الدرس 267 حقوق الأخوة : حق المال والإعانة بالنفس

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 2544 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله وبعد

عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين وكما يقتضي النكاح حقوقاً يجب الوفاء بها قياماً بحق النكاح فكذا عقد الأخوة فلأخيك عليك حق في المال والذي أصبح البعض من الناس لا يدرك أن لأخيه المسلم حق في ماله فليعلم هذا الصنف من الناس أن المواساة بالمال مع الأخوة على ثلاث مراتب

أدناها أن تنزله منزلة خادمك فتقوم بحاجته من فضلة مالك فإذا سنحت له حاجة وكانت عندك فضلة عن حاجتك أعطيته ابتداء ولم تحوجه إلى السؤال فإن أحوجته إلى السؤال فهو غاية التقصير في حق الأخوة

المرتبة الثانية: أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك ونزوله منزلتك حتى تسمح بمشاطرته في المال قال الحسن: كان أحدهم يشق إزاره بينه وبين أخيه
المرتبة الثالثة: وهي العليا أن تؤثره على نفسك وتقدم حاجته على حاجتك وهذه رتبة الصديقين ومنتهى درجات المتحابين ومن ثمار هذه الرتبة الإيثار بالنفس أيضاً كما روي أنه سعي بجماعة من الصوفية إلى بعض الخلفاء فأمر بضرب رقابهم وفيهم أبو الحسن النوري فبادر إلى السياف ليكون هو أول مقتول فقيل له في ذلك فقال: أحببت أن أؤثر إخواني بالحياة في هذه اللحظة فكان ذلك سبب نجاتهم واعلم انه إذا لم تصادف نفسك في رتبة من هذه الرتب مع أخيك فاعلم أن عقد الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن وإنما الجاري بينكما مخالطة رسمية لا وقع لها في العقل والدين روي أن عتبة الغلام جاء إلى منزل رجل كان قد آخاه فقال أحتاج من مالك إلى أربعة آلاف فقال خذ ألفين فأعرض عنه وقال آثرت الدنيا على الله أما استحييت أن تدعي الأخوة في الله وتقول هذا وتلك درجة الدنيا أما الرتبة العليا فهي التي وصف الله تعالى المؤمنين بها في قوله "وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" أي كانوا خلطاء في الأموال لا يميز بعضهم رحله عن بعض وكان منهم من لا يصحب من قال نعلي لأنه أضافه إلى نفسه وجاء فتحي الموصلي إلى منزل لأخ له وكان غائباً فأمر أهله فأخرجت صندوقه ففتحه وأخذ حاجته فأخبرت الجارية مولاها فقال إن صدقت فأنت حرة لوجه الله سروراً بما فعل. وجاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه وقال إني أريد أن أواخيك في الله فقال أتدري ما حق الإخاء قال عرفني قال أن لا تكون أحق بدينارك ودرهمك مني قال لم أبلغ هذه المنزلة بعد قال فاذهب عني وقال علي بن الحسين رضي الله عنهما لرجل هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو كيسه فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه قال لا قال فلستم بإخوان وجاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم رحمه الله وهو يريد بيت المقدس فقال إني أريد أن أرافقك فقال له إبراهيم على أن أكون أملك لشيئك منك قال لا قال أعجبني صدقك قال فكان إبراهيم بن أدهم رحمه الله إذا رافقه رجل لم يخالفه وكان لا يصحب إلا من يوافقه وقال ابن عمر رضي الله عنهما أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال أخي فلان أحوج مني إليه فبعث به إليه فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر فلم يزل يبعث به من واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة وروي أن مسروقاً أدان ديناً ثقيلاً وكان على أخيه خيثمة دين قال فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم أي أن كل واحد قضى دين الآخر بدون علم صاحبه وقال صلى الله عليه وسلم " ما تَحابَّ الرَّجلانِ إلَّا كان أَفضلُهُما أَشدَّهُما حُبًّا لِصاحبِه. " (صحيح الأدب المفرد للألباني )، وروي أن مالك بن دينار ومحمد بن واسع دخلا منزل الحسن وكان غائباً فأخرج محمد بن واسع سلة فيها طعام من تحت سرير الحسن فجعل يأكل فقال له مالك كف يدك حتى يجيء صاحب البيت فلم يلتفت محمد إلى قوله وأقبل على الأكل وكان مالك أبسط منه وأحسن خلقاً فدخل الحسن وقال يا مويلك هكذا كنا لا يحتشم بعضنا بعضاً حتى ظهرت أنت وأصحابك وأشار بهذا إلى أن الانبساط في بيوت الإخوان من الصفاء في الأخوة كيف وقد قال الله تعالى "أو صديقكم" وقال "أو ما ملكتم مفاتحه" إذ كان الأخ يدفع مفاتيح بيته إلى أخيه ويفوض له التصرف كما يريد وكان أخوه يتحرج عن الأكل بحكم التقوى حتى أنزل الله تعالى هذه الآية وأذن لهم في الانبساط في طعام الإخوان والأصدقاء

جعلني الله وإياكم من المتآخين في الله والمتحابين فيه

وصلى الله وسلم على نبينا وقدوتنا محمد

1435-5-4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 2 =

/500