيارة بيد صاحبها

قوله (واستدامته شرط) هذه زيادة على القبض، أي: استدامة القبض شرط في اللزوم، فلو قبضه المرتهن لمدة يوم أو أسبوع، ثم رده على الراهن زال اللزوم، لأن الاستمرار شرط للصحة

مثال ذلك: رجل رهن سيارته عند إنسان بدين عليه، وقبضها المُرتهن صاحب الدين، وبعد مضي شهر أتى إليه الراهن، وقال: أرجو أن تعطيني السيارة، لأني أحتاجها وهي عندك واقفة لا تستفيد منها، فردها المرتهن إلى الراهن، ففي هذه الحال يزول لزوم الرهن، وللراهن أن يتصرف في السيارة، هذا على حد قول المؤلف، ولهذا قال المؤلف رحمه الله (فإن أخرجه إلى الراهن باختياره زال لزومه، فإن رده إليه عاد لزومه إليه) وكل هذا مبني على أن القبض شرط في لزوم الرهن، وأن استدامته شرط كذلك

وقوله (باختياره) أي: إن أخرجه مكرهاً فاللزوم باق

مثاله: أتى الراهن إلى المرتهن بعد أن سلمه الرهن وقال: لتعطيني رهني أو لأقتلنك، وهو قادر على ذلك، فقال المرتهن: خذ الرهن، فإن اللزوم يبقى، لأنه مكره

ولو أن المرتهن قال له أخوه: أعط الراهن سيارته لينتفع بها وهي برهنها، فمن أجل أخيه أعطى الراهن سيارته، فلا يبقى اللزوم، لأنه غير مكره من أخيه

ولو فرض أن المرتهن أراد أن يسافر فرد الرهن إلى الراهن على أنه وديعة عنده وأنه نائب منابه، فاللزوم على رأي المؤلف يزول لأنه رده إلى الراهن، وقد أطلق المؤلف ولم يشترط إلا شرطاً واحدا وهو (باختياره) وعلى رأي المؤلف لو تصرف فيه الراهن ببيع ونحوه فتصرفه حلال، لأن اللزوم زال، وهذا مما يدل على بطلان هذا القول، لأن القول إذا لزم منه شيء ينكر دل ذلك على بطلانه

والصواب: خلاف هذا فليس قبض الرهن شرطاً ولا استدامته شرطا

قوله (ولا ينفذ تصرف واحد منهما فيه) أي: لو أن الراهن أو المرتهن، تصرف فيه بأي تصرف فإنه لا ينفذ، لأن الراهن مشغول بحق غيره، وتصرفه فيه إبطال لحق الغير، والمرتهن لا يملك التصرف، لأنه ليس مالكاً ولا قائماً مقام المالك، فالرهن ملك للراهن له غُنمه وعليه غُرمه، فلا يصح أن يتصرف الراهن، ولا المرتهن في المرهون

وظاهر كلام المؤلف سواء كان هذا التصرف نقلاً لملكية العين أو لمنافعها، فالراهن لا يبيع المرهون ولا يؤجره، بل يبقى الرهن معطلاً إذا امتنع كل منهما أن يأذن للآخر

فلو أن شخصاً رهن بيتاً في دين، والدين مئة ألف، والبيت تساوي أجرته عشرين ألف، فطلب الراهن من المرتهن أن يؤجر البيت لينتفع بالأجرة فأبى المرتهن، أو طلب المرتهن من الراهن أن يؤجر البيت فأبى الراهن، فإن البيت يبقى معطلاً لا ينتفع به، وهذا القول فيه شيء من إضاعة المال

والصواب: أنه إذا طلب أحدهما عقداً لا يُضرُ بحق المرتهن فإن الواجب إجابته، وأن الممتنع منهما يجبر على استغلال هذا النفع

فإذا قال الراهن: أنا أريد أن أؤجر البيت وأنتفع بالأجرة، عشرون ألفاً تمثل قسطاً كبيرا من الدين الذي علي، وأبى المرتهن، فإنه يجبر على الموافقة بشرط أن يكون على وجه لا يضيع به حق المرتهن، وإلا فلا، مثل أن يطلب الراهن تأجيره على من يضع به أغنام، فتفسد البيت من دهان وبلاط وزجاج، وما أشبه ذلك، فللمرتهن أن يمتنع، لأن ذلك يضر به، إذ أن هذا المرهون عند بيعه سوف ينقص ثمنه، فله أن يمتنع

قوله (بغير إذن الآخر) أي: إذا أذن أحدهما للثاني أن يتصرف فإنه جائز، والأجرة تكون تبعاً للرهن تحفظ حتى يحل الدين، ثم يسقط قدرها من الدين

قوله (إلا عتق الراهن فإنه يصح مع الإثم وتؤخذ قيمته رهناً مكانه) يعني إلا عتق الراهن للمرهون، فإنه ينفذ، ويعتق العبد المرهون، مع الإثم، ويُضَمن الراهن قيمته، وتكون رهناً مكانه

مثال ذلك: رجل استدان من شخص خمسين ألفا، وأرهنه عبده، ثم إن الراهن أعتق العبد، يقول المؤلف: إعتاقه العبد حرام، لكن العتق ينفذ، وهذا رأي المذهب، فهو حرام، لأن تصرفه يسقط به حق المرتهن، وهذا التصرف نافذاً، لأن العتق مبني على السراية والتغليب، ولأن الشارع متشوف إلى العتق ويحث عليه ويرغب فيه

ولم يقل يؤخذ ثمنه، لأنه لم يبعه، فيقوم هذا العبد ثم تجعل القيمة رهناً مكانه

أما لو باع الراهن هذا العبد ولم يعتقه، فهذا يحرم ولا يصح، ونفُذ العتق مع التحريم

والعلة قوة سريان العتق، لكن هذا القول ضعيف جدا

والصواب: أن عتقه حرام، ولا يصح، لأن في تنفيذه إسقاطاً لحق المرتهن، ولا ينفذ، لأنه أمر ليس عليه أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، وكيف يتقرب إلى الله بمعصيته

وقوة سريان العتق، ما لم يبطل به حق الغير، وإذا بطل فلا يجوز

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

18-05-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي