الدرس الثاني والعشرون: باب الحيض

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 21 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2016 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الحيض في اللغة: السيلان

يقال حاض الوادي إذا سال

وسال يسيل سيلاً وسيلاناً: جرى

وحيضان السيول ما سال منها

ومنه حاضت الشجرة إذا سال منها شبه الدم وهو الصمغ الأحمر

ودم الحيض سمي حيضاً لسيلانه من رحم المرأة في أوقاته المعتاده

ويقال حاضت المرأة حيضاً ومحيضاً فهي حائض وحائضة إذا جرى دمها

وتحيضت أي تعدت أيام حيضها

واستحيضت استمر بها الدم بعد أيامها على سبيل النزف

وقال بعض أهل اللغة: الحيض دم يخرج في أوقاته بعد بلوغها

والاستحاضة دم يخرج في غير أوقاته فدم الحيض يخرج من قعر الرحم أسود محتدم أي حار كأنه محترق

وأما الاستحاضة فهو من مرض وفساد من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى العاذل

وأما دم النفاس فهو الدم الخارج بعد فراغ الرحم

وفي الشرع: دم طبيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة

وذكروا أنه يحيض من الحيوانات أربع

المرأة والضبع والأرنب والخفاش، زاد بعضهم فقال

إن اللواتي يحضن الكل قد جمعت***في ضمن بيت فكن ممن لهن يعي

امرأة ناقة مع أرنب وزغ***وكلبة فرس خفاش مع ضبع

والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع

قال تعالى "ويسألونك عن المحيض ..." الآية

والسنة: مستفيضة وكذا الإجماع

وقال أحمد الحيض يدور على ثلاثة أحاديث

حديث فاطمة وأم حبيبة وحمنة وفي رواية أم سلمة بدل أم حبيبه

والحيض خلقه الله تعالى لحكمة غذاء الولد

ولهذا لا تحيض الحامل في الغالب لأن هذا الدم بإذن الله ينصرف إلى الجنين عن طريق السرة ويتفرق في العروق يتغذى به إذ أنه لا يمكن أن يتغذى بالأكل والشرب في بطن أمه لأنه لو تغذى بالأكل والشرب لاحتاج إلى الخروج

ثم إنه لو شاركها في غذائها لضعفت قواها ولكن جعل الله له فضلة من فضلاتها مخلوقة من مائها

فإذا حملت انصرفت تلك بإذن الله إلى غذائه فلذلك قيل إن الحامل لا تحيض وقد تحيض لاحتباس البعض وخروج البقية وهو الصواب

فإذا وضعت قلبه الله لبنا يتغذى به الولد ولذلك قل أن تحيض المرضع

فإذا خلت من حمل ورضاع بقي لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج من الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد يزيد على ذلك ويقل

قال النووي والنساء على أربعة أضرب

طاهر وهي ذات النقاء

وحائض وهي من ترى الحيض في زمنه بشرطه

ومستحاضة وهي من ترى الدم على أثر الحيض على صفة لا يكون حيضاً

وذات الفساد وهي من يبتدئها دم لا يكون حيضاً

والمعروف عند الفقهاء أن له حد يبدأ بتسع وينتهي بخمسين ودليلهم العادة والصحيح أنه ليس له حد إلا أن الفقهاء يعتمدون على الغالب

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن المنذر وجماعة من أهل العلم أنه لا صحة لهذا التحديد وأن المرأة متى رأت الدم المعروف عند النساء أنه حيض فهو حيض

والدليل على ذلك ما يلي

أولاً: عموم قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى" فقوله " قل هو أذى" حكم معلق بعلة وهو الأذى فإذا وجد هذا الدم الذي هو الأذى وليس دم العرق فإنه يحكم بأنه حيض

وصحيح أن المرأة قد لا تحيض غالباً إلا بعد تمام تسع سنين لكن النساء يختلفن فالعادة خاضعة لجنس النساء وأيضاً للوراثة فمن النساء من يبقى عليها الطهر أربعة أشهر ويأتيها الحيض لمدة شهر كامل كأنه والله أعلم ينحبس ثم يأتي جميعاً

ومن النساء من تحيض في الشهر ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة أو عشرة

ثانياً: قوله تعالى "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن" أي عدتهن ثلاثة أشهر

ولم يقل واللائي بلغن خمسين سنة بل قال واللائي يئسن من المحيض فالله سبحانه رد هذا الأمر إلى معقول معلل

والله علق نهاية الحيض باليأس وتمام الخمسين لا يحصل به اليأس إذا كانت عادتها مستمرة وإن كان هو الغالب

فتحديد أوله بتسع سنين وآخره بخمسين سنة لا دليل عليه

والصواب أنه متى وجد الحيض ثبت حكمه ومتى لم يوجد لم يثبت له حكم

ويمكن أن يوجد قبل تسع سنين وبعد الخمسين وهذا يشهد له الواقع

فإن قيل هل العادة أن يذكر القرآن السنوات بأعدادها ؟

الجواب: نعم قال تعالى "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة " ولو كانت مدة الحيض معلومة بالسنوات لبينه الله تعالى لأن التحديد بالخمسين أوضح من التحديد بالأياس

وكذلك تحديد مدة الحيض بأن أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً غير صحيح إذ لا دليل على ذلك

والصحيح أن غالبه ست أو سبع لثبوت السنة به حيث قال صلى الله عليه وسلم للمستحاضة" تحيض في علم الله ستاً أو سبعاً" من حديث حمنة بنت جحش . أخرجه أحمد

ولا تحديد للطهر بين الحيضتين

والقول بأن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً غير صحيح لأن من النساء من تكون حيضها أقل من يوم وليلة والطهر بين الحيضتين أقل من ثلاثة عشر يوماً ولا حد لأكثر الطهر بين الحيضتين لأنه وجد من النساء من لا تحيض أصلاً

وتقضى الحائض الصوم لا الصلاة ولا يصحان منها بل يحرمان

والدليل على ذلك أن كل ما لا يصح فهو حرام وليس كل حرام فاسد لكن كل فاسد حرام قال صلى الله عليه وسلم: كل شرط في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط

ويحرم وطؤها في الفرج

والحرام ما نهي عنه على سبيل الإلزام بالترك وحكمه يثاب تاركه امتثالاً ويستحق العقاب فاعله

والدليل على ذلك قوله تعالى"ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن" ويستمتع بها بما دونه أي دون الفرج

وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق

والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة ويجوز وطئها وهو القول الصحيح بدليل

أولاً: قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم

ثانيا: أن الصحابة رضي الله عنهم الذين استحيضت نساؤهم وهن حوالي سبع عشرة امرأة لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً منهم أن يعتزل زوجته

ثالثاً: البراءة الأًصلية وهي الحل

رابعاً: أن الحيض ليس كدم الاستحاضة

النفاس: آخر الدماء لأن الدماء ثلاثة حيض واستحاضة ونفاس وبعضهم يزيد دماً رابعاً دم فساد وبعضهم يدخل دم الفساد في دم الاستحاضة

والنفاس بكسر النون من نفس الله كربته فهو نفاس لأنه نفس للمرأة به يعني لما فيه من تنفيس كربة المرأة

ولا شك أن المرأة تتكلف عند الحمل وعند الولادة قال تعالى" حملته أمه وهناً على وهن " وقال تعالى "حملته أمه كرهاً ووضعته كرها

والنفاس: دم يخرج من المرأة عند الولادة أو معها أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق

والنفاس دم ترخيه الرحم للولادة وبعدها وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل

قال الترمذي: أجمع أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي. أ.هـ

واللجنة الدائمة برئاسة ابن باز رحمه الله ترى أن المرأة إذا اسقطت في الأشهر الثالثة الأولى فالدم يعتبر دم استحاضة تصلي وتصوم أما في الشهر الرابع فالدم دم نفاس تتوقف عن الصلاة حتى يتوقف الدم أ.هـ

وإذا نفست المرأة فقد لا ترى الدم وهذا نادر جداً وعلى هذا لا تجلس مدة النفاس

والمذهب أكثر مدة النفاس أربعون يوماً

واستدلوا بما روي عن أم سلمه رض الله عنها قالت "كانت النفساء تجلس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدة أربعين يوماً " وهذا الحديث أثنى عليه البخاري

وإذا طهرت قبل الأربعين جاز وطئها وقول من قال بالكراهة قول يحتاج إلى دليل

كما أفتت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز رحمه الله بأن طلاق الحائض لا يقع

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -20

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر