الدرس 279 عقوبات المعاصي

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 3 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1363 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله وبعد

أيها الخائفون من عقوبة الله: اعلموا أن المعاصي لها عقوبات عاجلة وآجلة، ولها آثار سيئة على العباد والبلاد؛ فكم أهلكت من أمة، وكم دمرت من بلاد؛ فما في الدنيا والآخرة من شرور وداء وبلاء إلا بسبب الذنوب والمعاصي؛ فما الذي أخرج أبوينا من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب

وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها وبدله بالقرب بعداً وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحاً وبالجنة ناراً تلظى وبالإيمان كفراً وحل عليه غضب الرب ومقته

وما الذي أغرق أهل الأرض حتى علا الماء فوق الجبال وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم صرعى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة

وما الذي أرسل على ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم من أجوافهم وماتوا عن آخرهم

وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من سجيل أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم

" وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ " (هود 83)

وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤسهم أمطر عليهم ناراً تلظى

وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق والأرواح للحريق

وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله

وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميراً

وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيراً

وما الذي سلط عليهم أنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب الديار، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير وأقسم الرب ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب

إنها الذنوب والمعاصي فالذنوب يا عباد الله سبب كل شر وفتنة

عباد الله: هذه عقوبات المعاصي العاجلة: غرق وحريق وريح عقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم وصيحة واحدة تجعل العصاة كالهشيم، وخَسْفٌ مروّعٌ يجعل عالي الأرض سافلها، ومطر بالحجارة من السماء، وسحاب يمطر ناراً تلظى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى

أفلا يعتبر اللاحقون بالماضين "أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" (المرسلات 16- 19)

ألم تسمعوا أخبارهم ألم تسكنوا ديارهم ألا تخافون أن يصيبكم مثل ما أصابهم "وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ" (إبراهيم 45)

عباد الله: إن من آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه وفي الهواء وفي الثمار وفي المساكن وفي الأبدان قال تعالى "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم 41)، فمن تأثير المعاصي في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل

وأنتم تسمعون عما يحل بأرجاء العالم اليوم من الزلازل والفيضانات والأعاصير المدمرة التي تجتاح الألوف من السكان وتهلك المبالغ الطائلة من الأموال وتدمير الكثير والكثير من المساكن

ومن آثار الذنوب في الثمار ما يظهر فيها من الآفات التي تقضي عليها أو تنقص محاصيلها

ومن آثار المعاصي في المياه ما ترون من حبس الأمطار وغور المياه وهلاك الحروث والأشجار ومن آثار المعاصي في الأبدان ما ترون من حدوث الأمراض الفتاكة والآفات القاتلة والحوادث المروعة التي يهلك فيها الجماعات من الناس

ومن آثار المعاصي في المجتمعات ما يحدث فيها من الفوضى وتسليط الظلمة والانقسام إلى شيع وأحزاب يموج بعضها في بعض واختراع الأسلحة النارية والقنابل المدمرة الفتاكة التي تدمر الواحدة منها مدينة بأكملها أو أكثر من ذلك وصدق الله حيث يقول "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ" (الأنعام 65)

ومن أعظم عقوبات المعاصي أنها تطفئ نور القلب وتقتل الغيرة فيه فتقوى فيه إرادة المعصية وتضعف فيه إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنعدم من قلبه بالكلية فلو مات نصفه لما تاب إلى الله

وقد يأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان وقلبه ممتلئ بالمعصية مصر عليها عازم على فعلها متى أمكنه وينعدم من قلبه الفرقان بين الحق والباطل فيرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً وهذا من أعظم العقوبات

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين

وصل الله على نبينا محمد

1435-5-3 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 9 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي