تفسير سورة الشمس

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 29 ربيع الثاني 1436هـ | عدد الزيارات: 3641 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة الشمس مكية وآياتها 15

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا

هذه السورة القصيرة تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ به السورة والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة حقيقة النفس الإنسانية واستعداداتها الفطرية ودور الإنسان في شأن نفسه وتبعته في مصيرها هذه الحقيقة التي يربطها سياق السورة في حقائق الكون ومشاهده الثابتة .

كذلك تتضمن قصة ثمود وتكذيبها بإنذار رسولها وعقرها للناقة ومصرعها بعد ذلك وزوالها وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكي نفسه فيدعها للفجور ولا يلزمها تقواها كما جاء في السورة قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها

في تلك الآيات العشر يقسم الله تعالى سبع مرات بسبع آيات كونية هي الشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض والنفس البشرية مع حالة لكل مقسم به وذلك على شيء واحد وهو فلاح من زكى تلك النفس وخيبة من دساها ومع كل آية جاء القسم بها توجيهاً إلى أثرها العظيم المشاهد الملموس الدال على القدرة الباهرة وذلك كالأتي "وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا" أي: نورها، ونفعها الصادر منها، فالشمس وحدها آية دالة على قدرة خالقها لما فيها من طاقة حرارية في ذاتها تفوق كل تقدير وهي على الزمان بدون انتقاص فهي في ذاتها آية ثم جاء وصف أثرها وهو ضحاها وهو إنتشار ضوءها ضحوة النهار وهذا وحده آية لأنه نتيجة لحركتها وحركتها آية من آيات الله ففي هذا السير قدرة باهرة ودقة متناهية "وضحاها" نتيجة لهذا السير ثم ضحاها فيه نعم جزيلة على الكون كله من انتشار في الأرض وانتفاع بضوئها واشعتها فالضحى وحده آية

وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا أي: تبعها في المنازل والنور فهو وحده آية وكذلك تلوه للشمس ونظام مسيره بهذه الدقة وهذا النظام فلا يسبقها ولا تفوته ، وفي قوله تعالى "إذا تلاها" أي تلى الشمس دلالة على سير الجميع وأنها سابقته وهو تاليها .

تاليها عند أول الشهر تغرب ويظهر من مكان غروبها

ولا يخفى ما في القمر من فوائد للخليقة من تخفيف ظلمة الليل وكذلك بعض الخصائص على الزرع وأهم خصائصه بيان الشهر بتقسيم السنة ومعرفة العبادات من صوم وحج وزكاة .

وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا أي: جلى ما على وجه الأرض وأوضحه

والنهار هو أثر من أثار ضوء الشمس

وجلاها: الضمير راجع للأرض أي كشفها وأوضح كل ما فيها ليتيسر طلب المعاش والسعي .

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا أي: يغشى وجه الأرض، فيكون ما عليها مظلم
فتعاقب الظلمة والضياء، والشمس والقمر، على هذا العالم، بانتظام وإتقان، وقيام لمصالح العباد، أكبر دليل على أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه المعبود وحده، الذي كل معبود سواه باطل .

وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا "ما" موصولة، فالإقسام بالسماء وبانيها، الذي هو الله تبارك وتعالى "وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا" أي: مدها ووسعها، فتمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها، بجميع وجوه الانتفاع"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا" أي أنشأها وأبدعها مستعدة لكمالها والتنكير للتكثير فالنفس آية كبيرة من آياته التي يحق الإقسام بها فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل والحركة والتغير والتأثر والانفعالات النفسية، من الهم، والإرادة، والقصد، والحب، والبغض، وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على ما هي عليه آية من آيات الله العظيمة "فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" أي بين لها الخير والشر .

وقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح، "وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا" أي: أخفاها في مزابل المعاصي وأمات استعدادها للخير بالمداومة على إتباع طرق الشيطان وفعل الفجور، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها .

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله، "إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا" أي: أشقى قبيلة ثمود، وهو " قدار بن سالف " لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم، "فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ" صالح عليه السلام محذرًا: "نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا" أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحًا، "فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ" أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبا، "فَسَوَّاهَا" عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة "وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا" أي: تبعتها .
أي كيف لا يخاف من التبعة المترتبة على قتله للناقة .

وهنا نستنبط حكماً شرعياً أنهم لما كانوا راضين ونادوه وتعاطى فعقرها وحده كان هذا باسم الجميع فكانت العقوبة تعم الجميع ويؤخذ من هذا قتل الجماعة بالواحد .

تم تفسير سورة الشمس ولله الحمد والمنة.

29 - 4 - 1436هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر