الدرس الرابع والعشرون: مسائل في الصلاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 22 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 1958 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل يفسق ويشرب الخمر ويصلي الصلوات الخمس وقد قال صلى الله عليه وسلم "كل صلاة لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد صاحبها من الله إلا بعداً" ؟

فأجاب: هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه

وبكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بعدا بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي ، وأقرب إلى الله منه ، وإن كان فاسقا لكن قال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها حتى قال إلا عشرها فإن الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر وإذا لم تنهه دل على تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعا وقد قال تعالى "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة" الآية

وإضاعتها التفريط في واجباتها وإن كان يصليها والله أعلم

وسئل عن أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار لأشغال لهم من زرع أو حرث أو جنابة أو خدمة استاذ أو غير ذلك فهل يجوز لهم ذلك ؟

فأجاب: لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل، ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغل من الأشغال، إلى أن قال

بل المسلمون كلهم متفقون على أن عليه أن يصلي الظهر والعصر بالنهار، ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس، ومن أخرها لصناعة أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب فإن تاب والتزم أن يصلي في الوقت ألزم بذلك، وإن قال لا أصلي إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة أو غير ذلك، فإنه يقتل

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله. وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله

والنبي صلى الله عليه وسلم كان أخر صلاة العصر يوم الخندق لاشتغاله بجهاد الكفار، ثم صلاها بعد المغرب، فأنزل الله تعالى: حَـافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الوسطى صلاة العصر فلهذا قال جمهور العلماء إن ذلك التأخير منسوخ بهذه الآية، فلم يجوزوا تأخير الصلاة حال القتال، بل أوجبوا عليه الصلاة في الوقت حال القتال

وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه

فمن قال أصلي الظهر والعصر بالليل، فهو باتفاق العلماء بمنزلة من قال أفطر شهر رمضان وأصوم شوال

فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله، فإن كان محدثا وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله تيمم وصلى وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد

وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانا، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه

وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله

وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب فالمريض باتفاق العلماء يصلي في الوقت قاعدا أو على جنب، إذا كان القيام يزيد في مرضه، ولا يصلي بعد خروج الوقت قائما

وكذلك يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض، ونحو ذلك من الأعذار

ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا يصلي فيه ولا يعيد وهذا أصح أقوال العلماء

وكذلك من نسي الطهارة وصلى بلا وضوء فعليه أن يعيد ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من توضأ وترك لمعة في قدمه لم يمسها الماء أن يعيد الوضوء والصلاة
وكذلك إذا كان البرد شديدا ويضره الماء البارد ولا يمكنه الذهاب إلى الحمام أو تسخين الماء حتى يخرج الوقت فإنه يصلي في الوقت بالتيمم

والمرأة الحائض إذا انقطع دمها في الوقت ولم يمكنها الاغتسال إلا بعد خروج الوقت تيممت وصلت في الوقت

ومن ظن أن الصلاة بعد خروج الوقت بالماء خير من الصلاة في الوقت بالتيمم فهو ضال جاهل

وإذا استيقظ آخر وقت الفجر فإذا اغتسل طلعت الشمس فجمهور العلماء هنا يقولون: يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس ، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، وأحد القولين في مذهب مالك

والصحيح قول الجمهور لأن الوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها

فالوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ

وسئل عن العمل الذي لله بالنهار لا يقبله بالليل والعمل الذي بالليل لا يقبله بالنهار ؟

فأجاب: وأما عمل النهار الذي لا يقبله الله بالليل، وعمل الليل الذي لا يقبله الله بالنهار‏

فهما صلاة الظهر والعصر، لا يحل للإنسان أن يؤخرهما إلى الليل

وأما من فوتها متعمدًا فقد أتى كبيرة من أعظم الكبائر، وعليه القضاء عند جمهور العلماء، وعند بعضهم لا يصح فعلها قضاء أصلا، ومع القضاء لا تبرأ ذمته من جميع الواجب، ولا يقبلها الله منه بحيث يرتفع عنه العقاب، ويستوجب الثواب، بل يخفف عنه العذاب بما فعله من القضاء، ويبقي عليه إثم التفويت، وهو من الذنوب التي تحتاج إلى مسقط آخر، بمنزلة من عليه حقان‏ فعل أحدهما، وترك الآخر

قال تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون‏‏

وتأخيرها عن وقتها من السهو عنها باتفاق العلماء قال تعالى "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا " قال غير واحد من السلف إضاعتها تأخيرها عن وقتها

فأخبر الله سبحانه أن الويل لمن أضاعها وإن صلاها

وسئل عن رجل يأمره الناس بالصلاة ولم يصل فمالذي يجب عليه ؟

فأجاب: إذا لم يصل فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل والله أعلم

وسئل عن ترك صلاة واحدة عمداً بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاء فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر ؟

فأجاب: الحمد لله نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمدا من الكبائر بل قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر

وسئل عن مسلم تراك للصلاة ويصلي الجمعة فهل تجب عليه اللعنة ؟

فأجاب: الحمد لله هذا استوجب العقوبة باتفاق المسلمين والواجب عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل

ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز وأما لعنة المعين فالأولى تركها لأنه يمكن أن يتوب والله أعلم

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -21

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر