الدرس الثالث عشر: المسح على الخفين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 15 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2600 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

درس اليوم هو المسح على الخفين

تحدثنا في الدرس الماضي عن فروض الوضوء وصفته

والمسح على الخفين حكم يتعلق بأحد أعضاء الوضوء

والخفان ما يلبس على الرجل من الجلود ويلحق بها ما يلبس عليها من الكتان والصوف وشبه ذلك من كل ما يلبس على الرجل ما تستفيد منه بالتسخين وسمي الخف بهذا الاسم لخفته والجوارب ما يكون من غير الجلد فالخف كالكنادر والجوارب كالشراب الآن

والمسح لغة إمرار اليد على الشيء

وشرعاً: إصابة البلة لحائل مخصوص في زمن مخصوص

والخف واحد الخفاف التي تلبس على الرجل

وشرعاً الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه

والمسح رخصة وهي لغة الانتقال من صعوبة إلى سهولة

وشرعاً ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح

وفي الحديث: إن الله يحب أن يؤخذ برخصه

والعزيمة وهي لغة القصد المؤكد

وشرعاً حكم ثابت بدليل شرعي خال عن معارض راجح

والفرق بينهما أن الرخصة ما جاء على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح

والعزيمة ما جاء على وفق دليل شرعي خال عن معارض راجح

ومن محاسن ديننا الإسلامي وشريعتنا المطهرة جواز المسح على الخفين رحمة بنا وشفقة وتسهيلاً لأداء ما نؤديه لربنا وخالقنا من عبادة

فشريعتنا الإسلامية ليس فيها أغلال ولا آصار ولا ضيق ولا حرج فلربنا الحمد على ذلك

والدليل على جوازه من الكتاب قوله تعالى "وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" على قراءة الجر

ومن السنة دلت عليه الأحاديث الصحيحة المستفيضة المتواترة في مسحه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر وأمره بذلك وترخيصه فيه

قال الحسن حدثني سبعون من أًصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، وقال النووي روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة

ويأتي قول الإمام أحمد ليس في نفسي من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم

وقال ابن المبارك وغيره ليس في المسح على الخفين بين الصحابة اختلاف وهو جائز

ونقل ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على جوازه واتفق عليه أهل السنة والجماعة

وقال ابن القيم: صح في الحضر والسفر ولم ينسخ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال الناظم

مما تواتر حديث من كذب***ومن بنى لله بيتا واحتسب

ورؤية شفاعة والحوض***ومسح خفين وهذي بعض

والأفضل للابس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خفيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلا يسن أن يلبس خفاً ونحوه ليمسح ولا يتحرى لبس الخف ليمسح إنما كان عليه الصلاة والسلام يغسل قدميه إن كانتا مكشوفتين ويمسح إذا كان لابساً للخف

قال ابن القيم ولم يكن صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي عليهما قدماه بل إن كانت في الخف مسح عليهما وإن كانت مكشوفتين غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه

لحديث المغيرة بن شعبة قال" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين " فمسح عليهما . متفق عليه

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فبال وتوضأ ومسح على خفيه . الحديث مختصر من صحيح مسلم

ومدة المسح يوم وليلة للمقيم وللمسافر ثلاثة بلياليهن لحديث على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن . أخرجه مسلم

والعبرة بالمسح وليس بالحدث، مثال ذلك: رجل توضأ لصلاة الفجر ولبس الخفين وبقي على طهارته إلى الساعة التاسعة ضحى ثم أحدث ولم يتوضأ وتوضأ في الساعة الثانية عشر فمدة المسح تبدأ من الساعة 12 وليس التاسعة ولا عبرة بعدد الصلوات فلا نقول خمس صلوات بل قد تصل إلى أكثر من ذلك فلو لبس بعد صلاة الفجر ولم يمسح إلا لصلاة الفجر اليوم الثاني فمنها تبدأ المدة أي من اليوم الثاني

ومن شروط المسح على الخفين أن يكون في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر

ثانياً: أن يكون المسح على طاهر والطاهر ضد النجس والمتنجس والنجس نجس العين كما لو كانت الخفاف من جلد حمار فلا يجوز المسح عليها والمتنجس كما لو كانت من جلد بعير لكن أصابتها نجاسة إلا أن المتنجس إذا طهر جاز أن تصلي به

والطاهر يطلق على طاهر العين فيخرج به نجس العين ويطلق على ما لم تصبه نجاسة

ثالثاً: ويشترط للمسح على الخفين وما يقوم مقامهما من الجوارب ونحوها أن يكون الإنسان حال لبسها على طهارة من الحدث لما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أراد نزع خفيه وهو يتوضأ: دعهما فإني أدخلتها طاهرتين" وحديث "أمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناها على طهر " وهذا واضح الأدلة على اشتراط الطهارة عند اللبس للخفين فلو كان حال لبسهما محدثاً لم يجز المسح عليهما

رابعاً: أن يكون الممسوح عليه مباحاً

والمباح احترازاً من المحرم والمحرم نوعان

أولاً: محرم لكسب كالمغصوب والمسروق

ثانياً: محرم لعينه كالحرير للرجل

وكذا لو اتخذ شراباً فيها صور فهذا محرم ولا يقال إن هذا من باب ما يمتهن لأن هذا من باب اللباس واللباس الذي فيه صور حرام بكل حال فلو كان الشراب فيه صورة أسد فلا يجوز المسح عليه

والمسح رخصة فلا تستباح بالمعصية وكلا هذين النوعين لا يجوز المسح عليهما

خامساً: يشترط في صحة المسح على الخفين أن يكون ساتراً للمفروض فلا يمسح عليه إذا لم يكن ضافياً مغطياً لما يجب غسله بأن لا يكون نازلاً عن الكعب

سادساً: أن يكون في حدث أصغر

ويجوز المسح على عمامة الرجل

ويشترط لها ما يشترط للخف من طهارة العين وأن تكون مباحة فلا يمسح على عمامة فيها صورة أو عمامة حرير

ولا يجوز للمرأة إذا لبست العمامة أن تمسح عليها لأن لبسها حرام لما فيه من التشبه بالرجال وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال

ويجوز للمرأة أن تمسح على خمارها إذا خافت من برد أو نحوه وإلا فلا فإن أم سلمه كانت تمسح على خمارها قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية

فالعمامة والخف والخمار إنما تمسح في الحدث الأصغر دون الأكبر والدليل على ذلك حديث صفوان بن عسال قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم

ويجوز المسح على الجبيرة في الحدث الأصغر والأكبر

والجبيرة فعيلة بمعنى فاعلة وهي أعواد توضع على الكسر ليتلائم ثم يربط عليها والآن بدلها الجبس

والدليل على جواز المسح على الجبيرة

أولاً: أن المسح على الجبيرة من باب الضرورة والضرورة لا فرق فيها بين الحدث الأصغر والأكبر بخلاف المسح على الخفين فهو رخصة

ثانياً: أن هذا العضو الواجب مسحه ستر بما يسوغ ستره به شرعاً فجاز المسح عليه كالخفين

ثالثاً: أن المسح ورد التعبد به من حيث الجملة فإذا عجزنا عن الغسل انتقلنا إلى المسح كمرحلة أخرى

وهذا ما عليه جمهور العلماء

وقال العلماء رحمهم الله: إن الجرح ونحوه إما أن يكون مكشوفاً أو مستوراً فإن كان مكشوفاً فالواجب غسله بالماء فإن تعذر فالمسح للجرح فإن تعذر المسح فالتيمم وهذا على الترتيب

وإن كان مستوراً بما يسوغ ستره به فليس فيه إلا المسح فقط فإن ضره المسح مع كونه مستوراً فيعدل إلى التيمم كما لو كان مكشوفاً

وهذا ما ذكره العلماء رحمهم الله في هذه المسألة ولا يجمع بين المسح والتيمم

ولا يشترط للجبيرة كمال الطهارة لأن المسح عليها عزيمة وضرورة ولأنها تأتي مفاجأة ليست كالخف متى شئت لبسته وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية

والمسح يكون على جميع الجبيرة

والفرق بين الجبيرة وبقية الممسوحات

أولاً: أن الجبيرة لا تختص بعضو معين والخف يختص بالرجل والعمامة والخمار يختصان بالرأس

ثانياً: أن المسح على الجبيرة جائز في الحدثين وباقي الممسوحات لا يجوز إلا في الحدث الأًصغر

ثالثاً: أن المسح على الجبيرة غير مؤقت وباقي الممسوحات مؤقته

رابعاً: أن الجبيرة لا تشترط لها طهارة وبقية الممسوحات لا تلبس إلا على طهارة

ويجوز إذا طهر اليمنى أن يلبس الخف ثم يطهر اليسرى ثم يلبس الخف وهذا اختيار شيخ الإٍسلام

ومن مسح في سفره ثم أقام فإنه يتم مسح مقيم إن بقي من المدة شيء وإن انتهت المدة خلع

مثاله: مسافر أقبل على بلدة وحان وقت الصلاة فمسح ثم وصل إلى البلد فإنه يتم مسح مقيم لأن المسح ثلاثة أيام لمن كان مسافراً والآن انقطع السفر فكما أنه لا يجوز له قصر الصلاة لما وصل إلى بلده فكذا لا يجوز له أن يتم مسح مسافر

فإن كان مضى على مسحه يوم وليلة ثم وصل إلى بلده فإنه يخلع وإن مضى يومان خلع وإن مضى يوم بقي له ليلة

وإن مسح وهو مقيم ثم سافر يتم مسح مسافر لأنه وجد السبب الذي يستبيح به هذه المدة

وإذا دخل عليه الوقت ثم سافر فإنه يصلي صلاة مسافر كما أنه إذا دخل عليه الوقت وهو مسافر ثم وصل إلى بلده فإنه يتم

ويجوز المسح على اللفافة وهو اختيار شيخ الإٍسلام

وأخيراً الدليل على مسح الجبيرة حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها . رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن السكن

محل المسح من الحوائل

يمسح ظاهر الخف والجوارب ويمسح أكثر العمامة ويمسح على جميع الجبيرة

وصفة المسح على الخفين أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثم يمرهما إلى ساقه

يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى والرجل اليسرى باليد اليسرى ويفرج أصابعه إذا مسح ولا يكرر المسح قال ذلك الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

وفقنا الله للعلم النافع والعمل الصالح

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -14

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر