الدرس الثالث والعشرون: كتاب الصلاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 22 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2402 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

حكمة مشروعيتها

ما تقدم من مباحث الطهارة إنما هو وسيلة للصلاة وهذه الوسائل كلها منافع للمجتمع الإنساني لأن مدارها على نظافة الأبدان وطهارة أماكن العبادة من الأقذار التي تنشأ عنها الأمراض والروائح القذرة

وفي بعض الوسائل ما قد يخلو عن هذا المعنى ولكن ذلك لحكمة ظاهرة

وهي أن الغرض من العبادات إنما هو الخشوع لله سبحانه باتباع أوامره واجتناب نواهيه

أما الصلاة فهي أهم أركان الدين الإسلامي

فقد فرضها الله سبحانه على عباده ليعبدوه وحده ولا يشركوا معه من خلقه في عبادته قال تعالى "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " أي فرضاً محدوداً بأوقات لا يجوز الخروج عنها

وينبغي أن يعرف الناس أن الغرض الحقيقي من الصلاة إنما هو إشعار القلب بعظمة الإله الخالق حتى يكون منه على وجل فيأتمر بأمره وينتهي عما نها عنه وفي ذلك الخير كله للنوع الإنساني

فالغرض الحقيق من الصلاة إنما هو تعظيم الإله فاطر السموات والأرض بالخشوع له والخضوع لعظمته الخالدة وعزته الأبدية

فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي تلك الصلاة التي يكون العبد فيها معظماً ربه خائفاً منه راجياً رحمته والصلاة هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين وأفضل الأعمال بعدهما لكونها وضعت على أكمل وجوه العبادة وأحسنها ولجمعها لمتفرق العبودية وتضمنها لأقسامها وهي أول ما يشترطه صلى الله عليه وسلم بعد التوحيد لأنها رأس العبادة البدنية والعبودية هي كمال الإنسان وقربه من الله بحسب قربه من عبوديته وهي دين الأمة ضرورة ولم تخل منها شريعة مرسل

وسئل شيخ الإٍسلام هل كانت الصلاة على من قبلنا من الأمم مثلنا ؟

فقال كانت لهم صلوات في هذه الأوقات لكن ليست مماثلة لصلاتنا في الأوقات والهيئات وغيرهما أ.هـ

وكانت قبل صلاتين قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وقيل كانت الظهر لداود والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب والعشاء ليونس والصبح لآدم

ونظمه بعضهم بقوله

لآدم صبح والعشاء ليونس***وظهر لداود وعصر لنجله

ومغرب يعقوب كذا شرح مسند***لعبد كريم فاشكرن لفضله

وقيل غير ذلك

تعريف الصلاة

الصلاة في اللغة: الدعاء وشاهد ذلك قوله تعالى "وصلي عليهم إن صلاتك سكن لهم " أي أدع لهم

وفي الشرع: هي التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم

وكما أسلفت القول فالصلاة مشروعة في جميع الملل قال تعالى "يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين" وذلك لأهميتها ولأنها صلة بين العبد وربه

وقد فرضها الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به بدون واسطة

وتأمل كيف أخر الله تعالى فرضيتها إلى تلك الليلة إشادة بها وبياناً لأهميتها لأنها

أولاً: فرضت من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة

ثانياً: فرضت في ليلة هي أفضل الليالي لرسول الله صلى الله عليه وسلم

ثالثاً: فرضت في أعلى مكان يصل إليه البشر

رابعاً: فرضت خمسين صلاة وهذا يدل على محبة الله لها وعنايته بها سبحانه وتعالى لكن خففت فجعلت خمساً بالفعل وخمسين بالميزان غير الخمسين التي الحسنة بعشر أمثالها

لأنه لو كان المراد الحسنة بعشر أمثالها لم يكن لها مزية على غيرها من العبادات إذ كل عبادة الحسنة بعشر أمثالها

لكن يكتب للإنسان أجر خمسين صلاة وهذا فضل عظيم من الرب عز وجل بالنسبة لهذه الأمة ولا نجد عبادة فرضت يومياً في جميع العمر إلا الصلاة فالزكاة حولية والصيام حولي والحج عمري

والدليل على وجوبها قوله تعالى " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً" والشاهد قوله "كتاباً" لأن كتاب بمعنى مكتوب والمكتوب بمعنى المفروض قال تعالى: يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام

ومن السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم "وقد بعث معاذاً إلى اليمن أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة . أخرجه البخاري

وتجب على كل مسلم والمسلم هو الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ، هذا هو المسلم الكامل الإسلام ولكن المراد بالمسلم هنا من يشهد أن لا إله إلا الله وأن ومحمداً رسول الله لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل " فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ..... " الحديث

وتجب الصلاة على كل مسلم مكلف

والتكليف في اللغة: إلزام ما فيه مشقة

ولكن في الشرع ليس كذلك لأن الشرع ليس فيه مشقة قال تعالى: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها

وهي في الشرع: إلزام مقتضى خطاب الشرع

والتكليف يتضمن وصفين هما: البلوغ والعقل

فمعنى مكلف أي بالغ عاقل

فغير البالغ وغير العاقل لا تلزمه الصلاة بالدليل الأثري والنظري

أما الأثري: فقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق وعن الصغير حتى يبلغ

أما النظري: فلأنهما ليسا أهلاً للتكليف فإن قلت إذا لم يجب على الصبي صلاة أفليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب على الإنسان أن يأمر ابنه أو بنته بالصلاة لسبع ويضربه عليها لعشر

وهل يضرب الإنسان على شيء لا يجب عليه ؟

فالجواب: أن نقول أما بالنسبة لإلزام الوالد بأمر أولاده وضربهم فلأن هذا من تمام الرعاية والقيام بالمسؤلية والأب أهل للمسؤلية لا لأن الصبي تجب عليه الصلاة بل للتدريب فيضرب ضرباً غير مبرح للتدريب لا للتعذيب

ولو كان الصبي له ست سنوات لكنه فطن وذكي فظاهر الحديث أنه لا يأمره لأن الشارع حدها بالسبع لأن الغالب يكون بها التمييز

والحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة بدليل أثري وإجماعي

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" والنفساء كالحائض في ذلك بالإجماع والعلماء مجمعون على أن الحائض والنفساء لا تلزمهما الصلاة ولا يلزمهما قضاء إلا الصوم

والنائم يقضي الصلاة بالنص والإجماع

أما النص فهو قولي وفعلي

فالقولي قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " أخرجه مسلم

فأما الفعلي فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الصلاة "صلاة الفجر" حين نام عنها في السفر. أخرجه البخاري

فإذا يقضي من زال عقله بنوم

والمغمى عليه لا يقضي إلا إذا كان أقل من ثلاثة أيام إحتياطاً

فالنائم يستيقظ إذا أوقظ وأما المغمى عليه فإنه لا يشعر وأيضاً النوم كثير ومعتاد فلو قلنا إنه لا يقضي أي النائم لسقط عنه كثير من الفروض لكن الإغماء يحصل مرة واحدة أحياناً في عمر الإنسان فقد يسقط من شيء عال فيغمى عليه وقد يصاب بمرض فيغمى عليه

وأما قضاء عمار إن صح عنه فإنه يحمل على الاستحباب أو الورع وما أشبه ذلك

وإن قال قائل أو ليس علياً أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن قلنا أو ليس عبد الله بن عمر أغمي عليه ثلاثة أيام ولياليها فلم يقضها ولكن الأحوط أن يقضي إذا كان أقل من ثلاثة أيام نص على ذلك ابن باز رحمه الله

مسألة: من زال عقله ببنج فإنه يقضي لأن هذا وقع باختياره والغالب في البنج أنه لا تطول مدته

ومن زال عقله بسكر فإنه يقضي فإذا كان سكره محرماً فلا شك في القضاء لأنه حصل باختياره ولأنه غير مأذون له بذلك ولأننا لو أسقطنا عنه قضاء الصلاة وهو من أهل شرب الخمر فإنه كلما أراد ألا يصلي شرب المسكر فحصل على جنايتين على شرب المسكر وعلى ترك الصلاة

فإن قلت أليس الله يقول " يا أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" ؟

فالجواب: من وجهين

الوجه الأول: أن هذا كان وقت حله

الوجه الثاني: أن الله قال "حتى تعلموا ما تقولون" أي فإذا علمتم ما تقولون فافعلوها أداء إن كان في وقتها أو قضاءاً إن كان بعد الوقت

ولهذا كان الأئمة الأربعة متفقين على أن من زال عقله بسكر فإنه يقضى

مسألة: رجل سكر بدون أن يعلم أن ما شربه مسكر ؟

الجواب: يقضى لأن هذا مفعول باختيار الفاعل لكنه يسقط عنه الإثم لأنه لم يعلم به

مسألة: ما الحكم إذا سكر من البنج أو الدواء ؟

الجواب: إن زال عقله بفعله فعليه القضاء وإن كان بغير اختياره فلا قضاء عليه

ولا تصح الصلاة من مجنون ولا كافر ولا هرم

فلا تصح من مجنون لعدم القصد لأن المجنون لا قصد له ومن لا قصد له لا نية له ومن لا نية له لا عمل له لقوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات

وإن صلى الكافر فمسلم حكماً أي أننا نحكم بإسلامه ولكنه مسلم حكماً لا حقيقة حتى وإن لم ينو الإسلام بما فعله

وفائدته أننا إذا حكمنا بإٍسلامه طالبناه بلوازم الإسلام فيرث أقاربه المسلمين ويرثونه وإن قال فعلته استهزاء فنعتبره مرتداً

والفرق بين كونه مرتداً وبين كفره الأصلي أن كفر الردة لا يقر عليه بخلاف الكفر الأًصلي فيقر عليه فكفر الردة يطالب بالإسلام فإن أسلم وإلا قتلناه

ويؤمر للصلاة من أتم سبعاً مع لوازمها من الطهارة وغيرها من الواجبات ويضرب حتى يصلي في كل وقت إذا أتم عشراً والضرب باليد أو الثوب أو العصا ويشترط فيه ألا يكون ضرباً مبرحاً لأن المقصود تأديبه لا تعذيبه

ومن بلغ أثناء الصلاة أو بعدها لم يعدها وكذا الصوم حيث لم يحفظ عن الصحابة أنهم يأمرون من بلغ أثناء الوقت بالإعادة

ويحرم تأخيرها عن وقتها إلا لناو الجمع ممن يحل له أن يجمع لأن الله قال "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا" وإذا كانت مفروضة في الوقت فتأخيرها عن وقتها حرام

والصواب: لا يجوز أن يؤخرها عن وقتها مطلقاً وأنه إذا خاف خروج الوقت صلى على حسب حاله وهذا اختيار شيخ الإسلام والذي يستثنى شيء واحد وهو ناو الجمع وهو تأخير صوري

ولا يكفر إلا بترك الصلاة دائماًً فإن كان يصلي فرضاً أو فرضين فإنه لا يكفر وذلك لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة

فهذا ترك صلاة لا الصلاة ولأن الأًصل بقاء الإسلام فلا نخرجه منه إلا بيقين لأن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين فأصل هذا الرجل المعين مسلم

وقول الإمام أحمد بتكفير تارك الصلاة كسلاً هو القول الراجح

والأدلة تدل عليه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف والنظر الصحيح

أما الكتاب فقوله تعالى" فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين" أما تارك الزكاة فمن العلماء من التزم بذلك وقال بأنه كافر وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ولكن يمنع هذا القول ما ثبت في صحيح مسلم

فيمن آتاه الله مالاً من الذهب والفضة ولم يؤد الزكاة ثم يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. أخرجه مسلم

وهذا يدل على أنه ليس بكافر إذ لو كان كذلك لم يجد سبيلاً إلى الجنة

وأما الدليل من السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بين الرجل و بين الشرك والكفر ترك الصلاة

وقال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر

أما أقوال الصحابة فإنها كثيرة رويت عن 16 صحابياً منهم عمر بن الخطاب

ومسألة: لا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً

هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم وعن الإمام أحمد روايتان

الصواب: أن هذا يرجع إلى اجتهاد الحاكم وشيخ الإسلام يسلك هذا المسلك أحياناً

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -21

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر