الدرس 154: النكاح 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 27 صفر 1435هـ | عدد الزيارات: 2264 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

لا يجوز أن توافق المخطوبة أو والدها أو أي أحد على ارتكاب ما حرم الله جل وعلا فلا يجوز فعل فرح في ملهى به رقص ومزمار واختلاط الرجال والنساء ومصافحة بعضهم لبعض والرجال ليسوا بمحارم للنساء ولا يجوز أيضا أن يصافح المرأة من ليس من محارمها

كما لا يجوز للمؤمن أن يشهر زواجه من مسلمة أو كتابية في الكنيسة ولا على يد قسيس ولو كان ذلك بعد الزواج بها على سنة الله ورسوله لما في ذلك من مشابهة النصارى في شعار زواجهم وتنظيم مشاعرهم ومعابدهم واحترام علمائهم وعبادهم وتوقيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم" أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن

يجوز للزوج أن يوكل شخص آخر على قبول عقد الزواج

س: وكلت والدي أن يجري عقد الزواج لي على بنت عمي الكبيرة غير أنه أجراه على الصغيرة فقبلت بذلك بعد علمي بذلك ؟

ج: العقد صحيح لأنه من العقود الموقوفة على إذن صاحب الحق وقد أذن ورضي به وأمضاه

س: هل يجوز عقد الزواج على بنت عمرها من سنتين إلى عشر ؟

ج: يجوز العقد على الصغيرة من أبيها خاصة إذا رأى المصلحة لها في ذلك لقصة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة وهي دون التسع وأما غير الأب فليس له تزويج من دون التسع مطلقا ولا من بلغ تسعا فأكثر إلا بإذنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت".

والنبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين ودخل بها في المدينة وهي بنت تسع سنين وليس هذا خاصا به صلى الله عليه وسلم فيجوز العقد على الفتاة قبل بلوغها ويجوز الدخول بها ولو قبل البلوغ إذا كانت ممن يوطأ مثلها أما عدة غير البالغة فالله سبحانه وتعالى جعل عدة الآيسة من المحيض والتي لم تحض لصغرها ثلاثة أشهر قال تعالى "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ" (الطلاق 4)أي: كذلك عدتهن ثلاثة أشهر وغير البالغة تدخل في قوله: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ

ولا يجوز لأبيها أن يزوجها من تكره الزواج به ولا يجوز لها أن تعرض نفسها للفتنة وانتهاك حرمتها بخروجها من بيت أبيها بل تتعاون مع بعض محارمها من الأقارب ليخلصوها من ذلك فإن لم يتم لها ما تريد فلها أن ترفع أمرها إلى المحكمة لتفكها من ذلك

س: حكم الإكراه على الزواج ؟

ج: إذا لم ترض بهذا الزواج فيرفع أمرها إلى المحكمة لتثبيت العقد أو فسخه وذلك إذا زوجت وهي مكرهة

س: تقدم شخص مسن ومعه زوجة آخرى وسبق أن تزوج وطلق فوافق أبي غير أن أختي رفضت وأصر أخي على تزويجه وأقسم لأنه قد زوجه حين رفضه الناس ومضى الآن ست سنوات ؟

ج: لا يجوز لأبيك أن يعقد لأختك على الرجل الذي امتنعت من الزواج به ولا يجوز لأخيك أن يطلب من أبيك أن يكرهها عليه وعلى أخيك كفارة اليمين فليس لهذا الولي أن يزوجها بدون رضاها فلا بد من أخذ موافقة المرأة على تزويجها بمن ترغب من الأشخاص سواء كانت بكرا أو ثيبا وإذا امتنعت من الزواج ببعض الأشخاص لا يكون ذلك عقوقا لوالدها لأن ذلك حق لها

وعند إجراء العقد إذا كانت تستحي من الحضور عند المأذون فإنها تشهد على الرضا رجلين من الثقات يشهدون عند المأذون برضاها وأما الإتيان بامرأة عند العقد غير المعقود عليها فهذا أمر محرم

س: تقدم شخص لابنتي فأعطيته غير أنها رفضت مما جعلني أطلق من والدتها إما تأخذ هذا الشخص أو أفصلها من دراستها ففصلتها ؟

ج: يحرم إجبار البنت على الزواج بالزوج الذي لا ترضى به لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تزويج البكر حتى تستأمر

ثانيا: إذا كنت قصدت اليمين في حلفك بالطلاق فعليك كفارة يمين عن الطلاق الذي صدر منك لإجبار ابنتك على القبول بهذا الزوج والكفارة هي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد أي ما يعادل كيلو ونصف أو كسوة عشرة مساكين أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام

س: عمي حجر على ابنته أربع سنوات بناء على رغبة والدي أن أتزوجها غير أني لا أحبها ولا أرضاها لي ؟

ج: إذا لم ترغب الزواج من ابنة عمك فعليك أن تتلطف لعمك وتصرح له بعدم رغبتك في الزواج ولا تعلقها وتمنعها من النكاح وعليك تقوى الله في جميع أمورك

س: اجبرني والدي على الزواج من بنت لا أحبها وأرغب تطليقها لأخلاقها السيئة غير أني أخاف من غضب والدي ؟

ج: إذا كنت تكره هذه المرأة نفسيا أو أخلاقيا فلك أن تطلقها ولو لم يوافق والداك على طلاقها لأنه ليس لهما أن يجبراك عليها وأنت تكرهها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الطاعة في المعروف" ولعدم توافر مقاصد النكاح

س: عقد الأب لابنه على بنت لا يريدها رغم رفضه لذلك ؟

ج: عقد الأب النكاح لابنه البالغ العاقل على فتاة لا يريدها عقد غير صحيح فلا ينعقد هذا النكاح لأنه اختل شرط من شروط صحته وهو الرضا ولفقد ركن من أركانه وهو القبول من الابن فهذا النكاح لم ينعقد أصلاً فهو في حكم المعدوم فلا يحتاج إلى طلاق

س: ما هي قصة زيد بن حارثة وزواجه من زينب التي تزوجها بعده النبي صلى الله عليه وسلم ؟

ج: زيد هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعتقه وتبناه فكان يدعى زيد بن محمد حتى أنزل الله قوله "ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ" (الأحزاب 5) فدعوه زيد بن حارثة

أما زينب فهي بنت محمد بن رباب الأسدية وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما قصة زواج زيد بزينب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى ذلك له لكونه مولاه ومتبناه فخطبها من نفسها على زيد فاستنكفت وقالت أنا خير منه حسبا فروي أن الله أنزل في ذلك قوله "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" (الأحزاب 36) فاستجابت طاعة لله وتحقيقا لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عاشت مع زيد حول سنة ثم وقع بينهما ما يقع بين الرجل وزوجته فاشتكاها زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكانتهما منه فإنه مولاه ومتبناه وزينب بنت عمته أميمة وكان زيد عرض بطلاقها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإمساكها والصبر عليها مع علمه بوحي من الله أنه سيطلقها وستكون زوجة له صلى الله عليه وسلم لكنه خشي أن يعيره الناس بأنه تزوج امرأة ابنه وكان ذلك ممنوعا في الجاهلية فعاتب الله تعالى نبيه في ذلك بقوله "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ"(الأحزاب 37) يعني والله أعلم: تخفي في نفسك ما أعلمك الله بوقوعه من طلاق زيد لزوجته زينب وتزوجك إياها تنفيذا لأمره تعالى وتحقيقا لحكمته وتخشى قالة الناس وتعييرهم إياك بذلك والله أحق أن تخشاه فتعلن ما أوحاه إليك من تفصيل أمرك وأمر زيد وزوجته زينب دون مبالاة بقالة الناس وتعييرهم إياك

أما زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب فقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء عدتها من طلاق زيد وزوجه الله إياها بلا ولي ولا شهود فإنه صلى الله عليه وسلم ولي المؤمنين جميعا بل أولى بهم من أنفسهم قال تعالى "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ"(الأحزاب 6) وأبطل الله بذلك عادة التبني الجاهلي وأحل للمسلمين أن يتزوجوا زوجات من تبنوه بعد فراقهم إياهن بموت أو طلاق رحمة منه تعالى بالمؤمنين ودفعا للحرج عنهم

وأما ما يروى في ذلك من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم زينب من وراء الستار وأنها وقعت من قلبه موقعا بليغا ففتن بها وعشقها وعلم بذلك زيد فكرهها وآثر النبي صلى الله عليه وسلم بها فطلقها ليتزوجها بعده فكله لم يثبت من طريق صحيح والأنبياء أعظم شأنا وأعف نفسا وأكرم أخلاقا وأعلى منزلة وشرفا من أن يحصل منهم شيء من ذلك ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خطبها لزيد رضي الله عنه وهي ابنة عمته فلو كانت نفسه متعلقة بها لاستأثر بها من أول الأمر وخاصة أنها استنكفت أن تتزوج زيدا ولم ترض به حتى نزلت الآية فرضيت وإنما هذا قضاء من الله وتدبير منه سبحانه لإبطال عادات جاهلية وللرحمة بالناس والتخفيف عنهم قال تعالى "فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا* مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" (الأحزاب من 37-40)

س: هل يجوز للمرأة أن تتزوج بدون ولي ؟

ج: من شروط صحة الزواج الولاية فلا يجوز للمرأة أن تتزوج بدون ولي فإن تزوجت بدون ولي فنكاحها باطل لما روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا نكاح إلا بولي" ولما روى سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" رواهما الخمسة إلا النسائي

قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك

اللهم بصرنا بأمور ديننا وعلمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-2-27 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر