الدرس 278 الإحسان إلى الجار

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1717 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله وبعد

المسلمون في نظر الإسلام بنيان واحد، لبناته أبناء هذه الأمة، وكل لبنة في هذا البنيان ما لم تكن متماسكة مرتبطة ارتباطا وثيقا باللبنات الأخرى فإنها ستعرض البناء للخطر وربما للإنهيار ولبنات الإسلام حيث كانت فإنها كيان واحد تحده بالحياة روح واحدة هي روح الإيمان التي لا تعرف لوناً أو أرضا أو لسانا، ولقد كانت نظرة الإسلام العلمية في هذا الجانب نظرة واقعية، فعالج في أبناء هذه الأمة أسباب الضعف والتفكك، ودعاها إلى الأخذ بوسائل القوة، وجاءت تشريعاته من عقائد وعبادات وأخلاقيات ومعاملات تؤكد هذا المعنى في الأمة وتجمعها على كلمة سواء، وكان أهم ما عني به: حق الجوار ورعاية حرماته والتعاون معه حرصاً على سلامة هذا البنيان وحماية له من كل ما يوهن من قوته وليمضى المجتمع إلى التقدم متماسكاً متسانداً والقرآن الكريم يعلن أن أمة الإسلام أمة واحدة والمؤمنون بهذا الدين إخوة دون نظر إلى لسان أو لون أو أرض بل إنه لينظر إلى الإنسانية نظرة عامة قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " (النساء 1) والقرآن الكريم يفرض على أبنائه الإحسان إلى الجار قريبا كان أو بعيدا فمن حق الجار على جاره أن يكون له في الشدائد عونا، وفي الرخاء أخاً يَأْسى لما يؤذيه، ويفرح لما يسره ويرضيه ينفس كرباته ويقضي حاجاته ويسانده إذا استعان به يأخذ بيده إذا أظلمت في وجهه الحياة ويرشده إذا ظل أو أخطأ الطريق ويهنئه إذا أصابه خير، ويبصره إذا ظلم، ويدفع عنه الأذى، وقد بالغ الإسلام في تحذير أولئك الذين لا يرعون حق الجار حين أعلن أن المسلم الذي لا يهتم بشأن جاره ولا يألم لألمه ولا يحس بإحساسه، قد جافى خلق أهل الإيمان قال أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم" وكم من جار يأتي يوم القيامة وهو متعلق بجاره يقول رب سل هذا لم أغلق عني بابه ومنعني فضله لقد كان حقاً عليه أن يشبع جوعته ويستر بالثياب عورته ويسد خلته .

والإحسان إلى الجار برهان قوي على الإيمان بالله ودليل عملي على صدقه والجار المؤمن يحب لجاره ما يحب لنفسه ويكره له ما لا يحب لشخصه قال صلى الله عليه وسلم "اتق الله تكن أبعد الناس وأرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب"

وإذ كان المفروض في الجار أن يكون باراً بجيرانه فما أشد ما توعد به النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الذين يسيئون إلى جيرانهم حين قال "والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من يا رسول الله خاب وخسر ؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه " نعم فالمؤمنون في أخلاقهم كرماء وفي معاملتهم سمحاء ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه "من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره" وفي رواية "فليحسن إلى جاره"، "وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" والمسلم الذي ينتسب إلى الإسلام ويؤدي واجباته ما لم يثمر في سلوكه الخلق الكريم والمعاملة الطيبة للمسلمين فلا خير فيه ولا أثر لعبادته روى أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له :" يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في النار قيل يا رسول الله فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها قال هي في الجنة" ويقول عليه السلام "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" وليس الجار فقط بالقريب الذي يلاصقك في المنزل أو يكون إلى جانبك في العمل أو السفر فقط فقد أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني نزلت في محلة بني فلان وإن أشدهم إلي أذى أقربهم إلي جوار فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً يأتون المسجد فيقومون على بابه فيصيحون ألا إن أربعين داراً جار ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقة، ولقد بلغ من أخلاق المسلمين الأول في معاملتهم لجيرانهم أنهم كانوا يرون في الجار العوض عن كل ما يفقدون والساعد الذي يواجهون به الشدة ومن ثم لم يكونوا يؤثرون بالجوار الصالح مالاً ولا عرضاً من الدنيا ومما يروى في ذلك أن جار سعيد بن العاص ساوم على مائة ألف درهم في داره ثمن قال للمشتري هذا ثمن الدار فبكم تشتري جوار سعيد فلما علم سعيد بعث إليه بالثمن واستبقاه في داره

اللهم اجعلنا من القائمين بحقوق جيراننا واجعلنا من خير الجيران لجيرانهم

وبالله التوفيق

وصل الله على نبينا محمد

1435-5-4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 1 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي