الدرس 266 حقوق الأخوة : اللسان

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 2154 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله وبعد

من حقوق المسلم على أخيه المسلم أن يسكت عن ذكر عيوبه في غيبته وحضرته بل يتجاهل عنها ويسكت عن الرد عليه فيما يتكلم به ولا يماريه وأن يكف عن التجسس والسؤال عن أحواله وإذا رآه في طريق أو حاجة لم يفاتحه بذكر غرضه من مصدره ومورده ولا يسأله عنه فربما يثقل عليه ذكره أو يحتاج إلى أن يكذب عليه وليسكت عن أسراره التي بثها إليه ولا يبثها إلى غيره ولا إلى أخص أصدقائه فإن ذلك من لؤم الطبع وخبث الباطن وأن يسكت عن القدح في أحبابه وأهله وولده وأن يسكت عن حكاية قدح غيره فيه فإن الذي سبك من بلغك والتأذي يحصل أولاً من المبلغ ثم من القائل.

نعم لا ينبغي أن يخفي ما يسمع من الثناء عليه فإن السرور به أولاً يحصل من المبلغ ثم من القائل وإخفاء ذلك من الحسد وبالجملة فليسكت عن كل كلام يكرهه جملة وتفصيلاً إلا إذا وجب عليه النطق في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ولم يجد رخصة في السكوت

أما ذكر مساويه وعيوبه ومساوي أهله فهو من الغيبة وذلك حرام في حق كل مسلم ويزجرك عنه أمران:

أحدهما: أن تطالع أحوال نفسك فإن وجدت فيها شيئاً واحداً مذموماً فهون على نفسك ما تراه من أخيك وقدر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة كما أنك عاجز عما أنت مبتلى به ولا تستثقله يخصلة واحدة مذمومة فأي الرجال المهذب وكل ما لا تصادفه من نفسك في حق الله فلا تنتظره من أخيك في حق نفسك فليس حقك عليه بأكثر من حق الله عليك

والأمر الثاني: أنك تعلم أنك لو طلبت منزهاً عن كل عيب اعتزلت عن الخلق كافة ولن تجد من تصاحبه أصلاً فما من أحد من الناس إلا وله محاسن ومساو فإذا غلبت المحاسن المساوي فهو الغاية والمنتهى فالمؤمن الكريم يحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث من قلبه التوقير والود والاحترام أما اللئيم فإنه يلاحظ المساوي والعيوب قال ابن المبارك: المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات وقال الشافعي: ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصيه ولا أحد يعصي الله ولا يطيعه فمن كانت طاعته أغلب من معاصيه فهو عدل وإذا جعل مثل هذا عدلاً في حق الله فبأن تراه عدلاً في حق نفسك أولى وكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساويه يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك إساءة الظن فسوء الظن غيبة بالقلب وهو منهي عنه أيضاً وحده أن لا تحمل فعله على وجه فاسد بل تحمله على وجه حسن فأما ما انكشف بيقين ومشاهدة فعليك أن تحمل ما تشاهد على سهو ونسيان إن أمكن وهذا الظن ينقسم إلى ما يسمى تفرساً وهو الذي يستند إلى علامة فإن ذلك يحرك الظن تحريكاً ضرورياً لا يقدر على دفعه وقال صلى الله عليه وسلم " إيَّاكُمْ والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ،" (صحيح البخاري) وسوء الظن يدعو إلى التجسس والتحسس وهذا نهي عنه في حديث المصطفى الآنف الذكر فستر العيوب والتجاهل والتغافل عنها شيمة أهل الدين وإن من المؤسف له ويدعوا للحزن أن ترى البعض من الناس أشغلوا أنفسهم بالتنقيب عن عيوب الصالحين بل ويفرح أحدهم إذا وجد مدخلاً يلج منه لينال من كرامته وعرضه نعوذ بالله من سوء الخاتمة ومن في قلبه سخيمة على مسلم فإيمانه ضعيف وقيل لبعض الأدباء: كيف حفظك للسر قال أنا قبره وقد قيل صدور الأحرار قبور الأسرار.

عباد الله: تدبروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ."(صحيح البخاري) ، وفي صحيح مسلم "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. ." وأشد الاحتقار المماراة فإن من رد على غيره كلامه فقد نسبه إلى الجهل والحمق أو إلى الغفلة والسهو عن فهم الشيء على ما هو عليه.

اللهم اجعلنا من القائمين بحقوق الأخوة.

وصلى الله على نبينا محمد.

1435-5-4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 1 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي