الدرس235: البدع

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 28 ربيع الثاني 1436هـ | عدد الزيارات: 2025 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

البدع: هي كل ما أحدث على غير مثال سابق، ثم منها ما يتعلق بالمعاملات وشئون الدنيا، كاختراع آلات النقل من طائرات وسيارات، وأجهزة الكهرباء، وأدوات الطهي، والمكيفات التي تستعمل للتدفئة والتبريد وآلات الحرب من قنابل وغواصات ودبابات إلى غير ذلك مما يرجع إلى مصالح العباد في دنياهم فهذه في نفسها لا حرج فيها ولا إثم في اختراعها، أما بالنسبة للمقصد من اختراعها وما تستعمل فيه فإن قصد بها خير واستعين بها فيه فهي خير، وإن قصد بها شر من تخريب وتدمير وإفساد في الأرض واستعين بها في ذلك فهي شر وبلاء وقد تكون البدعة في الدين عقيدة أو عبادة قولية أو فعلية، كبدعة نفي القدر، وبناء المساجد على القبور، وإقامة القباب على القبور، وقراءة القرآن عندها للأموات، والاحتفال بالموالد إحياء لذكرى الصالحين والوجهاء، والاستغاثة بغير الله والطواف حول المزارات، فهذه وأمثالها كلها ضلال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، لكن منها ما هو شرك أكبر يخرج من الإسلام، كالاستغاثة بغير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية، والذبح والنذر لغير الله إلى أمثال ذلك مما هو عبادة مختصة بالله، ومنها ما هو ذريعة إلى الشرك كالتوسل إلى الله بجاه الصالحين، والحلف بغير الله، وقول الشخص ما شاء الله وشئت

والمراد بمحدثات الأمور في قوله صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحدثات الأمور" كل ما أحدثه الناس في دين الإسلام من البدع في العقائد والعبادات ونحوها مما لم يأت به كتاب ولا سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتخذوه دينا يعتقدونه، ويتعبدون الله به زعما منهم أنه مشروع وليس كذلك، بل هو مبتدع ممنوع كدعاء من مات من الصالحين أو الغائبين منهم، واتخاذ القبور مساجد والطواف حول القبور، والاستنجاد بأهلها زعما منهم أنهم شفعاء لهم عند الله ووسطاء في قضاء الحاجات وتفريج الكربات، واتخاذ أيام موالد الأنبياء والصالحين أعيادا يحتفلون فيها ويعملون ما يزعمونه قربات تخص ليلة المولد أو يومه أو شهره إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء منها، ويتضح مما ذكرنا أن بعض المحدثات يكون شركا كالاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، وأن بعضها يكون بدعة فقط ولم تبلغ أن تكون شركا كالبناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها ما لم يغل في ذلك بما يجعله شركا

والأصل في باب العبادات التوقيف فمن قال: إن هذه العبادة مشروعة فعليه أن يأتي بالدليل الشرعي الدال على مشروعيتها وإلا فهي مردودة، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد

ومعنى البدعة لغوياً: هي ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال سابق، وأما معناها الاصطلاحي فهي: إحداث عبادة قولية أو فعلية أو عقدية لم يشرعها الله سبحانه وتعالى، والبدع كلها ضلالة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم

وننصح بالرجوع إلى كتاب "الاعتصام" للشاطبي فقد تكلم فيه عن البدع بما لا تكاد تجده مجموعا في غيره، وكذلك كتاب "السنن والمبتدعات" للشيخ محمد أحمد عبد السلام الحوامدي، وكتاب "الإبداع في مضار الابتداع" للشيخ على محفوظ، كلاهما من علماء مصر وقبلهما بزمن طويل كتاب "البدع والنهي عنها" للإمام محمد بن وضاح، و "تنبيه الغافلين" للنحاس، و "زاد المعاد" للعلامة ابن القيم، و "اقتضاء الصراط المستقيم" لشيخ الإسلام ابن تيمية

وأما من يقولون إن للبدعة قسمين الأول حسنة أي يجوز العمل بها والثاني غير حسنة فهذا التفسير غير صحيح لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" والحديث رواه مسلم في صحيحه

ونوصي بمراجعة كتاب "البدع والنهي عنها" لابن وضاح

لا يجوز رفع الصوت بقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين دبر الصلاة لا من أحد المصلين ولا من جماعتهم ولو بقصد التعليم، بل هو بدعة لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم وعلى هذا ليس لك أن توافقهم على بدعتهم، بل عليك أن تنكر ذلك وتبين لهم الحق بقدر ما تستطيع بالحكمة والموعظة الحسنة لقوله تعالى "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل 125)ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان

معنى حديث "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أي أن من ابتدع في الدين بدعة يضاهي بها تشريع الله فهي مردودة عليه غير مشروعة ومحدثها آثم، مثل الجهر بآية الكرسي عقب الصلوات الخمس ومثل زيادة أشهد أن عليا ولي الله وجهر المؤذن بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، أما إتيان المؤذن بها سرا فسنة

أما معنى حديث "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ...." إلخ أي أن من عمل بسنة صحيحة قد ترك الناس العمل بها، فقد أحياها بذلك لتتابع الناس على العمل بها بسببه، وكذا لو وعظهم وذكرهم بها فتتابعوا على العمل بها، ويؤيد هذا المعنى ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي عمرو جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار، أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ..." إلى آخر الآية " ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " (النساء1) والآية التي في الحشر "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ " ( الحشر18) تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره" حتى قال "ولو بشق تمرة" فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

1436-04-28 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي