الدرس 137: خيار العيب

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 27 ذو القعدة 1438هـ | عدد الزيارات: 1817 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

القسم الخامس من أقسام الخيار خيار العيب وما بمعناه وهو ما يُنقص قيمة المبيع عادة فما عده التجار في عرفهم منقصاً أنيط الحكم به وما لا فلا، والعيب كمرضه على جميع حالاته في جميع الحيوانات وفقد عضو كإصبع وسن أو زيادتهما وزنا

وقد فصلت هذا في آخر الدرس السابق

ونبدأ درس اليوم عند قوله وزنا رقيق

فإذا زنا الرقيق فزناه عيب معنوي

إذا بلغ عشر سنوات لأن ابن العشر قد يُحمل منه وبتسع سنوات في النساء لأن بنت التسع قد تحمل، حيث أن سن البلوغ للنساء يبدأ من التاسعة، وعائشة رضي الله عنها دخل بها الرسول صلى الله عليه وسلم وعمرها تسع سنوات

قوله (وسرقته) من باب إضافة المصدر إلى فاعله

والحكم في ذلك عرف الناس، فإذا قالوا: إن زناه أو سرقته يوجبان أن تنقص قيمته فهذا عيب، وكذا شربه للمسكر

قوله (وإباقه) أي: هربه، سواء كان الإباق مطلقاً بمعنى أن يهرب أياماً، أو كان إباقه مؤقتاً مثل أن يخرج الصبح فلا يرجع إلا في المساء، فإذا عرف بالأباق فهو عيب؛ لأن هروبه يفوت على سيده مصالحه، والإباق ينقص قيمة المبيع

قوله (وبوله في الفراش) عيب إذا كان في سن لا يبول فيها مثله في فراشه

والعرف عند الناس أنه إذا كان الطفل يبول وعمره ثمان سنوات فهذا من العيب الذي ينقص من قيمة العبد

وإذا كان به سلس فهذا عيب ومرض أيضاً

وإذا كان أعسر لا يعمل بيمينه عملها المعتاد، ويعمل باليسار أكثر مما يعمل بيمينه، فيكتب بيساره، ويرمي بيساره، ويضرب بيساره، ويساره هي التي فيها القوة، واليمين لا يعرف أن يعمل بها شيئاً إلا الأكل، ولولا أنه نهي عن الأكل بالشمال لأكل بشماله، وهذا يسمى أعسر، فإذا اشترى عبداً وتبين أنه أعسر فهل تنقص قيمته إذا كان أعسر

الجواب: إذا قال أهل البيع في الرقيق إنها لا تنقص فليس بعيب، وإن قالوا تنقص فهو عيب، وإذا كان أعسر يسِر لم يكن عيباً؛ والأعسر اليسر الذي يعمل بيديه جميعاً على حد سواء، فيوجد بعض الناس يعمل باليد اليمنى واليسرى سواءً، يكتب باليمنى وباليسرى، فهو زيادة خير

قوله (فإذا علم المشتري العيب بعدُ) بضم الدال، حُذِف المضاف إليه ونوي معناه، ويمكن تنصيب (بعد) وتنوي اللفظ لأن هذا على نية المتكلم

فإذا قال مثلاً: فإذا علم المشتري العيب بعدَ، عرفنا أنه حذف المضاف إليه ونوى لفظه

فقوله (بعد) أي علم المشتري العيب بعد العقد، فإذا علم به عند العقد فلا خيار له؛ لأنه عقده عليه مع علمه بعيبه يدل على رضاه به، وإذا رضي بالعيب فقد لزم البيع

قوله (بأرشه، وهو قسط ما بين قيمة الصحة والعيب) والأرش فسره المؤلف بقوله (قسط) أي: قسط ما بين قيمة الصحة والعيب، وقال (قيمة) ولم يقل ثمن، والفرق بين القيمة والثمن، أن القيمة هي ثمنه عند عامة الناس، والثمن هو الذي وقع عليه العقد، فإذا اشتريت ما يساوي ثمانية بستة، فالقيمة ثمانية والثمن الستة

فلا تقل عند كتابة العقود: باعه عليه بقيمة قدرها كذا وكذا، قل: بثمن قدره كذا وكذا، ولا تقل: باعه بثمن قدره كذا، والقيمة واصلة، بل قل: الثمن واصل، لأن القيمة قد تزيد على ما تم الشراء عليه

مثال آخر: اشتريت سيارة بثمن قدره عشرة آلاف ريال لكن قيمتها أكثر من ذلك فالصواب أن تقول الثمن ولا نقول القيمة ونقول الثمن للسيارة واصل ولا نقل القيمة واصلة

تحرياً للصواب في معاملاتنا التجارية ولهذا قال (قسط ما بين قيمة الصحة والعيب)

فيُقوم هذا الشيء صحيحاً ثم يقوم معيباً وتؤخذ النسبة التي بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً

وتكون هي الأرش فيسقط نظيرها من الثمن ويكون التقويم وقت العقد لا وقت العلم بالعيب لأن القيمة قد تختلف فيما بين وقت العقد والعلم بالعيب

قوله (أو رده وأخذ الثمن) أي: إذا وجدت في المبيع عيب فلك أن ترد المبيع وتفسخ البيع وتأخذ الثمن فالمشتري بالخيار هذا قول الفقهاء رحمهم الله

أما الأرش فيقول ابن تيمية: لا بد من رضا البائع لأنه معاوضة فالبائع يقول أنا بعت عليك هذا الشيء إما أن تأخذه وإما أن ترده أما الأرش فهذا يعتبر عقداً جديداً وهذا قول وجيه

وإذا علمنا أن البائع مدلس أي عالم بالعيب فهنا يكون الخيار بين الإمساك مع الأرش وبين الرد، معاملة له بأضيق الأمرين، وكذلك يقال في خيار التدليس وخيار الغبن

قوله (وإن تلف المبيع أو عتق العبد تعين الأرش) المشتري بين خيارين، إما أن يرد وإما أن يأخذ الأرش عوضاً عن المعيب، لكن يتعين الأرش إذا تعذر الرد، فهذه قاعدة: إذا تعذر الرد تعين الأرش، ويتعذر الرد إذا تلف المبيع المعيب، وحينئذٍ يتعين الأرش

مثاله: رجل اشترى ناقة فوجد فيها عيباً، ولكن الناقة ماتت قبل أن يردها فيتعين الأرش

مثال آخر: اشترى عبداً فأعتقه، ثم وجد فيه عيباً، فيتعين الأرش؛ لأنه تعذر الرد لأن عبوديته الآن زالت

ويتعين الرد إذا لزم من الأرش الربا، مثل أن يبيع حلياً من الذهب بوزنه دنانير ثم يجد في الحلي عيباً، فهنا لا يمكن أن يأخذ الأرش؛ لأنه يلزم منه الوقوع في الربا، إذ سيكون للمشتري ذهب بوزن الذهب الذي دفع، ثم يزاد على ذلك الأرش.
فالضابط: إذا تعذر الرد تعين الأرش، وإذا لزم منه الوقوع في الربا تعين الرد

قوله (وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره كجوز هند وبيض نعام فكسره فوجده فاسداً فأمسكه فله أرشه، وإن رده رد أرش كسره)

إذا اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره كجوز الهند، وجوز الهند كبير وكبيض النعام أو نحوه، والمقصود منه ما كان داخل القشر، فإذا كسره فوجد ما كان داخل القشر فاسداً، وهذا عيب، وله الخيار إن شاء رده وأخذ الثمن، ولزم رد أرش الكسر؛ لأن قشر بيض النعام ينتفع به كأوانٍ وإن شاء أمسكه وأخذ الأرش
وظاهر كلام المؤلف أنه إذا لم يكن هناك فساد في الكسر فإنه لا يرد أرش الكسر، كما لو شذبه شذباً متساوياً فصار قطعتين، يمكن أن ينتفع بهما على أنهما إناءان فحينئذٍ لا أرش لهذا الكسر؛ لأنه لم يتأثر

قوله (وإن كان كبيض دجاج رجع بكل الثمن) لأن بيض الدجاج لا ينتفع الناس بقشره، بل يرمى في الزبالة، ولأنه تبين فساد العقد من أصله، لكونه وقع على ما لا نفع فيه وليس عليه رد فاسد ذلك إلى بائعه لعدم الفائدة فيه ولو قال البائع أعطني القشور إذا كنت تقول إن العقد فاسد فإنه لا يلزمه لأنه لا قيمة لها عادة وترمى في الزبالة

إذ من شرط العقد أن يكون على عين ينتفع بها، وهذا لا نفع فيه.

وإذا كان بطيخة (حبحبة) فلما شقها وجدها فاسدة، فلا يرجع بكل الثمن؛ لأن هذه البطيخة يمكن أن تكون علفاً للدواب، وله أن يردها، مع رد أرش الشق الذي حصل منه

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

27-11-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 144  الجزء الرابع حكم الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي