الدرس279 : صلاة التراويح

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 4 شعبان 1437هـ | عدد الزيارات: 1644 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة لها مشهور، وتلقته الأمة عنهم خلفا بعد سلف وأول من جمعهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل عمر رضي الله عنه، وهو خليفة راشد، ولا ينكر التراويح إلا أهل البدع من الرافضة

وقد دلت الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة وقد سأل أبو سلمة عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، قالت (ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر، فقال يا عائشة: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) متفق عليه، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بعض الليالي ثلاث عشرة ركعة فوجب أن يحمل كلام عائشة رضي الله عنها في قولها (ما كان يزيد صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) على الأغلب جمعا بين الأحاديث، ولا حرج في الزيادة على ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد في صلاة الليل شيئا، بل لما سئل عن صلاة الليل قال (مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) متفق عليه، ولم يحدد إحدى عشرة ركعة ولا غيرها، فدل على التوسعة في صلاة الليل في رمضان وغيره.

وصلاة التراويح في رمضان مع إمام واحد في المسجد سنة سنها نبينا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الثانية فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال:( رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم) أخرجه مسلم، وما رواه عبد الرحمن بن عبد القاري قال (خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يعني آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله) رواه البخاري

ومما تقدم يتبين أن صلاة التراويح كانت تصلى جماعة في المسجد في عهده عليه الصلاة والسلام، ثم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم استمر عمل المسلمين على ذلك إلى اليوم، وأما قول عمر رضي الله عنه (نعمت البدعة هذه) فمراده رضي الله عنه أنها بدعة من حيث اللغة، لكونها لم تصل في عهده صلى الله عليه وسلم جماعة في صفة مستمرة، وإنما صلى بهم صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال أو أربعا جماعة ثم ترك، مخافة أن تفرض عليهم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم أمن من فرضها عليهم وأمر بها عمر رضي الله عنه

والسرعة بصلاة التراويح إذا كانت لا تخل بالمعنى فلا حرج في ذلك، ولكن عدم السرعة أفضل عملا بقوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) [المزمل 4]وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في قراءته في الصلاة

إذا كان الإمام يسرع في القراءة لصلاة التراويح فإنه يشرع للمأموم أن يلتمس إمامًا آخر يرتل القراءة ويطمئن في الصلاة، فإن لم يتيسر ذلك صلى التراويح منفردا في بيته، وينبغي لخواص المأمومين أن ينصحوا هذا الإمام حتى يرتل ويطمئن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة) أخرجه مسلم

صلاة التراويح في شهر رمضان سنة بالنسبة لسكان الحضر وسكان البادية دون فرق لعموم الأدلة

يشرع للرجل أن يصلي التراويح في بيته إذا فاتته مع الجماعة، وصلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد، سواء كانت فريضة أم نافلة تراويح أم غيرها

لا حرج على الإنسان أن يصلي التراويح في البيت لكونها نافلة، لكن صلاتها مع الإمام في المسجد أفضل تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما صلى بهم التراويح في بعض الليالي إلى ثلث الليل وقال له بعضهم: لو نفلتنا بقية ليلتنا (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلته) رواه أحمد وأصحاب السنن بإسناد حسن من حديث أبي ذر رضي الله عنه

فمن صلى التراويح في البيت فاته فضيلة الجماعة والسعي إليها، ويجب عليه أن يحرص على صلاة الفريضة جماعة في المسجد

واختلف أهل العلم في حكم قراءة الإمام في المصحف في قيام الليل، فكرهه بعضهم وأجازه جمهورهم ففي كتاب (قيام الليل وقيام رمضان) للشيخ العلامة محمد بن نصر المروزي (عن ابن أبي مليكة أن ذكوان أبا عمرو كانت عائشة أعتقته عن دبر -يكون حراً بعد وفاتها- فكان يؤمها ومن معها في رمضان في المصحف) رواه البخاري، وسئل ابن شهاب عن الرجل يؤم الناس في رمضان في المصحف قال مازالوا يفعلون ذلك منذ كان الإسلام، كان خيارنا يقرؤون في المصاحف

قول الناس (صلاة القيام أثابكم الله) وقول الإمام (اللهم صل وسلم على سيدنا محمد) بصوت مرتفع، وقول المأمومين ذلك بعده وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين بصوت مرتفع بعد صلاة الركعتين -كل هذا من البدع المحدثة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

السنن الرواتب

الأفضل في صلاة التهجد في الليل الجهر في القراءة إن كان الجهر أنشط للمصلي أو كان معه من يأتم به، وإن كان الإسرار أنشط أو أنه يتأذى في الجهر من حوله فالأفضل له الإسرار

ولا يكون المسلم مذنبا إذا أدى الصلوات المفروضة ولم يصل السنة لكن يفوته بتركها الأجر الكثير

أغلبية المصلين حين الانتهاء من صلاة الفريضة يغيرون أماكنهم لأداء صلاة السنة ولم يثبت في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم والأمر فيه واسع، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله، وصلاة النافلة في البيت أفضل

ولا تشرع للنوافل إقامة الصلاة وإنما الإقامة للفرائض الخمس، أما التحيات فواجبة في جميع الصلوات، الفرض والنفل وسنة الفجر مثل غيرها من الرواتب إلا أنها آكدها لقول عائشة رضي الله عنها (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر) متفق عليه

وتسن صلاة ركعتين بين كل أذان وإقامة، لما ثبت في الحديث: بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء

يشرع للمسلم إذا ألقيت الموعظة بعد الصلاة أن يستمع لها ثم يصلي الراتبة كالظهر والمغرب والعشاء

وإذا جاء المصلي لصلاة الفجر بعد دخول الوقت ولم تقم الصلاة فإنه يصلي سنة الفجر، وتكفيه عن تحية المسجد، وإن كانت الصلاة قد أقيمت فإنه يدخل مع الجماعة في صلاة الفريضة وبعد الفراغ منها يصلي النافلة الراتبة، وإن أخرها إلى ما بعد ارتفاع الشمس كان أفضل

تطوع كل فريضة من صلاة وصيام وزكاة ونحوها يكمل بها ما نقص من الفريضة، لما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أتمها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملوا بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك

تجوز صلاة النافلة جالسا ويكون الأجر على النصف من صلاتها قائما إذا كان قادرا على القيام، أما العاجز من مرض ونحوه فأجره كامل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله صحيحا مقيمًا) رواه البخاري

ويشرع له أن يقرأ في صلاة النافلة سورة مع الفاتحة أو آيات من القرآن، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وعملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، فإذا اقتصر على الفاتحة صحت صلاته

جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث طويل قوله صلى الله عليه وسلم: فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة

لا بأس بتأخير تأديتها قبل خروج الوقت، والأفضل تعجيل النافلة خشية أن يطرأ ما يفوتها من شغل أو نسيان

وإذا أقيمت الصلاة فلا يجوز الدخول في نافلة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم

وإذا دخل الرجل المسجد في وقت النهي فلا يجلس حتى يصلي تحية المسجد، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) أخرجه أبو داود

ليس بعد أذان الفجر بعد دخول وقته نافلة إلا سنة الفجر، وهي تكفي الداخل عن تحية المسجد

نية الشروع في الصلاة محلها القلب، والنطق بها جهرا أو سرا بدعة

إذا نام المسلم عن صلاة الفجر أو نسيها حتى طلعت الشمس شرع له أن يصلي سنة الصبح قبلها

لا تشرع صلاة النافلة الراتبة للمسافر إلا ركعتا الفجر، لما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال (صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر) وقال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب 21] وفي رواية يزيد بن زريع قال حفص بن عاصم (مرضت فجاء ابن عمر يعودني فسألته عن السبحة في السفر فقال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيته يسبح ولو كنت مسبحا لأتممت) وللبخاري عن حفص بن عاصم أنه سمع ابن عمر يقول:( صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك )

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/8/4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي