الدرس 141: التأمين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 20 صفر 1435هـ | عدد الزيارات: 1555 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

أولاً: عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطى أو يأخذ فقد يدفع قسطا أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن وقد لا تقع الكارثة أصلا فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئا وكذلك المؤمن لا يستطيع أن يحدد ما يعطى ويأخذ بالنسبة لكل عقد. بمفرده وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الغرر.

ثانياً: عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ فإن المستأمن قد يدفع قسطا من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارا ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(المائدة 90)

ثالثاً: عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسأ فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا الفضل والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نسأ وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

رابعاً: عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم لأن كلا منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسنان وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله صلى الله عليه وسلم "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل" وليس التأمين من ذلك ولا شبيها به فكان محرما

خامساً: عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل وأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" (النساء 29)

سادساً: في عقد التأمين التجاري إلزام بما لا يلزم شرعا فإن المؤمن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له والمؤمن لم يبذل عملا للمستأمن فكان حراما

س: ما حكم التأمين على السيارة والتأمين على البضائع والعمال والمصانع كما أن التأمين أحيانا يكون باختيار الشخص وأحيانا يجبر عليه بشرط من البائع كأن يشرط البائع أن تؤمن على السيارة التي يبيعها لك بالتقسيط وكذلك الذي يرسل لك بضاعة من الخارج ؟

ج: ما ذكر في السؤال هو من التأمين التجاري والتأمين التجاري محرم لما يشتمل عليه من الغرر والجهالة اللذين لا يعفى عنهما والمقامرة وأكل المال بالباطل والربا وكل هذا دلت الأدلة على تحريمه وما ذكره السائل من أنه أحيانا يجبر عليه فليس في صور التأمين التجاري ما يجبر عليه الشخص بل هو الذي يدخل فيه باختياره وفي إمكانه مثلا أن يشتري سيارة لا يترتب عليها تأمين أو أن يشتري بضاعة تسليم ميناء الوصول وهذا مسلك تجاري يسلكه التجار الذين يتحفظون من التعامل بالحرام

س: ما رأي الإسلام في التأمين على السيارات ضد الحوادث وإذا حدث حادث وكان الطرف الثاني هو المتسبب فيه وحكم لي القانون بغرامة فهل يجوز أخذها ؟
ج: التأمين على السيارات من التأمين التجاري والتأمين التجاري محرم لما يشتمل عليه من الربا والغرر والجهالة وغير ذلك من مبررات التحريم فلا يجوز لك أخذ ما حكم لك به القانون بناء على التأمين ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه قال تعالى "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" ( الطلاق 23)

فالتأمين التجاري بجميع أشكاله محرم لما يشتمل عليه من الغرر والربا والجهالة والمقامرة وأكل أموال الناس بالباطل إلى غير ذلك من المحاذير الشرعية

كما لا يجوز للمسلم أن يشتغل في شركة التأمين بعمل كتابي وغيره لأن العمل بها من التعاون على الإثم والعدوان وقد نهى الله عنه بقوله "وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة 2) وأيضاً لا يجوز الاشتغال بشركة التأمين كمروج لها.

فالتأمين على البضائع أو المستودعات أو السيارات أو العمارات أو السفن أو الطائرات ونحو ذلك من حريق أو غرق أو هدم أو غير ذلك من أنواع الإتلاف حرام لما فيه من المخاطرة ولما في بعض صوره من الربا مع المخاطرة

س: كثير من الشركات في أمريكا كشركات الهاتف والماء والكهرباء تطلب من المشترك أن يدفع مبلغا مقدما من المال كتأمين لتضمن به استمرار تسديد المشترك للفواتير المستحقة عليه ؟

ج: جائز، ولا يجوز لك أن تشتري سيارة بشرط أن يؤمن عليها عند شركة التأمين لأن التأمين من عقود الغرر والجهالة والربا بنوعيه النسأ والفضل، ويجوز لك أن تشتري منهم السيارة بزيادة في السعر عن سعرها لو كانت مؤمنة ولا تؤمن عليها عند شركة التأمين لما تقدم، ولا يجوز التأمين على النفس أو المسجد أو الوقف.

س: اشتعلت النار في متجر مؤمن عليه فعوضته الشركة ما ضاع عليه ؟

ج: له أن يأخذ ما يقابل الأموال التي بذلها للشركة والباقي يتصدق به على الفقراء أو يصرفه في وجه آخر من وجوه البر وينسحب من شركة التأمين

إذ لا يجوز التأمين التجاري بكل صوره لما فيه من الغرر والربا والجهالة وأما المال المقبوض نتيجة عقد التأمين التجاري إذا قبضه من جهل بالحكم الشرعي فلا حرج عليه في ذلك وليس له أن يعود إلى عقود التأمين لقول الله عز وجل "فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 275) وإن كان قبض الربح عن علم بالحكم فالواجب عليه التوبة النصوح إلى الله سبحانه والصدقة بذلك الربح

فالتأمين التجاري محرم ووكيل الشركة داخل في عموم الحكم فلا يجوز له العمل فيها ولا أخذ الأجرة منها حيث سبق أن صدر من هيئة كبار العلماء قرار بتحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه لما فيه من الضرر والمخاطرات العظيمة وأكل أموال الناس بالباطل وهي أمور يحرمها الشرع المطهر وينهى عنها أشد النهي كما صدر قرار من هيئة كبار العلماء بجواز التأمين التعاوني وهو الذي يتكون من تبرعات من المحسنين ويقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب ولا يعود منه شيء للمشتركين لا رؤوس أموال ولا أرباح ولا أي عائد استثماري لأن قصد المشترك ثواب الله سبحانه وتعالى بمساعدة المحتاج ولم يقصد عائدا دنيوي وذلك داخل في قوله تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"(المائدة 2) وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:" والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"

أما التأمين التجاري الصحى فهو محرم لأنه من عقود المقامرة والغرر فالمبلغ المدفوع من المستأمن ليحصل به على خصم مدة سنة أو أكثر أو أقل قد لا يستفيد منه مطلقا لعدم حاجته إلى المستوصف تلك المدة فيغرم بهذا ماله ويغنمه المستوصف والمال في هذا كله مغرر به وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر

والمؤسسة إذا دفعت للمستشفى مبلغاً شهرياً على كل شخص مئة ريال مثلاً بغض النظر عن عدد الزيارات التي يتردد بها المريض على المستشفى لتلقي العلاج فهذا من التأمين التجاري المحرم لما فيه من الغرر والجهالة

وكذا التأمين ضد الأمراض لا يجوز فالتأمين على النفس لا يجوز فالتأمين الصحي لا يجوز لما فيه من الغرر والمخاطرة إذ قد يمرض المؤمن على صحته ويعالج بأكثر مما دفع للشركة ولا تلزمه الزيادة وربما لا يمرض مدة شهر أو شهرين مثلا ولا يرد إليه مما دفعه للشركة فكل ما كان كذلك فهو نوع من المقامرة فلا يجوز للمسلم أن يؤمن على النفس أو على الأعضاء كلا أو بعضا أو على المال أو الممتلكات أو السيارة أو نحو ذلك لأن ذلك من أنواع التأمين التجاري المحرم فالتأمين الصحي من التأمين التجاري وهو محرم وإعطاء بطاقة التأمين لشخص آخر لم يسجل ليتعالج بها فيه تزوير وكذب وهذا لا يجوز

س: يوجد لدى شركات التأمين بعض السيارات المصدومة تعرضها للبيع وقد اشتهر بين الناس أن هذه هي سيارات المؤمن عليهم حينما أخذوا عليها عوضا وسلموها للشركة وظاهر الحال أنها كذلك ؟

ج: التأمين التجاري حرام بجميع أشكاله ولا يجوز شراء السيارات التي تحصلت عليها الشركة من جراء عقد التأمين لأنها ليست ملكا لها شرعا

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-2-20هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي