صفة الحج 1

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 2 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 1970 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فأتقن وشرع فأحكم وهو خير الحاكمين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

أما بعد

عباد الله: في هذه الأيام يستعد من نوى فريضة الحج إلى السفر إلى بيت الله الحرام راجيا من الله مغفرة الذنوب، والآثام آملا الفوز بالنعيم المقيم في دار السلام .

عباد الله: يتوجه هؤلاء في زمان فاضل إلى أمكنة فاضلة ومشاعر معظمة يؤدون عبادة من أجل العبادات لا يريدون بذلك فخرا ولا رياء ولا نزهة ولا طربا وإنما يريدون وجه الله والدار الآخرة فأدوا عباد الله هذه العبادة كما أمرتم من غير غلو ولا تقصير ليحصل لكم ما أردتم من مغفرة الذنوب والفوز بالنعيم المقيم، قوموا في سفركم وإقامتكم بما أوجب الله عليكم من الطهارة والصلاة وغيرهما من شعائر الدين. إذا وجدتم الماء فتطهروا به للصلاة فإن لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، أدوا الصلاة جماعة ولا تتشاغلوا عنها بأشغال يمكنكم قضاءَها بعد الصلاة، صلوا الرباعية قصراً فصلوا الظهر والعصر والعشاء على ركعتين من خروجكم من بلدكم إلى رجوعكم إليها حتى وإن كنتم من أهل مكة ما دام أنكم قد شرعتم في مناسك الحج؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر في الحج ومعه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام إلا أن تصلوا خلف إمام يتم فأتموا أربعا، اجمعوا بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير حسبما يتيسر لكم إن كنتم سائرين أما إن كنتم مقيمين في مكة أو منى أو غيرها فالسنة ألا تجمعوا ، تخلقوا بالأخلاق الفاضلة من الصدق والسماحة وبشاشة الوجه والكرم بالمال والبدن والجاه وأحسنوا إن الله يحب المحسنين واصبروا على المشقة والأذى فإن الله مع الصابرين وقد قيل إنما سمي السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال وإذا وصلتم الميقات فاغتسلوا وتطيبوا في أبدانكم في الرأس واللحية والبسوا ثياب الإحرام غير مطيبة إزاراً ورداء أبيضين للذكور وللنساء ما شئن من الثياب غير متبرجات بزينة ولا تجاوزوا الميقات بدون إحرام، أحرموا من أول ميقات تمرون به لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال "فَهُنَّ لَهُم ولمن أتى علَيهِنَّ من غيرِ أَهْلِهِنَّ " صحيح النسائي للألباني، ومن كان في الطائرة فليتأهب للإحرام ثم يحرم إذا حاذى الميقات قبل مجاوزته، سيروا بعد الإحرام إلى مكة ملبين بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ."رواه البخاري.

يرفع الرجال أصواتهم بذلك أما المرأة فتخفض صوتها، فإذا بلغتم البيت فطوفوا به طواف العمرة سبعة أشواط واعلموا أن جميع المسجد مكان للطواف القريب من الكعبة والبعيد لكن القريب أفضل إذا لم يكن زحام ومشقة فإذا أكملتم الطواف فصلوا ركعتين خلف مقام إبراهيم قريباً منه إن تيسر أو بعيداً ثم اسعوا بين الصفا والمروة سعي العمرة سبعة أشواط تبتدئون بالصفا وتختمون بالمروة ومن سعى قبل الطواف فسعيه غير صحيح إلا يوم العيد فجائز غير أن الأفضل في يوم العيد أن يطوف ثم يسعى فإذا أكملتم السعي فقصروا شعركم من جميع جوانب الرأس وتقصر المرأة من أطرافه بقدر أنملة وبذلك تمت العمرة وحللتم الحل كله إذا كنتم متمتعين فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فأحرموا بالحج من مكانكم الذي أنتم فيه فاغتسلو وتطيبوا والبسوا ثياب الإحرام وسيروا ملبين إلى منى إذا كنتم في غيرها وصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع تصلون الظهر والعصر والعشاء على ركعتين وتؤدون كل صلاة وحدها في وقتها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع فسيروا ملبين إلى عرفة وصلوا بها الظهر والعصر على ركعتين جمع تقديم ثم تفرغوا لذكر الله ودعائه والتضرع إليه مستقبلي القبلة ولو كان الجبل خلفكم، رافعي أيديكم إلى ربكم مؤملين منه إجابة دعائكم ومغفرة ذنوبكم ، وتأكدوا من الوقوف داخل عرفة فإن من الحجاج من ينزلون خارج حدودها ولا يقفون فيها ومن لم يقف بعرفة فلا حج له وعرفة كلها موقف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ،"رواه مسلم. فكل نواحي عرفة موقف إلا بطن الوادي وادي عرنة.

فإذا غربت الشمس فسيروا إلى مزدلفة وصلوا بها المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين وأوتروا وبيتوا بها حتى تصلوا الفجر ثم ادعوا الله سبحانه واستغفروه وكبروه ووحدوه إلى أن تسفروا جداً ثم سيروا إلى منى كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل فإذا وصلتم إلى منى فابدؤوا برمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات كل حصاة أكبر من الحمص قليلاً وخذوها من حيث شئتم إلا من مكان الرمي وكبروا مع كل حصاة ، واعلموا أن الحكمة من رمي الجمرات هي إقامة ذكر الله وتعظيمه ولذلك يكبر الرامي عند رميه ولستم ترمون شياطين كم يظن بعض الناس إنما ترمون هذه الأحجار في هذه الأماكن تعظيماً لله عز وجل واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رميتم فاذبحوا الهدي أن تيسر إذا لم تكونوا مفردين ولا يجزى منه إلا ما يجزئ في الأضحية فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، ويجوز صيام الأيام الثلاثة قبل الطلوع ويجوز في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.

وإذا ذبحتم الهدي المتيسر فاحلقوا رُءُوسكم والنساء يقصرْنَ وإذا رميتم وحلقتم حل لكم كل شيء من محظورات الإحرام إلا النساء فتلبسون ثيابكم وتتطيبون ثم تنزلون إلى مكة فتطوفون بالبيت للحج وتسعون له بين الصفا والمروة وبذلك تحلون الحل كله فيحل لكم جميع محظورات الإحرام حتى النساء.

عباد الله: إن الحجاج يوم العيد يؤدون مناسك عظيمة ولذلك سماه الله يوم الحج الأكبر إنهم يرمون جمرة العقبة الكبرى ثم يذبحون هديهم ثم يحلقون رؤوسهم أو يقصرون ثم يطوفون بالبيت ويسعون بين الصفا والمروة والأكمل أن يفعلوها يوم العيد على هذا الترتيب فإن قدموا بعضها على بعض فلا حرج فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرو رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ. فَقَالَ: رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ, فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلا حَرَجَ. وَجَاءَ آخَرُ, فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ, فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلا حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلا حَرَجَ.رواه البخاري ومسلم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

بيتوا بمنى ليلتين الحادية عشر والثانية عشرة وارموا الجمار الثلاث في اليومين بعد زوال الشمس ابدأوا برمي الجمرة الأولى الشرقية فارموها بسبع حصيات وكبروا مع كل حصاة ثم تقدموا عن الزحام وقفوا مستقبلي القبلة رافعي أيديكم إلى ربكم تدعونه دعاء طويلاً ثم ارموا الجمرة الوسطى بسبع حصيات وكبروا مع كل حصاة ثم تقدموا عن الزحام وادعوا الله دعاء طويلاً وأنتم إلى القبلة رافعي أيديكم ثم أرموا جمرة العقبة بسبع حصيات وكبروا مع كل حصاة وانصرفوا بعد ذلك بدون وقوف للدعاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى ولم يقف بعد رمي جمرة العقبة

ولا ترموا قبل زوال الشمس في الأيام التي بعد العيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرمي فيها إلا بعد الزوال

وارموا بأنفسكم ولا توكلوا أحداً يرمي عنكم لأن الرمي عبادة واجبة على الذكور والإناث فيجب على المرء أن يؤديها بنفسه إلا عند الضرورة مثل أن يكون مريضاً أو كبيراً أو امرأة حامل تخاف على نفسها أو حملها من الزحام فيجوز التوكيل حينئذ فيرمي الوكيل الجمرة الأولى عن نفسه ثم يرميها عن موكله ثم يرمي في الثانية عن نفسه ثم عن موكله ثم يرمي الثالثة عن نفسه ثم عن موكله

فإذا رميتم الجمار في اليوم الثاني عشر فقد تم الحج فمن شاء تعجل فخرج من مخيمه بمنى قبل غروب الشمس ومن شاء تأخر فبات بمنى ليلة الثالث عشر ورمي الجمار من الغد بعد الزوال وهذا أفضل لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أكثر عملاً بحيث يحصل المبيت والرمي في الثالث عشر

وطوفوا للوداع إذا أردتم السفر إلى بلدكم بعد تمام أفعال الحج كلها لأن طواف الوداع ليس بعده شيء من أفعال الحج وهو واجب من واجبات الحج غير إنه يسقط عن الحائض والنفساء أما العمرة فليس لها طواف وداع وإن طاف تنفلاً فلا بأس بشرط ألا تقل عن سبعة أشواط ولا تزيد عليها .

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادنا أو أراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له، اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا ووليَّ عهده لما تحب وترضى وهيئ لهما البطانة الصالحة و انصر جنودنا في الحد الجنوبي.

عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1434-12-1هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي