الدرس 263 الأمانة

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 2214 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله وبعد

يقول الله تعالى: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "(النور 55)

إخواني: جاء الاسلام بشريعة سمحة، بينت الحسن والقبيح وأقرت الحق والعدل، فمنعت اعتداء الأقوياء على الضعفاء وأنصفت المظلومين، وأعطت كل ذي حق حقه وقررت مبادئ سامية، تنشر بين الناس المودة، وتبث فيهم روح المحبة وتجعل العلاقة الاجتماعية بينهم قائمة على الثقة المتبادلة والأخوة الخالصة، يحافظ كل إنسان على حقوق غيره ويعرف ما له وما عليه فاطمئنت النفوس وسلمت الأرواح والأموال والأعراض، ووضح للناس المنهج القويم للآداب والأخلاق وإن من أجل الصفات التي حثت عليها شريعة الاسلام صفة الأمانة وهي في حقيقتها شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكل اليه، فيراقب ربه، الذي يطلع على سره وعلانيته ويعلم نجواه وحركات نفسه ولكي يتخلق الانسان بهذه الصفة، عليه أن يكون ذا ضمير يقظ، يدفعه الى فعل الخير واجتناب الشر، ويحفزه الى أن يؤدي ما عليه من واجبات بعزيمة صادقة، وهمة عالية، نتيجة هذا الضمير الحي، وثمرة مراقبة الله رب العالمين، هذه المراقبة تدعو الى أداء الواجب على أكمل وجه وأحسنه، ولو نامت أعين الرقباء

والأمانة هي الخلق الذي يتواصى المسلمون برعايته ويستعينون بالله على حفظه، فاذا ما أراد صديق أن يودع صاحبه المسافر، لم يجد خيرا من الدعاء له، بأن يحفظ الله له نعمة الأمانة، وقد علمنا رسول الله صل الله عليه وسلم هذا الدعاء بقوله للمسافر "أستودِعُ اللَّهَ دينَك وأمانتَك وخواتيمَ عملِكَ " (صحيح أبي داود للألباني)وعن أنس رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لِمن لا عهدَ له " (صحيح الترغيب)، وكثيرا ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الخيانة التي تؤدي الى سوء المنقلب في الآخرة ،كما يستعيذ من شقاء العيش في الدنيا فقد قال "اللهم اني أعوذ بك من الجوع، فانه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة" والأمانة صفة أنبياء الله ورسله، فهي في الذروة العليا من مكارم الأخلاق ولهذا كانت من صفاتهم الواجبة لهم، التي تميزهم عن غيرهم وقد شوهدت مخايل الأمانة على موسى عليه السلام حين سقى لابنتي الرجل الصالح، ورفق بهما، كان معهما عفيفا وشريفا وذلك قبل أن يبعث بالرسالة "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" (القصص 26) ويوسف عليه السلام كان أميناً في بيت العزيز, فحينما تعرض لموقف الفتنة، وتعرضت له امرأة العزيز رد عليها "مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ "(يوسف 23) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقب قبل بعثته بالصادق الأمين واستمر له هذا اللقب حتى من أعداء دعوته الذين اتهموه بالسحر والكهانة الا أنهم كانوا يقدرون فيه صدقه وأمانته، ولا غرو في ذلك فقد مدحه ربه بقوله "وانك لعلى خلق عظيم"

أحبتي: ليست الأمانة مقصورة على حفظ الودائع وردها الى أصحابها كاملة بل ذلك أحد مظاهرها بل إن الأمانة أعم من ذلك وأشمل، فهي تكون على السر بالكتمان، وعلى المال بالحفظ، وعلى العرض بالصيانة، إنها تشمل أمانة الانسان على نفسه وعلى كل عمل يوكل إليه والله تعالى سمى التكاليف والشرائع أمانة حيث قال "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا "(الأحزاب72)

أمانة التكاليف هذه أمانة ضخمة، فالمخلوقات العظيمة من السموات بما فيها من شمس وقمر وكواكب، والأرض بما تحمل من جبال ووهاد وأنهار وأشجار، أشفقت من حمل الأمانة لعظم المسئولية وحملها الانسان الذي يعرف الله بإدراكه وشعوره ويختار طريقه وهو يعرف أين يؤدي به هذا الطريق، وبهذا امتاز الانسان على كثير من خلق الله واستحق التكريم الذي أعلنه الله في الملأ الأعلى وهو يأمر الملائكة بالسجود لآدم ، وأعلنه في القرآن الكريم في قوله "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ "(الإسراء 70) وحرص الانسان على أداء واجبه كاملا في العمل الذي يوكل اليه مظهر من مظاهر الأمانة، فإخلاص الرجل في عمله، وحرصه على اجادته واتقانه صفة المسلم الحق والقرآن الكريم يمدح الذين يراعون الأمانة في أعمالهم فيقول "وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰ⁠عُونَ ۝٣٢ وَٱلَّذِینَ هُم بِشَهَـٰدَ ٰ⁠تِهِمۡ قَاۤىِٕمُونَ ۝٣٣ وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ یُحَافِظُونَ ۝٣٤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی جَنَّـٰتࣲ مُّكۡرَمُونَ ۝٣٥" (المعارج 32-35)

ومن الأمانة ألا يستغل الرجل منصبه الذي عين فيه لجر منفعة شخصية له وألا يستخدم نفوذه لنفع قرابة له فان المساس بالمال العام جريمة

جعلني الله وإياكم من القائمين بالأمانة على الوجه الذي يرضي الله

وصلى الله على نبينا محمد

1435-5-4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 9 =

/500