الدرس 265 حقوق الأخوة : العفو عن الزلات

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 2202 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله وبعد

عباد الله: حديثنا إليكم عن حقوق الأخوة لأن الأخ أقرب ما له أخيه فالرجل بإخوانه وما يذكرك بالآخرة سوى إخوانك أما أهلك وأقاربك فهم يذكرونك غالباً بالدنيا وما دام حديثنا عن حقوق الأخ على أخيه فاعلم أن هفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية أو في حقك بتقصيره في الأخوة أما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية والإصرار عليها فعليك التلطف في نصحه بما يقوم وده ويجمع شمله ويعيد إلى الصلاح والورع حاله

يقول أبو الدرداء: إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى

وقال إبراهيم النخعي: لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب يذنبه فإنه يرتكبه اليوم ويتركه غداً وقال أيضاً: لا تحدثوا الناس بزلة العالم فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها

وحكي عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه: ألا تقطعه وتهجره، فقال: أحوج ما كان إلي في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده وأتلطف له في المعاتبة وأدعو له بالعود إلى ما كان عليه

فالأخوة يا عباد الله عدة للنائبات وحوادث الزمان وهذا من أشد النوائب، والفاجر إذا صحب تقياً وهو ينظر إلى خوفه ومداومته فسيرجع على قرب ويستحي من الإصرار بل الكسلان يصطحب الحريص في العمل فيحرص حياء منه

قال جعفر بن سليمان: مهما فترت في العمل نظرت إلى محمد بن واسع وإقباله على الطاعة فيرجع إلي نشاطي في العبادة ويفارقني الكسل وأعمل عليه أسبوعاً

والصداقة كلحمة النسب والقريب لا يجوز أن يهجر بالمعصية، ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في عشيرته "فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ " (الشعراء 216)" ولم يقل إني بريء منكم مراعاة لحق القرابة

وإلى هذا أشار أبو الدرداء لما قيل له:" ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا؟ فقال: إنما أبغض عمله وإلا فهو أخي وأخوة الدين أوكد من أخوة القرابة"

ويقول البعض: الصبر على مضض الأخ خير من معاتبته والمعاتبة خير من القطيعة والقطيعة خير من الوقيعة

ومن حقوق الأخ على أخيه الدعاء له في حياته وبعد مماته بكل ما يحبه لنفسه ولأهله فتدعوا له كما تدعوا لنفسك ولا تفرق بين نفسك وبينه فإن دعاءك له دعاء لنفسك على التحقيق فقد قال صلى الله عليه وسلم " إذا دعا الرَّجلُ لأخيهِ بظَهرِ الغيبِ قالَتِ الملائِكةُ آمينَ ولَك بمِثلٍ " (صحيح أبي داود للألباني)وكان أبو الدرداء يقول: إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي أسميهم بأسمائهم

أما عن الدعاء للأموات فقد قال بعض السلف: الدعاء للأموات بمنزلة الهدايا للأحياء، فيدخل الملك على الميت ومعه طبق من نور عليه منديل من نور فيقول هذه هدية لك من عند أخيك فلان، من عند قريبك فلان، قال فيفرح بذلك كما يفرح الحي بالهدية

أما عن الوفاء يا عباد الله فهو الثبات على الحب إلى الموت وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلام في السبعة الذين يظلهم الله في ظله "ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه،" (صحيح البخاري) أي تفرقا بالموت

ومن الوفاء للأخ مراعاة جميع أصدقائه وأقاربه والمتعلقين به، ومراعاتهم أوقع في قلب الصديق من مراعاة الأخ في نفسه، فإن فرحه بتفقد من يتعلق به أكثر، إذ لا يدل على قوة الشفقة والحب إلا تعديهما من المحبوب إلى كل من يتعلق به، والشيطان لا يحسد متعاونين على بر بقدر ما يحسد متواخين في الله ومتحابين فيه فإنه يجهد نفسه لإفساد ما بينهما، قال الله تعالى "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا " (الإسراء 53) ويقال ما تواخى اثنان في الله فتفرق بينهما إلا بذنب يرتكبه أحدهما

وكان بشر يقول: إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه، وذلك لأن الإخوان مسلاة للهموم وعون على الدين

وبالله التوفيق

1435-5-4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500