الاستسقاء 2

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 2 ذو الحجة 1434هـ | عدد الزيارات: 2648 القسم: خطب الاستسقاء

" الحمدُ للهِ ربَّ العالمينَ الرحمنِ الرحيمِ مالكِ يومِ الدِّين " ، لا إله إلا اللهُ يفعلُ ما يشاءُ ، له الحكمُ وإليه ترجعون ، سبحانه أظهرَ العجائبَ في مصنوعاتِه ودلَّ على عظمتِهِ بمخلوقاتِهِ فأمرَ بالتدبُّر والنظرِ في أرضِهِ وسماواتِه " قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ " (يونس 101) ،لا إله إلا هو سبحانه يجيب دعوة المضطرين ويفرج كرب المكروبين كافي من استكفاه ومجيب من دعاه كفى به ولياً وكفى به وكيلاً وكفى به هادياً ونصيرا ، لا إله إلا الله عظم حلم ربنا فستر وبسط يده بالعطاء فأكثر أطاعه الطائعون فشكر وتاب إليه المذنبون فغفر أحمده سبحانه وأشكره نعمه تترى وفضله لا يحصى لا معطي لما منع ولا مانع لما أعطى قصدته الخلائق بحاجاتها وعرفته القلوب بلهفاتها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، تكفَّلَ برزق جميع الخلائق ، له الحكمة فيما قدر وقضى وإليه وحدَهُ تُرفعُ الشكوى وهو المقصود وحدَه في السر والنجوى ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، أصدقُ عبادِ الله شكراً وأعظمهم لربه ذكراً فهو عليه الصلاة والسلام الأخشى والأتقى صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأتقياء وأصحابه الأصفياء والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربنا ونحن عبيدك ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت تباركت ربنا وتعاليت نستغفرك ونتوب إليك اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

أما بعد : فأوصيكم بتقوى الله ، عز وجل ، فاتقوه رحمكم الله؛ فتقوى الله طريق النجاة والسلامة وسبيل الفوز والكرامة المتقون من عذاب الله هم الناجون " ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا " (مريم:72) ولِجنة الله هم الوارثون " تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا " (مريم:63) والقبول في أهل التقى محصورٌ ومقصورٌ " إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " (المائدة:27)

أيها المسلمون: تبارك اسم ربنا وتعالى جده هو غفار الذنوب وستار العيوب ينادي عباده وله الحمد " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (النور:31) ويدعوهم إلى الاستغفار ففي الحديث القدسي : " يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، " رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري .

سبحانه وتقدس هو أعلم بخلقه علم عجزهم وضعفهم ونقصهم وتقصيرهم فتح لهم باب الرجاء في عفوه والطمع في رحمته والأمل في مرضاته "وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ" (البقرة:221) الرحمات من ربنا فياضة لا ينقطع مددها والنعم من عنده دفاقة لا ينقص عطاؤها ومن ذا الذي يتألى على الله ألا يغفر ذنوب عباده "وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ" (آل عمران:135)

أيها الإخوة: إذا كثر الاستغفار في الأمة وصدر عن قلوب بربها مطمئنة دفع الله عنها ضروباً من النقم وصرف عنها صنوفاً من البلايا والمحن "وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الأنفال:33)

بالاستغفار تتنزل الرحمات "لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (النمل:46)

أيها الأحبة: إن هناك صلة قوية بين طهارة الفرد والمجتمع من الذنوب والخطايا وقضاء الحاجات وتحقيق الرغبات وتوافر الخيْرات هناك ارتباط متين بين الثروة والقوة وبين مداومة الاستغفار؛ اسمعوا إلى مناشدة نوح عليه السلام قومه "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً" (نوح:10-12)

وهذا نداء هود عليه السلام لقومه عاد الشداد"ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم..." (هود :52) ، بالاستغفار يبلغ كل ذي منزل منزلته وينال كل ذي فضل فضله هذا هو خبر ربكم لنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم "وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله" (هود :3)

ذكر الإمام القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) عن ابن صبيح قال : " شكا رجل إلى الحسن الجدوبة : فقال له : استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له : استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه ، فقال له : استغفر الله، فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجالٌ يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار ! فقال : ما قلت من عندي شيئاً ! إن الله عز وجل يقول في سورة نوح : " قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " (نوح 10 ، 11، 12) .قال الرجل للحسن البصري: أما يستحي أحدنا من ربه ؟ نفعل الذنب، ثم نستغفر، ثم نفعله مرة أخرى، ثم نستغفر وهكذا . فقال له الحسن : ودَّ الشيطانُ لو ظفر منكم بهذا ؛ لا تتركوا الاستغفار أبداَ ."

وأفضل الاستغفار ـ أيها الإخوة ـ أن يبدأ العبد بالثناء على ربه ثم يثَنِّي بالاعتراف بالنعم ثم يقر لربه بذنبه وتقصيره ثم يسأل بعد ذلك ربه المغفرة كما جاء في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ." رواه البخاري ، قال أهل العلم: وقد كان سيدَ الاستغفار لأنه تضمن الاعتراف بربوبية الله سبحانه وألوهيته وتوحيده والاعتراف بعجز العبد وتقصيره واعترافه بأنه في قبضة مولاه لا مهرب منه ولا مفر وتضمن اجتهاد العبد بدخوله تحت عهد ربه ما استطاع وأطاق

عباد الله: تعجلوا الإنابة وبادروا بالتوبة وألحوا في المسألة فبالتوبة النصوح تغسل الخطايا وبظهور الاستغفار تُستمطر السماء وتُستدر الخيرات وتُستنزل البركات.

وها أنتم عباد الله قد حضرتم في هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم تشكون جدب دياركم وتبسطون إليه حاجتكم وذلكم الجدب وتلكم الحاجة بلاء من ربكم لتقبلوا عليه وتتقربوا بصالح العمل لديه فأظهروا رقة القلوب وافتقار النفوس والذل بين يدي العزيز الغفار استكينوا لربكم وارفعوا أكف الضراعة إليه ابتهلوا وادعوا وتضرعوا واستغفروا فالاستغفار مربوط بما في السماء من استدرار

وأكثروا من الصلاة والسلام على المصطفى الهادي البشير إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله؛ اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه.

" ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " (الأعراف 23) ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً طبقاً سحاً مجللاً عاماً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل اللهم تُحيي به البلادَ وتغيث به العباد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرق. اللهم اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم أنبت لنا الزرع وأدرَّ لنا الضرع وأنزل علينا بركاتك واجعل ما أنزلته قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك

سبحان الله ، على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين اللهمَّ اكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه إلا أنت اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً. اللهم اسقنا الغيث وآمنا من الخوف ولا تجعلنا آيسين ولا تهلكنا بالسنين.

اللهم ارحم الأطفال الرضع والبهائم الرتع والشيوخ الركع وارحم الخلائق أجمعين. " رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ "(البقرة 286) ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر. اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أرادنا أو أو أراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره اللهم إنا ندرء بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم اللهم رد عنا كيد الكائدين وعدوان المعتدين واقطع دابر الفساد والمفسدين اللهم آمِنّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا وأعزه بطاعتك وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه. " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " (البقرة 201) ، " سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين " (الصافات 180-182)

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

1434-12-1هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي